التصنيفات
مقالات الضيوف

أخبرك بما يفتن الناس في دينهم؟

الإسلام -يا سادة- لا يصنع من البشر ملائكة!

أن تخبرهم أن المتدين الحقّ هو مزيج من = إيمان أبي بكر, وعدل عمر, وحياء عثمان, وشجاعة علي, وحمية الزبير، وصبر بلال, وشراسة حمزة, ودهاء عمرو, وغيرة سعد, وغنى ابن عوف, وفقه ابن مسعود, وزهد أبي ذر، وحكمة أبي الدرداء, ولباقة مُصعب، وأمانة سلمان!

والحقُّ أنّ أصحاب النبي, وحواريي كل نبيّ = اتصفوا بنقائص كما اتصفوا بالكمالات, وقارفوا رذائلا كما أحرزوا الفضائل. فلا منزّه عن النقص إلا إله, ولا معصوم من الرذائل إلا نبيّ! وهم على ذلك خير خلق الله بعد الرسل والأنبياء!

هذا الخطاب الحالم المعوجّ = أنتج لنا أقواما:

إذا دخل أحدهم أوساط المتدينين ورأى من آفاتهم ما رأى مما يعتريهم ويعتري غيرهم من البشر = سقطوا في عينه وشعر بغُربة مصطنعة وغرّد آسفا “مع من يعيش الإنسان؟!”

وإذا قرأ فيما وقع بين الصحابة من فتنة وقتل = ذُهِل, ولجأ إلى الإنكار أو الإسقاط!

وإذا عُرِف عن أحد الأفاضل منقصة ما = صُدِموا فيه وتمّ اغتياله معنويا وإسقاطه بلا رحمة وكانوا عونا للشيطان عليه!

وإذا وقع أحدهم في ذنب = اشتدّ احتقاره لنفسه ولربما انتكس بالكلّية لظنّه أنّ الاتساق على شرّ خالص = خير له, و لا يحقّ لحقير مثله ارتداء ثوب الخيرية أو رقعة منه!

وإذا تقدّم أحدهم لامرأة مُحجّبة ظنّ أنّه سيتزوّج عائشة أو فاطمة -على فساد تصوره لهنّ-. وإذا بدر منها ما يُخالف توقعاته الساذجة = ركض ليمسك بعصم الكوافر (وهذا مشهود في العائدين الجُدد).

وإذا شارك أحدهم رجلا ديّنا خلوقا في تجارة فوقع بينهما ما يقع بين الشركاء من تشاكس وخصومة, صرخ عقله قبل أن يصرخ فمه “هما دول الشيوخ؟”!

الوجه الآخر لهذه العملة لا يقلّ ضررا ولا فسادا … وهو تصوير غير المستقيمين أو غير المسلمين أو غير المتدينين بالكليّة أو حتى الملاحدة = أنّهم شرّ خالص لا خير فيه! فالكافر = أبو جهل! وهذا الأخير يتّسم بكل منقصة ورذيلة في مخيلتهم! والحقُّ أنّ حتى أبي جهل -لعنه الله- اتصف بمكارم كثيرة استحق بها السيادة والمكانة في قومه! فإذا سافر مثل هذا الشخص إلى الغرب مثلا وعلّمه أستاذ ملحد, أو رعته ممرضة يهودية, أو أكرمه جار شاذ, أو رقّاه مدير هندوسيّ = فُتِن في دينه!

الإسلام -يا سادة- لا يصنع من البشر ملائكة! لكنّه يزيد من خيريتهم تارة بتجنيبهم الخطأ الأعظم والظلم الأفظع الذي لا يغفره الله وهو أن لا يقدروه سبحانه حق قدره وقيمته -إنكارا أو إعراضا أو إشراكا-! وتارة أخرى بزيادة الوازع الأخلاقي لديهم باستحضار مراقبة حبيب أو حساب شهيد! وتارة ثالثة بتوجيه بوصلتهم الأخلاقية بدقة أكبر لإضفاء المزيد من الوضوح الأخلاقي على خياراتهم!

لكنّ الإسلام لا يصنع من معتنقه ملاكا! سيبقى متلطخا ببعض النقائص, ومتورطا في بعض الرذائل, ومتصفا ببعض المعايب! سيقى يجاهد نفسه وينتصر في جولة ويُصرع في أخرى! سيحرز انتصارات تامة على بعض أعدائه وهزيمة أبدية من آخرين! سيبقى إنسانا! سيبقى بشرا! والجنة خُلقت ليدخلها البشر لا الملائكة!

المصدر