التصنيفات
مقالات الضيوف

إلا المجاهرين

كلنا مبتلَوْن، فأحرص على ألا يخرج فعلك للعلن

أنت الآن عمدة قرية صغيرة، (جارِني في هذا التصور واعتبر أنك ستسمع فزورة رمضانية).

أنت الآن عمدة قرية صغيرة، وبسبب طبع العصبية الشائع بين سكان القرية فمعظمهم مصابون بالقولون العصبي مما يجعل الكثير من الأطعمة تسبب لهم الألم والضيق،
ومن هذه الأطعمة البطيخ: يحبونه للغاية لكنه يؤذيهم جدا.

من هنا كان قرارك بمنع أكل البطيخ في القرية وعقاب من يثبت تناوله له، فامتثل أغلب الناس وتبرّم البعض إلا أن الجميع التزموا بالقانون.

بعد شهر أتى إليك الحرس باثنين من السكان،
أكل أحدهما البطيخ في بيته محاولا ألا يراه أحد، لكن بواقي البطيخ في القمامة فضحته، وأكله الآخر في العلن أمام مجموعة من الناس.

الأول لم تتعدّ فعلته حدود خصوصيته، فلم يره أحد، ولم يكن فخورا بما فعله إذ كان يعرف القانون وكان ملتزما به إلى أن سقط في نوبة ضعف واشتياق للبطيخ متصورا أن أحدا لن يراه.
عندما عرف الناس بأمر فعلته استنكروها واستقبحوها، وحذر بعضهم بعضا من الوقوع في مثل هذا الخطأ.

الثاني فعل فعلته متباهيا بقدرته على عمل ما يحبه دون أن يخشى العقوبة، ومتلذذا بطعم البطيخ الذي حرم القانون الناس منه، ومتجاهلا القانون نفسه، غير عابئ بوجود نظام يحكم القرية.
اختلف رد الفعل لدى بعض الناس هذه المرة، ففي الوقت الذي لا زالت الأغلبية تستنكر ما فعله فكر بعضهم ممن يتوقون للبطيخ بشدة:
– إذا كان بإمكان هذا الشخص أكل البطيخ أمام الجميع فهذا يعني أنه أصبح شيئا عاديا يقوم به الكثيرون، لماذا أحرم نفسي هذه المتعة إذن؟
– فعل هذا في العلن دون أن يحاسبه أحد، لماذا عليّ أن أخشى العقاب إذا لم يحصل هو على عقاب؟ لماذا أحرم نفسي هذه المتعة إذن؟
– هذا الشخص مشهور وغني وأتمنى أن أصبح مثله، إذا كان يفعل هذه الفعلة فهذا يعني أنه ينبغي علي عمل ذلك أيضا. لماذا أحرم نفسي هذه المتعة إذن؟
وبالفعل، نما إلى علمك أن بعض الناس شرعوا في تقليد الشخص الثاني ومخالفة القانون للأسباب التي فكروا فيها.
وكانت النتيجة أن أصبح الشخص أكثر اعتزازا بفعلته شاعرا بأنه قدوة يقلده الكثيرون ويمنحونه منعة وحصانة.

الآن يظهر السؤال:
ما الذي ستفعله كعمدة القرية؟
هل تعتبر ما فعله كل منهما متشابها مع الآخر؟
هل ستعفو عن الاثنين؟
هل ستوقع عقوبة واحدة على الاثنين؟

ولله المثل الأعلى..”إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة””
كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه”

مهما كان الذنب الذي ابتليت به(وكلنا مبتلَوْن)،
احرص على ألا يخرج للعلن بحكاية أو بفعل،
اتركه في طور الانفراد بنفسك لتظل في طور الخجل من الله ويكون ذلك حافزا للتوبة وللإقلاع، ولا تشارك به من يتفاخر بذنب ويتباهى به، ولا تشجعه وتظهر إعجابك بما اقترفه من معصية لله.

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا

المصدر