التصنيفات
مقالات الضيوف

تحدي مهاتير محمد ٢٠١٨

مهاتير محمد فاز برئاسة الوزراء في ماليزيا في عمر ال 92..التحدي الأهم الذي يواجه مهاتير هو..الصين..أكبر فضيحة سياسية في تاريخ ماليزيا هي فضيحة صندوق التنمية المعروفة باسم 1MBD..اتهامات لرئيس الوزراء نجيب باختلاس 3,5 مليار $، وتبييض الأموال في استثمارات أميركية، استدعت تدخل واشنطن وجنيف وطوكيو وسنغافورة في تحقيق دولي موسع..العملة المحلية تفقد جزء من قيمتها والصندوق الذي كان يُقدر له إحداث نقلة تنموية، انتهي مُكبلًا بديون تبلغ 40 مليار رينجت أي نحو 10 مليار $..خطاب وعظي من أوباما عن الشفافية، وانسحاب استثمارات يابانية، وأزمة اقتصادية في ماليزيا..من يتدخل بخطاب براجماتي؟..الصين..وهي عادة الصين الأزلية الاستثمار في مناطق النزاع، حين يهرب الآخرون..السودان مثلًا..تعرض لعقوبات أميركية من إدارة كينتون عام 1997، ليست فقط شركات النفط الكبري هي من أحجمت عن العمل في السودان، بل حتي الشركات الصغيرة المستقلة، مثل شركة تاليسمان الكندية..اتهمها نشطاء حقوقيون بأنها تسمح للقوات السودانية باستخدام مطاراتها في عمليات القصف ضد الجنوب، وهي مجرد شركة صغيرة ولا تتحمل صداع علاقات عامة، فانسحبت..من تدخّل؟ الصين..باستثمارات بلغت 3 مليار $ مكّنتها من حيازة 40% من أسهم شركة النيل الأعظم النفطية التي تضخ قرابة 300 ألف برميل، كما يذكر باراج خانا في ص: 365 من فصل الطرق القديمة والجديدة إلي ماندالاي، في كتابه ‘‘بلايين من المستثمرين: كيف تعيد الصين والهند تشكيل المستقبل‘‘.

ماليزيا ليست استثناء..الصين استحضرت قصة تاريخية لطيفة..الأدميرال البحري من إمبراطورية المينج الصينية تشنج هو، ذهب قبل 700 سنة إلي جزيرة مالاكا الماليزية، وعقد مع سلطانها ما يُشبه معاهدة دفاع، حمته من أطماع الجزر المجاورة..رئيس مجلس وزراء الصين سافر لماليزيا، قابل نظيره نجيب رزاق..المكان؟ متحف الأدميرال تشنج هو..ومنه قال السياسي الصيني، بأنه يهدف لإحياء فلسفته غير القائمة علي النزاعات..مدخل تاريخي ممتاز لتدشين العصر الصيني في ماليزيا..ماذا فعلت الصين لاحقًا؟ فيضان مهول من الاستثمارات..سي جي إن الصينية دفعت 17 مليار رينجت ماليزي للاستحواذ علي ثاني أكبر منتج للطاقة في ماليزيا، شركة إدرا جلوبال إينرجي..السكك الحديدية الصينية أعلنت أنها ستنفق 8,4 مليار رينجت لتأسيس مركز للسكك الحديد في كوالالمبور..8 مليار رينجت إضافية ستضخها الصين في باهانج عبر شركة جوانجي بايبو، فضلًا عن شراء سندات حكومية ماليزية بقيمة تناهز 10 مليار $..لكن كل ذلك لا شيء مقارنة بالتالي..الصين لديها خطة طموحة لربط آسيا ببعضها عبر شبكة قطارات، تخدم أضخم مشاريع المجرة، مشروع طريق الحرير الجديد الذي تستثمر فيه الصين تريليون $..الخطة الصينية كالتالي..الشبكة يُفترض أن تنطلق من ماليزيا، إلي تايلاند ولاوس وكمبوديا وسنغافورة وصولًا إلي كيونج الصينية..وكل تلك المشاريع في جنوب آسيا سترتبط بمشاريع مماثلة نفّذتها بكين في غرب آسيا وآسيا الوسطي وباكستان..خطة مذهلة تحتاج إلي مركز إقليمي لإداراتها..ماليزيا..تحديدًا قطعة أرض عملاقة في العاصمة، كان رئيس الوزراء الخاسر نجيب رزاق، يطمح لتحويلها لمركز تنموي..لكن الفضيحة وتآكل الأصول مكّنا الصين عبر تحالف صيني-ماليزي من حيازة 60 % من مساحة الأرض، والمتبقي من نصيب صندوق التنمية الماليزي..الصين تُطلق علي مشروع ‘‘بندر ماليزيا‘‘ اسم جوهرة طريق الحرير، ولأنها جوهرة، فهي تخطط لتحويلها لمركز مالي عملاق..مدينة تحت الأرض، ناطحات سحاب، مشاريع ثقافية واستهلاكية..ومن أجل الظفر بمعركة إنشاء الخطوط..أنشأت الصين شركة لإنتاج القطارات بالقرب من كوالالمبور بقيمة 400 مليون رنيجت، تنتج سنويًا 100 قطار.

