التصنيفات
مقالات الضيوف

من حقي كمشجع أتفرج على مباريات قوية بين أفضل الفرق

ومش مشكلتي إن باقي الفرق مش قادرة تنافس

أحد التعليقات على الحلقة الأخيرة (حروب الجيل Z)، واللي فيها انتقاد لفكرة السوبرليج، كان بيكرر العبارة المعتادة اللي واجهتها تقريبًا مع كل مرة اتكلمت فيها عن السوبرليج.

“من حقي كمشجع أتفرج على مباريات قوية بين أفضل الفرق كل أسبوع، ومش مشكلتي إن باقي الفرق مش قادرة تنافس”.

دي تقريبًا نفس الفكرة اللي اتكلم عنها فلورنتينو بيريز، إنه في فرق محدش يعرفها، ومحدش عايز يتفرج عليها، وبالتالي وجودها غير مهم، وكررها من بعده كتير من المشجعين على اختلاف انتماءاتهم.

دي فرصة مناسبة عشان نتكلم في حاجة المفروض تكون من بديهيات الحياة مش بس الكورة.

– ليه الفكرة دي سيئة؟

= ببساطة ومن غير تعقيد، الفكرة دي عاملة زي إنك تقول والله الناس اللي بتلم الزبالة دي مش مهمة، وعربياتهم بتعمل دوشة، وبييجوا في مواعيد مش تمام، فإحنا عايزين مجتمع من غير ناس بتلم زبالة. دي مش محاولة للتفلسف، ده أقرب تشبيه للموضوع فعلًا.

= نتخيل إن السوبرليج اتعمل، وبقى في مباريات كل أسبوع فعلًا بالنظام المقترح وهو نظام الدوري مش بطولة خروج مغلوب، ولنفترض إنه حيجيب عوائد خيالية فعلًا زي ما قال بيريز ولابورتا وأنييلي.

اللي حيحصل بعدها ببساطة إن شبكات البث والرعاة حيروحوا للسوبرليج، لأنه في وجود السوبرليج مفيش حد حيكون عايز يشوف ريال مدريد وغرناطة أو برشلونة وقادش (ممكن يخسروا لو لاعبوا قادش دلوقتي بس ما علينا)، ومش حيتبقى من الليجا مثلًا غير مباريات زي ريال مدريد/برشلونة مع إشبيلية/فالنسيا/الأتليتي/بعضهم بره، ونفس الشيء حيحصل في البريميرليج وهكذا، وده كله حيكون تمهيد مناسب جدًا لأن الدوريات دي تتفكك وتتباع خردة بالمعنى الحرفي، يعني عقود البث تبتدي تشتري مباريات بعينها مش الدوري كله، لأنه طبعًا محدش عايز يشوف ليستر وإيفرتون أو بيرنلي وكريستال بالاس أو ديربي الأندلس بين إشبيلية وبيتيس.

-طب وإيه المشكلة؟ ما هو كده كده دلوقتي محدش بيشوف المباريات دي يعني!

= صحيح، لكنها بتتباع حتة واحدة مع مباريات تشيلسي وليفربول وسيتي ويونايتد وأرسنال، وده بيديها قيمة إضافية بترجع على الأندية الصغيرة دي لما عقود البث يتوزع جزء كبير منها بالتساوي، ويبقى الفرق بين أكتر فريق خد فلوس وأقل فريق لا يتجاوز 30-40 مليون باوند، وبالتالي الفلوس دي بتسمحلها إنها تستمر على قيد الحياة ويبقى في دوري فعلًا بيتلعب.

– بسيطة؛ عنه ما بقى في دوري يتلعب..يعني لازمته إيه البريميرليج ولا الليجا وأنا كل أسبوع بأشوف بايرن وباريس ولا ريال وتشيلسي؟ ما يتحرقوا!

= لو ما بقاش في دوري يتلعب، ولو ما بقتش الأندية دي موجودة وقادرة تعيش وتشتري لعيبة وتكسب فلوس ولو قليلة، ويجمعها سوق واحد بالكبار، كرة القدم حتنتهي حرفيًا في خلال سنين قليلة.

– كلام فارغ..كرة القدم عمرها ما حتنتهي!

= النقطة المهمة، أو الأهم على الإطلاق، اللي كل مؤيدي السوبرليج مش واخدين بالهم منها، هي إن الأندية اللي بيشجعوها، اللي هي أندية السوبرليج، فعليًا يعني، لا تنتج أي مواهب من أي نوع، حتى لاعبي الأكاديميات بتوعها اللي بقى لهم في النادي 10 و12 سنة قبل ما يصعدوا الفريق الأول، ماكانتش خطوتهم الأولى في الكورة في حياتهم إنهم يروحوا النادي.

