التصنيفات
المدونة

عن الحزق والشعبوية

وعشان كدة أنا دايماً مقتنع انه لازم نتكلم مهما حسينا ان آراءنا غير مرغوب فيها – وخصوصاً – لو حسينا ان آراءنا غير مرغوب فيها

انا ملاحظ ان مصطلح “حزق” و”احزق” و”حزاق” ده بدأ ينتشر ويستخدمه الكثيرون من ألتراس الدولة من ساعة الموكب،
في هنا طبعاً عملية إحالة رهيبة أو projection مثير للاهتمام،
لأنه الناس اللي بتأييد الموكب – اللي هو لحظة حزق قومي تاريخية وهاتمهد لمزيد من الحزق في الفترة اللي جاية ان شاء الله – بقو هما اللي بيتهموا الناس اللي بتنتقد الموكب إنهم هما اللي بيحزقوا!

والسلاح هنا هو فقط تكرار الاتهام وترديده ونسخه واستنساخه بلا كلل ولا ملل لحد ما طرف يزهق والطرف التاني يبقى هو الكسبان، بنفس منطق تحفيل الأهلاوية والزمالكوية على بعض كدة،
ودي فرصة نتكلم شوية عن الشعبوية واللي بتعمله في طريقة تفكير الناس في السياسة.

منطق الشعبوية – بتبسيط مخل برضه – هو انك بتقنع مجموعة من البشر ان في رابط بينهم انت كقائد أو نظام أنسب حد لإدارته والرابط ده مهدد بالانهيار بسبب عناصر أو أعداء خارجة عن “نسيج المجموعة”، الرابط ده كل ما كان بسيط وواضح كل ما كانت العملية دي أسهل لأن الخطاب بيبقى مفهوم وجذاب للقطاع الأكبر والأوسع من الناس، اللي هو غالباً بيبقى الناس الأقل تعليماً وذوي الوعي السياسي المحدود، ودول للأسف الأغلبية في كل مجتمع.

أسهل عاطفة تقدر تحشد الناس حواليها عادة هي الشعور بالتهديد أو الخوف من عدو مشترك، وعشان كدة النظم والسياسيين الشعبويين عموماً في كل بلد لازم يبقى ليهم عدو واضح بيركزوا بقوة عليه في خطابهم السياسي،
في مجتمع الدولجية يبقى العدو ده الثورة،
في مجتمع الاسلاميين يبقى المسيحيين او الليبراليين او الغرب عموماً،
مجتمع تاني يبقى المهاجرين او المسلمين،
في مجتمع تالت يبقى الروس، الامريكان، الصينيين، وهكذا..

النقطة اللي تهمني هنا هي ازاي الخطاب ده بيبني قوته تقريباً بالكامل على انشاء رسالة بسيطة جداً جدا جداً ثم تكرارها للأبد بدون خجل ولا تردد مهما تعارضت الرسالة دي مع المنطق أو الواقع او حتى احترام صاحب الرسالة دي لمنظره او وقاره او ماء وجهه،
الهدف انك تفضل تكرر اللي بيتقال زي الجندي مهما كانت الضغوط الخارجية أو الانتقادات.

جوبلز وزير اعلام هتلر قال ان البروباجندا لازم تبقى shameless أو عديمة الخجل عشان تنجح، لأنه اللحظة اللي البروباجندا بتقبل فيها تتناقش أو تخضع للمنطق هي بتبقى خسرت وتحولت لحاجة تانية غير البروباجندا ودخلت ملعب معندهاش فيه أدواتها المعتادة للمكسب،
البروباجندا فقط بتكسب في الملعب اللي مفيش فيه منطق غير منطقها ولا مساحة لفكرة غير فكرتها، عالم البروباجندا المثالي هو عالم شمولي أُحادي كل الناس فيه مؤمنين بافكارها فقط لا غير.

وهي دي نقطة قوة الشعبوية واللي السياسيين الشعوبيين بيعرفوا يستغلوها كويس؛ انها بتخلق سحابة من التخلف والغوغائية في وسط أي مناقشة سياسية أو آيدولوچية وبتحول أي منطق مركب أو عقلاني للكلام في السياسة إلى هدف للتريقة والتسخيف والتنمر بدل ما يكون في مناقشة، فاللي يدخل يتهان، وأي حد عنده رغبة في التقاطع مع المحيط العام وعنده رأي عاوز يقوله يبقى قرفان من المزبلة دي وقلة القيمة المحيطة بالمناقشة عموماً فيحتفظ بآراءه لنفسه جواه ويتكتم وخلاص لحد ما هو وآراءه يندثروا ولا يبقى سوى الرأي الواحد والعاطفة الواحدة والتوجيه الواحد.

وعشان كدة أنا دايماً مقتنع انه لازم نتكلم مهما حسينا ان آراءنا غير مرغوب فيها – وخصوصاً لو حسينا ان آراءنا غير مرغوب فيها – لأن ده السبيل الوحيد لأننا نبقى على قيد الحياة مهما كان الأمر محفوفاً بالوساخة.

المصدر

تعليق اضافي