التصنيفات
مقالات الضيوف

الزواج في مصر معقد وصعب

لأسباب مادية واجتماعية كثيرة.

الزواج في مصر معقد وصعب لأسباب مادية واجتماعية كثيرة.

وكأن هذه الأسباب لا تكفي، فالناس الآن يزيدون عليها بتقاليد جديدة سخيفة ومرهقة.

مثلاً أصبح هناك طقس التقدم للزواج (البروبوزال)، بتأثر من الأفلام الأجنبية غالبًا، الذي ينبغي أن يكون أسطوريًا ومدهشًا وموثقًا وفيه من التدبير والأشخاص والمعدات ما يفوق الجهد المبذول لتدبير مقالب رامز جلال.

وهناك الفوتوسيشن المذهل المليء بالشقاوة والإبهار البصري، وتقاليع جديدة مثل النظرة الأولى (الفيرست لوك) التي يجب أن تكون لها مواصفات معينة تجعلها صالحة للعرض على الآخرين، ناهيك عن حفل الزفاف نفسه والحزق المبذول لجعله حفلاً أسطوريًا.

في الأفلام والمسلسلات الأمريكية تيمة مجنونة تتعلق بحفلات الزفاف والتجهيزات الرهيبة قبلها وما يصاحبها من توتر وإنهاك كأنها هدف مقصود لذاته. ثم الفكرة الأكثر جنونًا على الإطلاق: عمل تدريب على الفرح!!!

كيف يكون الفرح مدروسًا ومخططًا له كأنه مسرحية؟

يمكن تفهم هذه السلوكيات في البيئات المسيحية حيث الزواج أبدي، لكن في البيئات الإسلامية التي تسمح بالطلاق ولا تنظر للزواج على أنه نهاية المطاف، فما معنى هذه الأسطرة لحفلات الزفاف؟

أفكر في أثر الكاميرا على كل ذلك. لو كنا في عالم يخلو من الكاميرات، هل كان الاحتفال ليكون بالطريقة نفسها؟ يبدو لي أنّ وجود الكاميرا يغير كل شيء.. يطبع كل التصرفات بمسحة من الافتعال والتصنع واللزوجة.

ما معنى عرض هذه اللحظات الخاصة على الآخرين. مسألة الفيرست لوك مثلا: ما معنى عرضها على الغرباء؟ إنسان نظر إلى زوجته بعد أن خرجت من الكوافير فأدهشه جمالها.. ما دخل الآخرين؟ ما المراد إثباته هنا؟

حتى فيديوهات الفرح والرقص وانتشار موضات جديدة مثل تقبيل الزوج لزوجته أمام الناس وتصوير ذلك بالكاميرات وعرضها على الملايين. كل ذلك يبدو لي شيئًا خاصًا جدًا لا يليق عرضه للآخرين!

في تعليق على استنكاري لهذا الموضوع قيل لي إن البوسة دليل على الحب. مع أنني لم أقل قط إن البوسة دليل على الكراهية.. لكن من قال إن مشاركة طرق التعبير عن الحب أمام الغرباء أمر مستحسن؟

الممارسة الجنسية أكثر دلالة في التعبير عن المحبة من القبلة.. فهل يحسن نشرها للناس؟ ثمة فارق بين التعبير عن المحبة ونقل تفاصيلها للجميع. تلك أمور خاصة بين الأزواج.. إشراك الآخرين فيه هدر لقيمة تلك العلاقة الخاصة بتحولها إلى مشاع!

ثم إنّ التعبير عن الحب مسألة ذات خصوصية ثقافية وليس الحب مفهومًا في الهواء منفصلا عن أي شيء وإنما ترتبط بيه مفاهيمنا عن الرجولة والأنوثة والحياء والغيرة والمروءة وغيرها.

إذن، صار توثيق الفعل أهم من الفعل.. والزواج الذي هو بالتعريف علاقة بين شخصين في سبيله للخروج من المجال الخاص إلى المجال العام بتحوله من غاية لوسيلة.

تبدو لي هذه التصرفات مناقضة للرومانسية! قيمة الحب في هذا الشعور بالخصوصية.. الاكتفاء بنظر الحبيب دون الحاجة إلى عيون الآخرين! أما تلك الممارسات الحديثة فتختزل الشريك إلي مجرد موضوع.. مانيكان تعلق عليه الثياب أو كومبارس تُمارس معه الطقوس ليراها الآخرون المقصودون ابتداء وانتهاء.

لكن يبدو أن الفكرة الكامنة وراء هذه التصرفات كلها أنه لا قيمة لما لم يشارك. يحلم الإنسان المعاصر بأن تتلصص عليه ملايين العيون المجهولة. يحلم بأن يصير معروضًا مرصودًا تلتهمه العيون وتلوك سيرته الألسنة.

وعلى هذا، فقد تم الانتقال من: كل شيء قابل للمشاركة إلى: كل شيء ينبغي مشاركته.

المصدر