التصنيفات
مقالات الضيوف

كل ما نشهده من تجارب وخبرات شخصية وتجارب وخبرات لدى الغير يؤكد أن استمرار السعي لا علاقة له بالوصول

– هل استمرار السعي يحتم الوصول؟
– ماذا تقصد؟
– أقصد أنني إذا كنت أرغب في النجاح في أمر ما فإن استمراري في السعي والمحاولة يضمن لي أن أنجح فيه وأحققه وأحصل على ما أتمناه.
– وجهة نظري أن المقولة غير صحيحة.
– كيف وهي منتشرة ومعروفة؟!
– صحيح، لكن المشاهدات تنفيها، كما أنه لا يوجد أصل ديني لها.
– ماذا تقصد بالمشاهدات؟
– كل ما نشهده من تجارب وخبرات شخصية وتجارب وخبرات لدى الغير يؤكد أن استمرار السعي لا علاقة له بالوصول، من العادي أن نرى سعيا ومحاولات ومثابرة ورغم ذلك لا يحدث نجاح.
وأعتقد أن بإمكانك أنت ذكر أمثلة على ذلك من حياتك ومن حياة غيرك،
في مشروع أو في دراسة أو في زواج أو في شراكة الخ.
– ربما كان هذا مع من لا يملكون الإمكانيات والموارد والأدوات المطلوبة للسعي!
– هل تعلم أن لدى “جوجل” أكثر من ٢٠٠ خدمة ومنتجا فاشلة؟
ولدى “أبل” محاولات لمنتجات فاشلة؟ ولدى “ميكروسوفت” كذلك؟ كلها أتيحت لها كل الإمكانيات من مال وأشخاص وفكر وأدوات، وبعضها بذلت الشركات مجهودا خرافيا في تسويقه وإقناع الناس به دون جدوى.
– لماذا؟
– لأن الوصول أو النجاح هو أمر من تقدير الله عز وجل، إن شاء وفّق وإن شاء لم يوفّق.
“وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة”
– لكن الله يقول “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى”!
– لم ترد في أي تفسير على هذا النحو، وإنما جاءت بعد “ألّا تزر وازرة وزر أخرى” فكانت الآيات عن الأعمال الصالحة والسيئة وثوابها وجزائها يوم القيامة.
لم يرد في التفسير أنها تتحدث عن السعي الدنيوي.
– وهو يقول أيضا “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”- “وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون”، هذه الآية نزلت في من تخلفوا عن غزوة تبوك “وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا”، تحثهم على الأعمال الصالحة وتتحدث عن الحساب في الآخرة وتخوفهم إذا كانت رياء أو لغير وجه الله.
– أتعني أنني لن أحصل على النجاح الذي أستحقه بسعيي؟
– أتعلم أن دخول الجنة نفسها (نعم، الجنة) ليس بالسعي ولكن برحمة الله؟!
لا استحقاق في أي شيء يتعلق بالله، وهكذا كل شيء هو بتقدير الله وأمره وفضله.
– لكن الله عادل، فكيف يضيع مجهود من يسعى ويستمر في السعي؟
– لاحظ أن الله “لا يُسأل عما يفعل”، إذا لم يبيّن لنا حكمة أمر ما فليس لنا أن نتعجب أو نطلبها منه أو نوقف رضانا عن الأمر على اقتناعنا أولا، فهو مالك الملك، وهذه نقطة غاية في الأهمية.
– فهمتك.. لكن أقصد أين يذهب كل هذا المجهود؟
– حكمة الله واسعة ولا مثيل لها، وله في كل قدر يقدره لك حكمة، بعض هذه الأقدار ستتعرف على حكمته فيها ولكن بعد فترة، لكن معظمها سيمر دون أن تتعرف عليها إما لأنه لم يكشفها لك أو لأنك لا تتفكر في رسائله في كل ما يحدث لك.
