التصنيفات
افيون الشعوب

تساؤلات العقول والالسنة

إما بدافع من محاولة الفهم وإما بغرض الطعن والتشكيك

هو ليه ربنا خلق ناس أغنيا وناس فقرا ،
وليه خلى ناس مرضى وناس أصحاء ،
وليه فيه ناس بتعاني وناس مرتاحة ،
وإيه فضل اللي اتولد في بيئة صالحة فطلع ملتزم ، وإيه ذنب اللي اتولد في وسط فاسد فطلع منحرف ،
وهل كل إنسان واخد حقه في الدنيا 24 قيراط بس متوزعين ،
طب ازاي واحنا بنشوف ناس إجتمع لها المال والصحة والذرية والسعادة ، وناس تانية اجتمع عليها الفقر والمرض والبؤس والحرمان.

تساؤلات تتردد في عقول الكثير ،
وتجري على ألسنة الكثير ،
إما بدافع من محاولة الفهم وإما بغرض الطعن والتشكيك
والرد على هذه الأسئلة يتطلب أن ندرك أن الدنيا ليست أصلاً بدار قرار ولا دار حساب ،
وبالتالي فهي ليست دار عدل أو مساواة ،
خلق الله الخلق ووزع الأرزاق وقدر الأقوات ،
واقتضت حكمته جل وعلا أن يتفاوت الناس في
الغنى والفقر ، والصحة والمرض ، والرفعة والضعة ، والسعادة والشقاء ،
وهو العزيز الحكيم لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون..
فالناس ليست كلها متساوية في نصيبها من الدنيا ،
حقيقة يؤكدها الواقع ويقرها المولى عز وجل أكثر من مرة في القرآن الكريم..
” وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ “
” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ “
” وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ”
فالدنيا دار اختبار ، وتفاوت الأرزاق فيها فتنة ، وكل مبتلى فيها بحسب حاله..

طيب ازاي تبقي الدنيا امتحان ، والناس بتدخل هذا الامتحان بمعطيات وأحوال متفاوتة ، ومطلوب منهم ينجحوا ،
ألا ينافي هذا عدل الله ؟
صحيح أن امتحان الدنيا المطلوب اجتيازه هو واحد للجميع ،
ولكن عدل الله هنا يتجلى في التقييم ، فهو الذي يختلف باختلاف الظروف والأحوال ..
يعني اللي دخل اختبار الدنيا بمال قليل غير اللي دخله بمال كثير ،
واللي اجتاز الاختبار وهو مريض غير اللي اجتازه بصحته ،
واللي مدة الاختبار بالنسبة له كانت 90 سنة ، غير اللي اختباره كان 30 سنة ،
واللي عاش في عصر كعصر الصحابة والتابعين ، غير اللي عاش في زمن فتن وبدع ومنكرات القابض على دينه فيه كالقابض على جمرة من نار ،
واللي نشأ في وسط ملتزم غير اللي نشأ في مجتمع بعيد عن الالتزام ،
فالله أعدل من أي يحاسبهم كلهم بمعيار واحد ،
ويدل علي ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
” إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ ، ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا “
فمتقلقش من الناحية دي لأن ربنا له معايير كثيرة في التقييم إحنا منعرفهاش ،

مسألة الحساب وتقييم أعمال العباد أعقد وأعمق بكثير جداً من نظرتنا السطحية للأمور ،
ربنا بيحاسب كل واحد لوحده ، حساب دقيق مفصل تراعى فيه ظروفه وأحواله وأدق ملابسات حياته ،
كل واحد غير التاني ،
وكل حاجة معمول حسابها ، وميزان الحساب عند الله بالذرة فتأكد ان محدش هيتظلم ،

والله أعدل من أن يعاقب عبداً حتى يقيم عليه الحجة الكاملة ،
أما مكافأة النجاح في الاختبار فهي:
” فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ “
ففيه ناس تنجح من 50% ، وناس تنجح من 70% ، وفيه ناس تنجح ب 20 و30 % ،
كل واحد حسب المعطيات التي أعطاها الله له في اختبار الدنيا ،
وفيه درجات رأفة يعطيها الله لمن يشاء ،
فمتشغلش بالك بكيفية التقييم لإن اللي هيقيم خبير وحكيم وعدل لا يظلم
” الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ “
حتى توزيع الدرجات محدش يعرفه غير اللي وضع الاختبار ،
يعني ممكن عمل خير تعمله وانت مستصغره ، تاخد عليه من الأجر أضعاف عمل تاني إنت شايفه كبير ،
علشان كده ربنا أمرنا ألا نحقر من المعروف شيئاً ، فلا يدري أحدنا أي عمل ينجيه.

وعشان محدش فينا يعرف درجة النجاح بتاعته هتكون من كام ،
وعشان محدش فينا يعرف إمتى هتتسحب من إيده ورقة الإجابة ،
فمش مطلوب منك غير إنك تجتهد وتركز في ورقتك وملكش دعوة بغيرك ،
متفضلش تبص لكل واحد في اللجنة ، وتقول ده قاعد على كرسي مريح وانا قاعد على كرسي مكسور ،
وده قاعد تحت التكييف وانا قاعد في الشمس ، وده قاعد قدام وانا قاعد ورا ، وده معاه 10 اقلام وانا معايا قلم واحد ،
وتفضل شاغل نفسك بكل حاجة ماعدا ورقة الإجابة ،
لغاية لما الوقت ينتهي والورقة تتشد من إيدك وانت لسه مجاوبتش اللي ينجحك ،
محدش بيطلع من اللجنة غير بورقة الإجابة ، وكل حاجة بتحصل جوه اللجنة معمول حسابها في التصحيح
فمتشغلش بالك لإن مفيش حد هيتظلم ،
أما رب العزة فقد حسم تماماً مسألة الحساب وكيفية تقييمه لأعمال العباد حتى تطمئن القلوب وترتاح العقول فقال:
” وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ “
فكفى بالله حاسباً وقيماً ورقيباً ، فهو من وضع الاختبار ،
وهو من خلق لكل إنسان ظروفه الخاصة التى تساعده للنجاة يوم الحساب لأنه الأعلم بحال كل نفس و ماتٌخفى الصدور ،
وهو من يحاسب العباد بنفسه لا يوكل عنه أحداً وهو الحق العدل الكريم الرحيم سبحانه وتعالى عما يصفون

و ربنا يجازى كاتب هذه المقالة سعادة الدارين