– يعني إيه؟

= يعني الجغرافيا ببساطة، في آخر يورو مثلًا، 25 من الـ26 لاعب اللي مثلوا منتخب إنجلترا كلهم بدأوا في أندية متوزعة على خريطة البلد، 99% منها أندية إنت عمرك ما سمعت عنها، ما بتلعبش في البريميرليج ولا حتى التشامبيونشيب.

عارف مين اللاعب اللي باقي؟ ديكلان رايس، بدأ في تشيلسي، وللمفارقة تشيلسي استغنى عنه.

الموضوع بسيط جدًا، تخيل نفسك طفل عندك 6-10 سنين وبدأ يظهر عليك علامات الموهبة، فأبوك وأمك قرروا ياخدوك النادي تلعب، هل ساعتها حينقلوا حياتهم كلها للندن أو مدريد أو تورينو؟ حيسيبوا شغلهم وإنت حتغير مدرستك وتنتقل لمجموعة من أغلى المدن على مستوى المعيشة في العالم اللي متركز فيها الأندية اللي المشجعين بتوع السوبرليج يعرفوها؟ وحيعملوا ده ليه؟ عشان طفل عمره 10 سنين احتمال يبقى لعيب كورة واحتمال لأ؟ وهو أصلًا في كام واحد في إنجلترا أو إسبانيا أو إيطاليا يقدر على تكاليف المعيشة في العواصم أو المدن الكبيرة؟

الحل البديهي الواضح: إن الطفل ده حيروح أقرب نادي لبيته، لأنه مش منطقي إن حياته وحياة أهله كلها تتغير في لحظة بناءًا على حاجة ممكن تحصل أو ما تحصلش كمان 10 سنين، ولو أثبت كفاءة نبقى نشوف ساعتها حنعمل إيه.

هنا بقى إحنا مش بنتكلم على إيفرتون وويستهام وأوساسونا وساسوولو اللي حيختفوا تدريجيا برضه لو تم موضوع السوبرليج، إحنا بنتكلم على مستوى أقل بكتير؛ مجرد ملعب ومدرب/كشاف هاوي، غالبًا متطوع، ما يقدرش يعمل حاجة غير إنه لو لاحظ عليك الموهبة يكلم النادي الأكبر منه في سلسلة الغذاء الكروي، وده غالبًا حيكون نادي في الدرجة التالتة أو الرابعة أو حتى نادي هاوي.

لو خدنا منتخب إنجلترا كمثال، فلو الأندية الصغيرة التى لا تُرى بالعين المجردة دي اختفت، ببساطة إنجلترا ماكانش حيبقى عندها منتخب أصلًا، وممكن تقيس على باقي الدول، يعني ماذا كان ليحدث لهاري كين وديفيد بيكام لو لم يكن هناك ريدجواي روفرز (نادي هاو في إنجلترا يعتمد على المتطوعين فقط وأوشك على الإفلاس في 2012)؟ ماذا كان ليحدث لرونالدو دي ليما لو لم يكن هناك نادي ساو كريستوفاو (الدرجة الثالثة البرازيلية الآن)؟ ماذا كان ليحدث لكيليان مبابي لو لم يكن هناك نادي إيه إس بوندي (نادي متناهي الصغر في الدرجات الدنيا الفرنسية)؟ مودريتش وإن كي زادار (لم يعد له وجود في كرواتيا أصلًا)؟ إنييستا وألباسيتي بالومبيي (الدرجة الثالثة الإسبانية)؟ تييري هنري ومركز شباب فيرساي (نادي هاو قائم على تطوير اللاعبين الشباب فقط لا غير)؟ أندية الدرجة الثالثة والرابعة البولندية التي تنقل بينها ليفاندوفسكي قبل أن يصل لليخ بوزنان ومنه لدورتموند؟

كل دي أندية قضى فيها اللاعبين دول 5 سنين على الأقل قبل ما ينتقلوا للمستوى الأعلى، وقدهم 10 مرات ما قدروش ينتقلوا للمستوى ده بسبب تكاليف المعيشة، وبسبب مصاريف التدريب والمعدات والأكل وغيرها اللي بتبقى عبء على أسر كتير لمجرد إن إبنهم يلعب رياضة، وحتى لو كل المصاعب دي اختفت، فلا برشلونة ولا ريال مدريد ولا حتى أندية الدول الغنية تقدر تستقبل العدد ده من اللاعبين الشبان والمراهقين في المراحل العمرية المختلفة، لأنه في النهاية، أتخن أكاديمية في العالم ما بتطلعش غير 2-3 كل موسم صالحين للفريق الأول، والباقي بقى..بالظبط كده، بييجي من اللعيبة اللي بتتطور وبتاخد دقايق في الأندية اللي مش عاجبة مشجعين السوبرليج وعايزينها تختفي من ع الخريطة، ولما تختفي، مفيش طفل حيسافر كل يوم 3-4-5-6-7 ساعات على حسب هو ساكن فين عشان يروح يتدرب في تورينو أو مدريد أو برشلونة أو مانشستر.

