التصنيفات
مقالات الضيوف

الترول

دايرة مفرغة، علي عكس المفهوم الدارج

دلوقتي تقدر تحدد بسهولة مسار أي حوار من أول تعليق،
وتقدر تدرك بسهولة إن الناس غالبًا ما بتدخل علي السوشيال ميديا لأسباب محددة؛ إما إنها تضحك، أو تتخانق، أو ترفه عن نفسها،
أو الاختيار الأمثل اللي بيجمع بين كل اللي فات؛ الترول.

علي عكس المفهوم الدارج. فالترول بالتعريف هو عملية بسيطة مكونة من خطوتين؛ الأولي هي استخدام الإجتزاء أو الخداع بهدف استفزاز الشخص اللي قدامك وإقتياده لرد فعل معين، والخطوة التانية هي استخدام رد الفعل المتوقع ده في السخرية منه وتحطيمه معنوياً.

المثير للانتباه إن كثير من أهل السوشيال ميديا بيتعبروا الترول حاجة أبسط بكتير من كده، وإنه هزار هدفه الضحك فقط لا غير،
لكن في الحقيقة هم بيستخدموه بمعناه الحقيقي طول الوقت، وقصة الهزار دي غالبًا ما بتكون مجرد ستارة لإخفاء النوايا.

المثير للانتباه برضه إن ده نفسه نوع من الترول؛
إني أسخر منك بطريقة تحمل إهانة مبطنة، وبعدين لما يحصل رد الفعل اللي إنا مخططله ومتوقعه ويتم إشباع رغبتي،
أقولك ده ترول..هزرا..إديني عقلك،
فيبقي مش بس قلّيت منك من غير ما تعرف تمسك علي حاجة، ده أنا كمان عرفت أظهرك في صورة الشخص اللي عقله صغير ودمه تقيل ومابيفهمش الهزار أو ما بيتقبلوش..
باختصار؛ بمجرد ما أنجزت الخطوة الأولي فأنا حددت مسار الحوار أو الخناقة، ومفيش حاجة تقدر تعملها غير انك تتلقي السخرية وإنت ساكت، أو إنك تواجه الترول بالترول وإنت وشطارتك،
وبالمعاييرالجماهيرية، فقدراتك في الترول هي اللي بتكسبك إحترام الناس اللي حواليك.

بعض علماء السيكولوجي بيعتبروا الترول هو البديل المستخدث للعنف،
يعني بما إنه المسارات الإجتماعية بيتم تحجيمها يوم عن يوم، وعلاقتك بالناس الحقيقين في الحياة الواقعية بتقل بشكل دائم،
فالترول هو الطريقة الوحيدة للتنفيس عن غضبك، وهي دي مشكلته من وجهة نظر بعض علماء السيكولوجي برضه؛
إنه تنفيس عن الغضب صحيح، لكن آثاره أصعب في الملاحظة و القياس، آثار مستحنتجة غير مرئية في أغلب الحالات، بالتالي بتخلي الناس تستخف بيه وبأثره، بينما مستحيل تتخانق مع واحد في الشارع مثلاً وتضربوا بعض وماتلاحظش أثر ده عليه.

الترول بمعناه الأصلي بقي ممكن يبقي ليه مليوم شكل؛ إجتزاء أو تأويل المعني، أو مغالطات منطقية، أو إنتزاع حاجة من سياقها، أو التعميم، أو التخصيص، أو التسطيح، أو الأختزال، أو ببساطة استعباط واستنطاع، ومش شرط يكون هدفه الضحك خالص، كتير بيكوون هدفه إثارة غيظ اللي قدامك وبس..أكيد دايماً بتبتدي بكلمة
“ماقصدش كذا”،
أو “أنا قلت كده؟”،
أو “إيه اللي جاب سيرة كذا دلوقتي؟”،
وجزء من ده بيحصل لأن وسيلة التواصل ما بتنقلش نبرة الصوت ولا تعبيرات الوجه، لكن كمان جزء مش قليل منه بيحصل بسبب إن الترولر بيتعمد يحطك الأول في موقف الدفاع عن نفسك، حتي لو كان ده بإنه يتقول عليك ويقولك كلام ماقلتوش، وأحيانا قلت عكسه، أو يفند حاجة ما قلتهاش، والحجة دائما السهلة هي إنه كلامك ميتفهمش غير كده، أو انه ما قرأش الكلام اللي هو بيناقشه، أو قرر إنه حيتخانق وبعدين قرأه عشان يدور علي حاجة يتخانق عليها فقط لا غير، زي أي ظاهرة من اللي بقت معتادة حد الملل علي السوشيال ميديا.

