التصنيفات
مقالات الضيوف

عندما تضيع الحكمة وتتطرف المواقف

فما لم تخرج من سجن نفسك فلا تدخل غيرك في سجنك.

نميل إلى قياس غيرنا علينا؛
والإنسان بطبعه يميل إلى نسبة العالم إليه؛
فنفسه أقرب الموجودات إليه وأول المحسوسات لديه.

وبين جراءةِ تعميمِ تجربتك لخصوصها، وخوفٍ حمَلَك على تخصيص تجربتك رغم عمومها؛ تضيع الحكمة وتتطرف المواقف.

فأنت بين أن تنصح الناس كلهم ظنا أن ما مررت به سيمرون به وأن ما شعرت به سيشعرون به.
وبين أن تسكت عن النصح ظنا بأن تجربتك تخصك وحدك ولا مشترك يتكرر ولا حالة إلا ولها خصوص.

والحق أن المشترك بيننا كثير؛
ولكن الحكمة ألا تقف مع حكمك على الاشياء حتى تعرف من أين ملت إليه وما سبب رفضك له؛
فإن وجدت السبب مشتركا صلح النصح؛
وإلا بقيت خصوصية حال.

كنت أجرب وصلة صوت جديدة للميكروفون الذي استخدمه وأقارن بين وصلتين فأرسلت التسجيلات لمجموعة من الأصدقاء.
أختار بعضهم الصوت المسجل بالوصلة أ
واختار البعض الآخر الوصلة ب
قلت للفريق الأول هل تفضلون صوت فلان على صوت علان (من الأصوات المشهورة) فكانت الإجابة بلا اختلاف: نعم
والعكس بلا خلاف كان عند المجموعة الثانية.

كان سبب هذا السؤال أن صوت فلان حاد وصوت علاّن عريض.
ووصلة الصوت أ تخرج صوتا فيه حدة أكثر من الوصلة ب.
فمن استحسن أ استحسنها لأنه يفضل الأصوات الحادة.
ومن استحسن ب استحسنها لأنه يفضل الأصوات العريضة.

حين أنصح أحدهم بأن يستمع لشيء استحسنتُه،
أبحث أولا عن طبعه وتفضيله ثم أنصح بعد ذلك أو لا.
الأمر مثله في الطعام والعلاقات!

فما لم تفهم الاسباب وراء الأشياء فأنت غالبا أسير تجربتك وحسك وذاتك؛ فلا تنصح غيرك.

وإلا فإن علمت وفهمت لم وكيف؛ فربما تقدر على المقايسة والإرشاد.

فما لم تخرج من سجن نفسك فلا تدخل غيرك في سجنك.

المصدر