التصنيفات
المدونة

في التدين الشعبي سيخبرونك

مجموعة أساطير وراثية يختلط فيها بقايا الدين المنقول عن الرسول وعن اجتهادات الفقهاء بتصرفات الشعوب بأفهامهم وأوهامهم في الأحكام، ثم يستمد سلطته من الرسوخ بحكم العادة في الأذهان


– في التدين الشعبي سيخبرونك أن السجائر تنقض الوضوء، وستجد من يمتنعون عن الصلاة لأنهم (لسه شاربين سيجارة)..
ولو درست الفقه ستعلم أنه لا يوجد فقيه واحد يقول بهذا، وهذا ليس من باب المبالغة، بل لا وجود لهذا الرأي في الفقه الإسلامي أصلا منذ ظهر التدخين منذ قرون.. 
ولكن من أين أتى الناس بهذا الرأي العجيب؟.. سأخبرك..
– في التدين الشعبي سيخبرونك أنّ شرب الخمر ينقض الوضوء، ولكن لو درست الفقه ستعلم أنه لم يقل بهذا فقيه واحد- ما لم تصل لحد السُكر – وهذا ليس من باب المبالغة، ولكن بالفعل لا يوجد قائل بهذا القول منذ تحريم الخمر.
ولكن من أين أتى الناس بهذا الرأي العجيب؟.. سأخبرك..
– في التدين الشعبي سيخبرونك أنّ لمس الكلب ينقض الوضوء، ولكن لو درست الفقه ستعلم أنه لم يقل بهذا فقيه واحد وهذا ليس من باب المبالغة، ولكن بالفعل لا يوجد قائل بهذا القول إطلاقا.
ولكن من أين أتى الناس بهذا الرأي العجيب؟.. سأخبرك..
– في التدين الشعبي، لا يفرقون بين نجاسة البدن وبين نواقض الوضوء، فنواقض الوضوء – عند الفقهاء – كالتبول، ونجاسة البدن كسقوط البول على جلدك أو ملابسك، في التبول أنت مطالب بالوضوء، وفي نجاسة البدن أنت مطالب بغسل موضع النجاسة أو تطهيره، ووضوؤك صحيح كما هو لم يتأثر.
– في التدين الشعبي انقطع الناس عن التعلم، فبقيت بقايا المسائل في الأذهان (البول نجاسة) ، و(التبول ينقض الوضوء) ، فجاء هذا مكان ذاك مع الوقت..
ثم تصرّفت الأذهان بالقياس ، فسمعوا أن الكلب نجس – وهو كذلك عند بعض الفقهاء ، وعند بعضهم نجاسته في لعابه فقط وثمة أقوال أخرى ليست غرضنا – فما دام الكلب نجسا، فهو كالبول، ومادام البول ينقض الوضوء فالكلب كذلك..
في الفقه: تربية الكلب حرام عند الجمهور إلا لأغراض محددة ، وأباحه الأحناف رغم قولهم بنجاسة لعابه لأن هناك فرق بين حكم التربية وبين حكم النجاسة فهما مسألتان منفصلتان.
ولكن في التدين الشعبي تربية الكلب حرام لأنه نجس، ولأنه نجس ينقض الوضوء.
– شرب الخمر حرام وهي نجسة، ولكن الحُرمة لا علاقة لها بالوضوء، هذا ذنب ، وليس كل ذنب ينقض الوضوء، ولكن في التدين الشعبي الخمر حرام ونجسة فتنقض الوضوء كالكلب!
– في التدين الشعبي السجائر حرام – وهي محل خلاف بين الحرمة والكراهة والإباحة عند الفقهاء بشروط معينة – فهي كالخمر ، ومادمت الخمر نجسة فالسجائر نجسة – رغم أنها طاهرة عند جميع الفقهاء حتى من قال بحُرمتها لأن الطهارة شيء والنجاسة شيء والحُرمة شيء آخر- ولكن في التدين الشعبي مادمت حراما فهي نجسة، ومادمت نجسة فهي تنقض الوضوء.
هكذا يتصرف الذهن البشري في مسائل الدين وهكذا يكوّن تصوراته، ورغم أن الدين نقلٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بتشريعات تعبدية ، ورغم أن الدين عملية اجتهادية بالتفريع والقياس على ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم بشرط صحة الفهم عنه، إلا أن التدين الشعبي لو طالبته بإقامة الدليل على صحة ما يراه سيقول لك : معروفة ، أو سيقول لك منطقية، وكأن الدين مجرد استحسانات العقول أو توارث شعبي لأسطورة أو فكرة لا أساس لها..
ولو طالبت المفتي الشعبي – وهو كل إنسان يُفتي بالتدين الشعبي المذكور – بتصحيح نقله عن فقهاء الإسلام أو عن الرسول أو عن الصحابة، وجدته ينقلب تنويريا تجديديا ، فيقول لك : وهل كان أيام النبي سجائر؟
فإذا لم يكن أيام النبي سجائر فمن أين أتيت بأنه ينقض الوضوء؟
وحتى لا أطيل: التدين الشعبي هو مجموعة أساطير وراثية يختلط فيها بقايا الدين المنقول عن الرسول وعن اجتهادات الفقهاء بتصرفات الشعوب بأفهامهم وأوهامهم في الأحكام، ثم يستمد سلطته من الرسوخ بحكم العادة في الأذهان، فلو اعترضت عليه فإنك تهدم أصل الدين عندهم، أما الدراسة الفقهية فعملية توثيقية من حيث النقل، ومنهجية من حيث الاستدلال، ولكنه زمان الفتي، حيث يسود التدين الشعبي… وذلك حديث طويل.

https://www.facebook.com/Alaa.m.abdelhameed/posts/3217493711609873