التصنيفات
مقالات الضيوف

الهروب إلى النفس ومنها

فليس الكامل في هذا الوجود من خلا من النقص

الهروب إلى النفس ومنها..
عندما تنكسر أحلامنا ويخيب رجاؤنا، ونشعر بالخذلان ممن حولنا نؤثر الفرار إلى نفوسنا، نتحصن بالعُزلة ومحاولة الانشغال بعالمنا الخاص جدا.

حينها يكثر الحديث عن النفس وعالمنا الخاص والأنس بالوحدة، وكأننا نقنع أنفسنا فعلا أننا لا نحتاج إلى أحد.
وقد يكون اللجوء للنفس هو بمثابة الخطوط الخلفية التي يلجأ إليها المحارب عند الهزيمة، ولكن البعض ربما يكون أفسد أرضه بكراهة نفسه وإدمان الهروب منها سابقا، يكون كرهها بجلدها المستمر وشعوره بتقصيرها المستمر، فتكون العودة إليها كالعودة للجحيم،
هنا تنهار القوى ويدب اليأس، فالنفس حصن النفس، والإنسان إن فقد ذاته ربما استند على من حوله، فإن فقدهم فقد أرضه ووضع قدمه على الهواء.

والحقيقة الأكثر نضجا والأصعب على النفس هي التصالح مع الوجود، التصالح مع النقص المستمر في الحياة، مع ضعف نفوسنا وتقصيرها، وضعف من حولنا وعدم كمالهم.

فالتجارب الفاشلة في الحياة، والصراعات والتوترات والخصام وكسر الخاطر والإحباط مشاعر طبيعية في الدنيا، لسنا ملائكة ولا نحيا مع ملائكة، فليس الكامل في هذا الوجود من خلا من النقص، بل الكامل من كان نقصه محتملا، وخطؤه لا يربو عن صوابه.

وكل بحث عن كمال بشري في هذه الحياة هو نوع من الوهم الذي يصوره لنا عقلنا لأغراض شتى، تارة فرارا من الواقع، وأخرى لتبرير الثورة على الواقع.

فلنتصالح مع تقصير نفوسنا في رحلة تزكيتها حتى نجدها إن فقدنا الناس، ولنتصالح مع عدم كمال الناس لنجدهم إن فقدنا نفوسنا، ولنتصالح مع الحياة إن لم تمنحنا ما نريد دوما، وقبل هذا كله..
لنتصالح مع من وهب لنا هذه الحياة لتكون به وله الحياة.

المصدر