– هل من الممكن أن توضح أكثر؟
– مثلا لكل نشاط تقوم به مردود عليك حتى لو فشلت في الوصول إلى هدفك، فكل موقف تمر به يمكن أن يزيد من خبرتك بشرط أن تكون ممن ينتبه ويتعلم، هذه الخبرات المتراكمة تحوّلك إلى شخص أفضل صاحب إمكانيات أكثر وأفضل، هذا من أشهر ما تعلمناه بالمشاهدات.
كذلك يحدث أحيانا أن تسعى في طريق معين ثم ينتهي كل شيء ولا تنجح فيه، وتفاجأ بأن ما حدث بعده كان خيارا أفضل بكثير منه، وقد لا تعرف قيمة ما وصلت إليه إذا لم تكن قد جربت الطريق الذي سبقه.
أو تفاجأ بأن الطريق كان سيحضر إليك نتائج سلبية على عكس ما توقعت، وأن فشله كان حماية لك.
أيضا الفشل رغم الجهود هو نوع من الابتلاء، وهذا مفهوم بما أن الدنيا دار اختبار والآخرة دار جزاء،
يريد الله أن يرى كيف سيكون رد فعلك عندما تذهب جهودك أدراج الرياح ولا تصل إلى مبتغاك، هل ترضى وتصبر أم تسخط وتجزع.
– بصراحة أشعرتني بالإحباط، بعد كل سعيي وجهودي ليس من المحتم أن أصل؟
– أتفهم شعورك جيدا، ويجب أن تنتبه إلى سبب الإحباط، ألا وهو مؤلف المقولة جميلة المنظر خاطئة المعنى، فقد رفع بها سقف توقعاتك وشعرت بالجزاء المضمون لما تفعله.
ما فعلته هو أنني أعدت المفهوم الأصلي المنضبط شرعا وعقلا فانخفض سقف توقعاتك.
اُشعُر بالضيق الآن لكن افهم المعنى، هذا أفضل من أن تصدم بعد عامين أو ثلاثة من الحياة العملية فيتأثر إيمانك بالله وكذلك ثقتك بقدراتك حيث ستظن أن هناك شيئا خاطئا بك.
– لماذا أسعى إذن؟
الأفضل أن أجلس كما أنا دون أن أفعل شيئا!
– في الدراسة هل تذاكر وأنت ضامن للنتيجة (سواء كانت النجاح أو التفوق)؟
كلا، لكنك تفعل ما عليك فعله لأن هذه هي طريقة الدراسة: تبذل مجهودا وتهتم وتسأل عنل يجب عليك عمله.
افعل ذلك في الحياة، اسأل وتعلم واسع في الطرق التي تيسّر لك وابذل ما تستطيع من جهد وتوكل على الله وكلك أمل في كرمه وحكمته.
– هل يكافئ الله على المجهود الدنيوي؟ كل هذا السعي هل لي جزاء به عنده؟
– النية هي الأساس “إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى””من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب”إذا كان هذا السعي للحصول على غرض دنيوي فقط فلم يثبت أن له جزاء به في الآخرة، بل حتى أعمال العبادات كالصلاة والصوم ينطبق عليها هذا الأمر.
أما إذا كان امتثالا لحث الرسول صلى الله عليه وسلم لنا بالعمل “هذه يد يحبها الله ورسوله” و”ما أكل الإنسان طعاما خيرا من عمل يده”، وكانت تغلب عليه نية الأعمال الصالحة وابتغاء الثواب كالاستعانة على الطاعة، وتعليم الغير وإكسابهم مصدرا للرزق، والإنفاق في سبيل الله، وتحقيق مصلحة للناس، فيكون مجزيا عنه إن شاء الله.
– وكيف يمكنني أن أضبط ذلك في نفسي؟
– اسأل نفسك “لماذا أفعل هذا؟”
وراجع الأسباب وعدّل ترتيبها واقتنع بها وتوكل على الله.

المصدر