التصنيفات
افيون الشعوب مقالات الضيوف

عقدة التفوق أو العظمة

الجريمة فعل شخصي.. يبدأ من شروخ الداخل وليس من الآخر


كنت اقرأ عن قصة قابيل وهابيل في القرآن.. وتوقفت عند هذا الجزء من الآية: “إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ”..
شئ غريب جدا؟ لماذا عندما تقدم كل منهما لربه بقربان.. والله قرر لحكمة عنده أن يقبل من أحدهما ولا يقبل من الآخر، لماذا يلوم قابيل أخيه على شئ ليس له علاقة به؟ بل ويغضب منه لدرجة أن يقول له: لأقتلنك!
ما علاقة هابيل بخسارته؟ المشكلة بينه وبين ربنا!

حاولت أن أبحث عن أصل القصة ولكن الروايات مختلفة ما بين القرآن والإنجيل، ولكن المغزى أن قربان هابيل كان قربان يستوفي الشروط الإلهية ليتم قبوله (تقوى صاحبه) بينما فشل قابيل في ذلك! بدليل أن هابيل رد عليه بقوله: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.

وكأنه يحاول مساعدته، ويطمئنه أن القربان لا يهم، ولكن تقوى الله هي الأهم.. فلا داع للغيرة مني، فالأمر ليس شخصي، فإذا كنت تريد أن يتقبل منك فافعل ذلك. قتلي لن يؤدي لذلك!
ولكن تجاهل قابيل كلماته، وهم يقتله..
وليبين لنا القرآن أنها لم تكن مشاجرة ولا حتى كان الحديث عنيف وبه شد وجذب، قال هابيل لأخيه: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

ببساطة يقول له أنه لن يحاول قتله رغم التهديد. أي شخص مسالم جدا، وآمن.. وعلى الرغم من ذلك قتله أخيه..

ثم تأملت مشهد تمرد الشيطان على السجود لآدم حين قال لله: أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ!
لم يكن لآدم بشخصه أي خصومة مع الشيطان نفسه، ولكن مشكلة الشيطان كانت تقدير الله لآدم أكثر منه.. مشكلته مع صورته التي اهتزت أمام ذاته.. هو كان من الجن المكرم بمكانة عالية، يقال في الإنجيل أنه كان ذكي وجميل الشكل ورفيع المقام..
فحين طلب منه الله أن يسجد لآدم كانت هزة قوية للصورة التي رسمها الشيطان لذاته المعظمة.. ولذلك وانتقاما للهزة النفسية التي تعرض لها، وقع في نفس الفخ: الغل والغضب.. ولكن الشيطان كانت جريمته ممتدة الأجل وليست قصيرة الأجل كقابيل فقال لله: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ

ولكن ما دخل آدم إذا كانت مشكلة الشيطان مع ربنا..؟ لماذا كل هذا الغل.. ؟
يجاوب الشيطان على السؤال حين قال: قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيم.
أي يقول له هذا الإغواء في قلبي والذي أصابني بالكبر وأدى لهلاكي بسبب تمردي سيدفع ثمنه آدم وأبناءه بالإغواء والهلاك أيضا.

ورأيي أن في القصتين قابيل والشيطان مشكلتهمها كانت مع نظرتهما لأنفسهما وليست مع الأشخاص الخارجية الذين طالهم الأذى.. ولا في الموقفين.. وكأنهما كانا يعانيان من ما يسمى في علم النفس
Superiority complex
عقدة التفوق أو العظمة.. وهذا العقدة تجعل الشخص يبالغ في تقدير نفسه ليخفي إحساسه الدفين بعدم الكفاءة أو الدونية وعدم الثقة بالنفس.. وهذا الشخص هو النموذج الأمثل للوقوع في فخ الغيرة والحقد، والذي غالبا ما يعبر عنهما بالغضب والعنف..

وهذا الشخص لا يعترف بأخطاءه أبدا .. فالشيطان قال لله: بما أغويتني.. (أي ضللتني حسب تفسير ابن عباس)
وكأنه يبرئ نفسه من الخطأ، وكأنه الضحية، وكأنه يرمي أن تمرده كان نتيجة خطة من الله لإذلاله وإهلاكه.. ولكنها لم تكن مشكلته هو.

الحقيقة، الله يعلمنا بالقصتين أن معظم شرور النفس تبدأ من الكبر أولاً.. لأن الكبر مرتبط بضعف الثقة بالنفس.. والكبر يؤدي للغيرة.. لأن المتكبر الأنوي لا يقوى على رؤية غيره أكثر نجاحا أو تفوقا ولو كان ملاك.. لأن ذلك يشعره أن دونيته الدفينة انكشفت للآخرين.
والغيرة تؤدي للغل والغضب وهكذا يقع الإنسان فريسة جرائمه..

ويعلمنا أن الجريمة فعل شخصي.. يبدأ من شروخ الداخل وليس من الآخر.

ولهذا أكره الغيرة، لما تخفيه من قبح داخلي وضعف في الشخصية.. ولا أقبلها كسلوك يرتبط بالحب ولا النجاح ولا الكرامة أبدا.. بل هي الطريق السريع للهبوط.
تحية للمسالمين أصحاب الثقة.

https://www.facebook.com/Miral.el.masry58/posts/10163118333465254