التصنيفات
مقالات الضيوف

من النهاردة مفيش شيوخ أنا شيخ نفسي

كلما زاغ داعية بعد استقامة، أو صرح بالباطل بعد خفاء، أو تبجح به بعد حياء، قابلك نفس الكلام الذي يقوله أصحابه بلا كلل أو ملل، وبلا أي منطق أيضا.
من هذا الكلام العبارة المستهلكة (عشان تعذروا الشباب لما يلحد)، ولا أدري ابتداء ما وجه الربط بين فساد كل أهل الأرض وليس عدد من الدعاة فقط وبين أن يعتقد إنسان أن هذا الكون الواسع المتقن بما فيه من مخلوقات دقيقة بديعة ليس له خالق! الأمر يشبه أن يغشك فني سيارات ليحقق من ورائك مصلحة شخصية فتستدل بهذا على أن السيارة ليس لها صانع أصلا!
.
أفهم أن يبرر أحدهم بهذه العلة المردودة ترك دين بعينه أما القفز الاستدلالي الكوميدي هذا لا معنى له سوى (التلكيك) والبحث عن أي شيء لتبرير موقف مسبق لم يجد له حججا كافية فيسعى لتجميع أي عدد من الأوراق الفارغة في ملفه ليبدو ضخما.
.
وحتى في الاستدلال على ترك الإسلام تحديدا لأن هناك علماء فاسدين فلا أدري أيضا أين المفاجأة والصدمة والشعور بتناقض الواقع مع الإسلام وهو الدين الذي ذكر بوضوح وحذر بجلاء من هؤلاء العلماء الفاسدين وأنبأ بوجودهم وتزايدهم مع مرور الزمن، وتوعدهم وحذر من اتباعهم، وقد ناقشت هذا في منشور سابق بعنوان (زيغ العلماء، شبهة أم نبوءة) أحيل عليه من يهتم بمطالعته حتى لا أكرر وأطيل هنا.
***
ومن هذا الكلام أيضا (هؤلاء هم الشيوخ، إذن من النهاردة مفيش شيوخ أنا شيخ نفسي)، وفي التعليق على هذا يرجع لنقطة (المفاجأة) السابقة وللمنشور المذكور، وبجانب هذا فإن هذه العبارة اشتملت أيضا على عدة مغالطات مثل:
– التعميم البغيض، فمن يقولون هذا إن كانوا يعيشون في الواقع فهم يعلمون أن النماذج التي يستدلون بها ليست النموذج الوحيد وأن هناك دوما من يتمسك بالحق والصواب ويدفع ثمنه، وإن لم يعلموا الواقع فقد يعلمون التاريخ وفيه أن مع وجود الدعاة أصحاب الأهواء في كل زمان لم تخل الأزمنة من علماء الحق والثبات الذين جعلهم الله سببا في تمييز الحق من الباطل والمفسد من المصلح في زمانهم وفي الأزمنة اللاحقة.

– أن فساد عالم لن يحولك تلقائيا إلى عالم، ولن ينفي احتياجك للعلم الصحيح قبل التحول إلى (شيخ) ولو كنت شيخا لنفسك فقط، إذا أن غرض مشيختك – حسب المفترض – التعبد على بصيرة وليس على هوى، واختياراتك بدون علم هي اختيارات ميول وهوى وليست اختيارات تعبد وتسليم لمراد الإله الحكيم تبارك وتعالى، نعم، الإسلام ليس فيه كهنوت إذ لم يقصر حق التعلم والترقي على فئة معينة، ولكن انتفاء الكهنوت لا يعني أن تحقق العلم ليس له أسباب ينبغي الأخذ بها، جميل أن يدفعك فساد بعض أو حتى جل الدعاة حولك إلى الرغبة في تعويض تقصيرهم، لكن لن يكون هذا (خبط لزق)، فأنت تحتاج لتعلم علمهم دون سلوك مسلكهم الشخصي النفعي أو البدعي، فإذا استخدم طيار طائرته في إلقاء القنابل على الآمنين مثلا، لا يعني هذا أنك بصلاح نيتك تستطيع قيادة الطائرة بدون تدريب وتعلم، فبفرض أنك استطعت تحريكها أصلا فسوف تسقط أنت وهي وقنابلها جميعا فوق الآمنين أيضا!
.
فكما حذر الإسلام من علماء السوء وأنبأ بوجودهم فقد ألزم المسلم بالعلم قبل القول والعمل، وذم الجهل والكلام بغير علم، ولم يجعل العشوائية واتباع الهوى الشخصي بديلا لفساد العلماء واتباعهم لهواهم الشخصي! وإلا فسيكون شيخك الجديد – نفسك – مجرد صورة للشيخ الفاسد الهوائي الذي تزعم أنك تفر منه، وربما أفسد منه.

https://www.facebook.com/moataz.aelrahman85/posts/2273856236205985