الحقيقة الفكرة دي مش بس سيئة، دي كمان غبية لدرجة يصعب تخيلها، كأن واحد بيقول مثلًا الجذور بتاعت الشجرة دي ما بتتاكلش، وكده كده الفاكهة بتطلع فوق مش تحت، فخلينا نقطع جذور الشجرة بدل ما هي عمالة تسحب ميه ع الفاضي، شيء يصعب على إنسان ناضج إنه يتخيله أصلًا.

ببساطة إنت لما تقلل الميه اللي واصلة للأندية الصغيرة دي تبقى بتستبعد 90% من سكان البلد أصلًا، ومش أي 90%، دول الـ90% اللي نسبة لعيبة الكورة فيهم أعلى أصلًا، لأن ببساطة المدن الكبيرة ما بتطلعش لعيبة غير نادر جدًا في كل العالم، بحكم أن نسبة التعليم والدخل فيها أعلى.

الأهم؛ إنها فكرة فيها قدر بشع من النرجسية والاستحقاق، يعني سيبك من إننا كشعوب عالم تالت تلات إربعنا لا بيدفع اشتراك ولا يحزنون ولا غرمان حاجة في ده أو ده، لكن جملة “من حقي كل أسبوع أشوف مباريات قوية بين فلان وعلان” دي ماعرفش أصلها إيه..مين قالك إنه من حقك حتى لو بتدفع الاشتراك؟ بأمارة إيه يا معلم؟ يعني إيه المرجعية هنا؟ رغباتك الشخصية فقط لا غير؟ يعني ممكن بعد السوبرليج بتلات أربع سنين تقولنا إيه توتنهام وميلان وإنتر وأرسنال اللي بييجوا ياخدوا على قفاهم ويروحوا دول ما تيجوا نعمل دوري الآلهة ونطلعهم منه؟

الكلام اللي قاله بيريز صح 100%، محدش عايز لا حيعوز حيتفرج على بيرنلي وكريستال بالاس أو ألافيش وخيتافي غير الكام ألف اللي بيشجعوهم، لكنه تدليس واستعباط واستهبال، لأنهم مش موجودين عشان الناس تتفرج عليهم وبس، هم موجودين عشان ببساطة شديدة جدًا وبراجماتية شديدة جدًا إنت ما تقدرش تعيش من غيرهم.

موضوع السوبرليج ده عامل زي ما تكون جبت إنسان بدائي من عصر الكهف وقعدته قدام كمبيوتر، فشاف شاشة وألوان وكيبورد يخبط عليه، وبعدين قلتله ما تيجي نشيل الـ Mother Board مثلًا، فقالك فين الـ Mother Board ده؟ قلتله في العلبة اللي تحت دي، فقالك ماشي، لأنه مادام بعيد عن الشاشة والألوان قشطة مفيش مشكلة شيل أمها، والحقيقة العيب مش على المشجعين الساديين النرجسيين بتوعنا اللي عايزين يمحوا 99.9% من أندية الكورة عشان يتفرجوا على ماتشات حراقة كل يومين -غير مدركين إنها لما تتكرر بالشكل ده حتفقد استثنائيتها أصلًا وساعتها حيدوروا على حاجة جديدة برضه- لكن العيب على النصابين اللي ماسكين الأندية وبيدعوا إنهم فاهمين اللعبة وعايزين مصلحتها وهم في الحقيقة مجموعة من الجشعين/الفشلة اللي عايزين يجمعوا أكبر كم من الفلوس عشان يدفعوا 120 مليون في لعيب عنده 30 سنة وباقي من عقده موسم، أو يدوا واحد بيلعب جولف 17 مليون في الموسم، أو يجيبوا واحد زي رونالدو بـ100 مليون وبعدها يجيبوله بيرلو مدرب، أو يحطوا 500 مليون في لعيبة مش عارفين حيلعبوا فين أصلًا.

المصدر