في الحقيقة، احنا بنقضي تلات إرباع الوقت بنتناقش هو إحنا قلنا إيه، مش قلناه ليه.

هل ده لأن الناس غبية؟
الغباء مفهوم واسع، ممكن التسرع يخليك غبي مثلاً،
لكن في اعتقادي إنه لإ، الناس مش غبية لهذه الدرجة، لكنها بتحب تتظاهر بالغباء لما يكون في مصلحتها..
ممكن تتأكد من ده بتجربة بسيطة جداً تقدر تعملها دلوقتي؛ خد جزء من المقابلات التلفزيونية الحراقة لأي من نجوم قطبي الكرة المصرية وسف عليه، جزء صغير بس ومالكش دعوة باللي قبله واللي بعده، جمهور الخصم حيضحك معاك، وجمهور النجم اللي بتسف عليه حتنزل عليه كل الحكمة اللي في الدنيا، وهتلاقيه بيقول؛ طب ما تتفرج علي المقابلة كاملة، وبيكلمك عن السياق، وبيفهمك آداب و وقواعد الحوار، وإن الكلام لازم يتفهم كله علي بعضه، وكل الحاجات اللي لو الموقف اتعكس وأي حد تاني كان بيقولها هتعتبر صياح..
الموقف ده حصل فعلا علي واحدة من الصفحات الساخرة الكبيرة نسبياً علي فيس بوك، وكان في جمهور كبير لنادي ما بيطالب أدمن الصفحة بإنه يشوف مقابلة طولها ساعة أو أكثر عشان يعلق عليها، اللي هو عكس اللي بيعملوه طول السنة مع أي حاجة تانية، والموقف ده طول الوقت بيحصل مع تصريحات المدربين واللعيبة من جماهير ا١نديتهم، وبعدين بيرجعوا يعملوا العكس مع تصريحات اللعيبة والمدربين بتوع الخصم، كل موسم كروي بيكون في موقفين ثلاثة بالمنظر ده، عشان كده باشوف إن الناس فعلاً مش بالغباء ده.

من هنا بدأ بعض الناس يعتقدوا إن الحل الوحيد لمواجهة الترول اليومي هو التجاهل، والحقيقة كلمة “حل” هنا وصف غير دقيق،
لأنها بتوحي إن عندك اختيار تعمل ده أو ماتعملوش،
بينما التجاهل هو الخيار الوحيد المتاح عشان الترول ما يتطورش عن مرحلته الأولي، لكنه مش حل لمنع وقوعه من الأصل، ولا بيعالج آثاره النفسية المتكررة، بالعكس ده قايم بالأساس علي كبت الغضب ده، لأنك لو ما عملتش كده كمان فهتكون في قائمة طويلة من التهم الإجتماعية مستنياك عشان تلبسك.

الفكرة في التجاهل إنك بتحرم الترولر من إنه يحصل علي الإشباع اللي بيجيله لما يشوفك متنرفز أو مستفز أو دمك محروق، اللي هو الهدف الأصلي من عملية الترول كلها، لكن حتي ده نتايجه مش مضمونة، ببساطة لأن ده ممكن يخليه يسيبك في حالك، وممكن يستفزه أكثر فيقرر يتقل العيار لغاية ما تستجيب، وإنت وقدرتك علي التحمل بقي.

هل ده فعلاً حل؟
مرة تانية، ده مش “حل” ولا عمره حيكون، ممكن يكون بديل فيه تخفيف للأضرار المحتملة لو كانت حالة عارضة بتحصل نادراً، إنما لو إنت شخص بتتعرض للترول بشكل مستمر فال”حل” ده هيجبرك علي اختيارات كلها سييء من وجهة نظري.

