التصنيفات
مقالات الضيوف

أفلا يتدبرون القرآن

ما المقصود بالتدبر

كنت باتكلم مع متابعة كريمة علّقت على منشور لي بآية قرآنية، فلما قلت لها ده مش تفسير الآية ومن فضلك ارجعي للتفاسير قالت لي: ربنا قال “أفلا يتدبرون القرآن” بما يعني أنه عادي نفسره احنا..

لما كنت في مرحلة المراهقة كنت لما أشوف حد كبير وعنده علم بيتسئل عن حاجة وألاقيه بيقول قال الله وقال الرسول وبس ما أكونش مكتفي من إجابته، أبقى متعطش إني أفهم، أبقى عايز أسمع حاجة مقنعة، ورغم التأسيس الديني عندي لكن دي كانت حاجة باستمرار عاملة لي مشكلة..

اللي ربنا وقعهم في طريقي في الفترة دي وكان لهم تأثير كبير: الفخر الرازي (تفسير مفاتيح الغيب) والشعراوي (خواطر حول القرآن)..

الأول الفخر الرازي، موسوعي، غير انه بيفسّر فهو بيهتم بالفلسفة، وبيوضح تناسب الآيات مع بعضها، ويناقش الشبهات اللي ذُكرت حول الآية، ويوضح الأحكام الفقهية، ويتكلم في العلوم الطبيعية، وده كان تأثيره عليّ أنه أشبع عندي جزء من الحاجة للفهم والاقتناع، ونمّى عندي ملكة التفكير النقدي والتحليل المنطقي، وخلاني أبدأ أهتم بقراءة تفسير القرآن بشكل عام.

التاني كان الإمام الشعراوي، ده ماله ده، الله يرحمه ويجزيه خير الجزاء، أعتقد أنه أكتر حد قدر يضرب أمثلة ويعمل مواقف تقرب المسلم من القرآن وتزيد من حبه لربنا، طريقته فيها استخدام للأدلة بشكل ممتاز واستخدام للّغة بشكل ممتاز واستخدام للمنطق بشكل ممتاز، وفيه أمور كتير مالهاش تفسير إلا أنها فتح من الله عليه فعلا..

الشعراوي لقيت عنده اللي كنت محتاجه، وأصبحت لو آية شغلتني ولفّيت عليها في التفاسير المختلفة ما لقيتش اللي يشفي غليلي أرجع أبحث عنها عنده وألاقي، الصعوبة كانت انه مش منظم قوي فلازم أبحث في تفسيره لكل الآيات الشبيهة بالآية، وكمان انه ما كانش متاح كتابةً فكنت لازم أسمع قدر كبير من التفسير عشان ألاقي..

الجميل واللي باحمد عليه ربنا كتير اني لما وُفقت للطريق ده لمدة كذا سنة ترسخت عندي المعاني التأسيسية اللي اتربيت عليها، وأصبحت مقتنع بيها مش مجرد عارفها ومؤمن بيها..

والنتيجة اني بدل ما أسرح في سكّة اني أحسّ بنفسي وأتصور اني بقيت فاهم وعندي القدرة اني “أفتي” و”أقول برأيي” في الدين وفي القرآن (وده طريق الضلال) ربنا هداني وجعل الطريق اللي مشيت فيه يكون سبب في تثبيتي وفهمي للي أنا مؤمن بيه..

فتلاقيني في عز ما باتناقش مع حد عمري ما أستخدم آية إلا بعد ما أراجع تفسيرها وأتأكد أن لها المعنى اللي أنا توسمته أو كنت قرأته زمان، عشان “ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار”.

عمري ما أستخدم حديث إلا لما أتأكد انه حديث صحيح، عشان “فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”..

عمري ما “أفتي”، ممكن أنقل “حكم” معروف وأناقش بيه، ممكن أنقل “فتوى” بتتطابق حالتها مع حالة حالية، لكن عمري ما أفتي، دايما أحوّل السائل على عالم، عشان “من أُفتي بفُتيا غيرِ ثَبْتٍ فإنما إثمه على من أفتاه”..

وبقيت فاهم تماما (زي ما أنا مؤمن تماما) ليه “إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا”، ازاي ما ينفعش نحط نفسنا مكان ربنا (الخالق) ونتكلم بعقلنا (المخلوق) في أمر فيه دليل واضح..

فمثلا لما نسمع آية “أفلا يتدبرون القرآن” ممكن يتبادر إلى أذهاننا أن ده أمر لنا بتفسيره كل على هواه، لكن لما نقرأ تفسيرها هي نفسها هنكتشف أن المقصود بالتدبر التأمل في أحوال الأمم السابقة ووعيد الله وفي وعده للمؤمنين وفي الأحكام التي فرضها علينا.. يعني حتى التدبر المطلوب تفسيره مش زي ما ممكن يتبادر إلى الذهن ومحتاج نقرأ تفسيره..

الانضباط ده في غاية الأهمية لينا كلنا، الرجوع إلى الأصل (الشرع) هو الأساس، ربنا يهدينا جميعا ويبصرنا بالحق ويرزقنا اتباعه ويكفينا شر أنفسنا وهوانا.

المصدر