في حديث ودي سابق مع شخص معني بالأمر من اللي بيتابعهم ملايين يوميًا، قال لي إنه عند لحظة ما علاقته بالناس والجمهور إنقلبت 180 درجة، وحكي إنه بعد ما كان بيعتبرهم سنده وضهره والناس اللي صنعت شعبيته وبيحبهم حب أصيل فعلاً وبيستحمل عيبوهم واستفزازاتهم، وصل لمرحلة **أمهم، وبقي بيحتقرهم وبيعاملهم زي البهايم، لأنه مع الوقت، إكتملت دورة الاستقطاب لغاية نهايتها، وبقي العالم منقسم لمجموعة من المهاويس مستعدين يدافعوا عنه مهما عمل، وهو مش عايز ده، ومجموعة من المخابيل مستعدين يهاجموه برضه مهما عمل، وهو قطعا برضه مش عايز ده، وما بين دول ودول في نسبة لا تتعدي الـ 5% هو قادر يكون معاهم حوار حقيقي يضيف ليه وليهم.

جميل جداً، طب ما كان يخليه في الـ 5% دول يحمد ربنا.

كلام نظري جميل، لكن المشكلة إن الـ 5% دول مش مجموعة علي بعضها زي ما الرقم بيوحي، دول أشخاص متغيرين وتغيرهم ده متوقف علي عوامل كتير؛
قد إيه الكلام محل النقاش جدلي أو لأ؟
بيمس انتمائتهم وقناعاتهم أو لأ؟
مساحة الكلام نفسه، بوست طويل أو قصير، مقابلة طويلة او فيديو مناسب للباقة؟
وطبعا كل ده متلغبط علي بعضه، فهيلاقي نفسه مضطر يمر عبر أطنان من الهراء والإهانات والتسفيه عشان يلاقي تعليق واحد بيفتح مجال للمناقشة.

عارف المشكلة في كل اللي فات إيه؟
إن الحياة كمان مش بالبساطة دي، الصورة الذهنية عن التعليق المنطقي الجميل اللي مستنيك وسط أطنان الغباء المتعمد مش حقيقة، بل في كتير من الأحيان، ممكن تقول رأيك في موضوع ما فيكون فيه انتقادات منطقية لكلامك، لكن صاحبها استخسر إنه يقولها من غير ما يحاول يهينك ضمنياً أو يقلل منك كشخص، وبالتالي يصعب عليك الاستجابة لكلامه..

المشكلة إن في حالات مش قليلة بيكون الترول ممزوج بنقد ممكن تستفيد منه أو تبني عليه، دا واحد من أمراض السوشيال ميديا برضه؛ العدوانية الشديدة المبالغ فيها فيها اللي مستنية فرضة علشان تطلع حتي لو الناس بتتكلم في أمور ترفيهية زي السينما أو الراب أو غيره، نادرا جداً ما بتلاقي نقد لرأي مافيهوش تلميح إن فلان ده حمار أو غبي أو عمده ما عمل حاجة صح في حياته.

ده بيخلي قرار التجاهل ده له تبعات خطيرة جداً ما بتحسش بيها في وقتها، بتحس بيها بعدين لما تكتشف إن التجاهل المستمر ده حولك لإنسان منعزل، والأهم؛ مغرور، شايف إن الناس عمرها ما حتضيفله جحاجة لأنه أغلبهم كده فعلاً، ولأنه كان بيدفع ثمن مش قليل عشان يوصل للناس القليلين اللي ممكن يوجهوه أو ينصحوه أو ينتقدوه نقد يغيره للأحسن ويساعده يتدراك اخطاءه.

القصة اتكررت مع أكثر من شخص قدام عيني، ده بقي هو الوجه التاني لسردية “المشاهير التافهين المغرورين اللي بيحتقروا الجمهور وبيتعالوا عليه”..صحيح في مشاهير تافهين مغرورين بيحتقروا الجمهور وبيتعالوا عليه، لكن ده مش التفسير الوحيد للظاهرة دي، التفسير التاني هو إن الجمهور بيتصرف معاهم بوضاعة شديدة جداً لحسابات زي ا٢نهم من المعسكر المضاد ليه في القناعات مثلا، فساعتها بيبقي ا٢حتقارهم منطقي فعلاً، ودي دايرة مفرغة ملهاش حل.

المصدر: لؤي.