ليس فقط في العاصمة..ولاية جوهور في أقصي الجنوب الماليزي..40 مليار $ تخطط الصين لاستثمارها من أجل إنشاء مدينة الغابات..مدينة عملاقة علي بعد كيلو مترين فقط من سنغافورة..فوق ما سبق شركة جوانجزهو تستحوذ علي أرض بحجم 95 ملعب كرة قدم..الذراع الاستثماري لشنجهاي، أي شركة جرينلاند تنوي ضخ 20 مليار رينجت لإنشاء مشروع سكني ضخم، تبيع وحدات يوميًا علي الماكيت للمشترين..جنسيتهم بحسب مدير الشركة؟..90% منهم صينيون..ثم يأتي دور موقع استراتيجي هام جديد علي الساحل الشرقي لماليزيا، ويطل علي إحدي بقاع الصراع الأكثر أهمية للصين، أي بحر الصين الجنوبي..مدينة كوانتان..16 مليار رينجت استثمرتها بكين في إنشاء منطقتين صناعتين علي مساحة 6000 هكتار، معامل إنتاج فولاذ، وشركات خدمات لوجستية..والأهم استخراج البوكسايت..203 ألف طن كان مجمل إنتاج ماليزيا منه حتي عام 2013..الصين كانت تعتمد علي الواردات الإندونيسية، لكن جاكرتا قرّرت فجأة إيقاف التصدير..في 2017 كانت ماليزيا، كوانتان تحديدًا، تقفز بإنتاج البوكسايت من ربع مليون إلي 27 مليون طن، تذهب في معظمها لسد احتياجات السوق الصينية..كل ما سبق عن الوجود الصيني في ماليزيا مستمد نصًا من 50 دقيقة من وثائقي الجزيرة الماتع ‘‘صحوة التنين الصيني‘‘ تحديدًا الجزء الثاني تحت عنوان ‘‘جوهرة طريق الحرير‘‘.

ما المشكلة إذن؟ مجموع استثمارات الصين في ماليزيا وصل في السنوات الثلاث المنصرمة إلي حدود 34 مليار $..تضع كوالالمبور في المرتبة الرابعة علي قائمة متلقي الاستثمارات الصينية..فرص عمل وتشغيل ووضع ماليزيا علي خريطة طرق النقل البحري..هل قرأت تقرير مركز CSIS تحت عنوان When Investment hurts..عن النفوذ الصيني المهول في فنزويلا، حيث ضخّت الصين قرابة 62 مليار $ إلي كاراكاس في صيغ استثمارات ومنح وقروض، 12 من أصل 17 منها تذهب لقطاع الطاقة، حيث تسيطر بكين علي مرافيء النفط..وهو ما كبّل فنزويلا بديون تبلغ قيمتها نحو 23 مليار $ وأدخلها في دائرة تبعية جديدة، غير مصحوبة بشروط سياسية إلي تلك اللحظة، لتناغم المعسكرين..الاقتصاد الماليزي، علي الأرجح، لن يقع في دوامة الدين الصيني كما في فنزويلا..لكن ينتظره فخ أكبر من الإعتمادية الإقتصادية..التركيبة العرقية في ماليزيا تقول بأن ربع السكان صينيين في مقابل الثلثين من عرقية المالاي..كلاهما اصطدم في الشوارع عام 1969 ما أسفر عن سقوط نحو 160 قتيل احتجاجًا علي تهميش المالاي المسلمين لصالح الأقلية الصينية الثرية، ثم اندفعت ماليزيا بعد ذلك لتطبيق سياسات التمكين الإيجابي التي رفعت عوائد المالاي من المداخيل الإقتصادية مع احتفاظهم بموقع صنع القرار السياسي..هذا التوازن العرقي الحساس الذي أدارته ماليزيا ببراعة طيلة العقود الأربع الماضية..ربما يتأثر بفعل الرأسمال الصيني المُكثف..قبل عامين تجمع مؤيدو الرئيس نجيب مرتدين قمصانهم الحمراء، للتنديد بمطالب المعارضة لإقالته علي خلفية فضيحة الصندوق السيادي..والأهم أنهم ندّدوا بالأقلية الصينية التي تسيطر علي مواقع المعارضة في البرلمان..السفير الصيني في ماليزيا هوانج هويكانج، زار شارع بيتالنج المعقل التجاري للإثنية الصينية في كوالالمبور..وأطلق خطابًا ناريًا مفاده أن الصين لن تسمح بالإفتئات علي حقوق الأقلية الصينية ولا تعريضها للخطر..طبعًا السفير سيعتذر لاحقًا بعد موجة غضب عارمة، ويقول بأن تصريحاته اقُتطعت من سياقها..لكن الهاجس لا ينقطع عن عشرات المليارات الصينية التي قد تُشكل مدخلًا للتأثير علي التوازن الديموجرافي الماليزي.

خطاب مهاتير محمد ضد نجيب رزاق كان مرتكزًا علي نقطة أساسية وهي أن الأخير قام ببيع البلد للصين..‘‘يأتي الصينيون إلي هنا، يشترون الأرض، يبنون شققًا فاخرة، هذا ليس مفيدًا لنا علي الإطلاق، معظم مواطنينا لا يمتلك رفاهية اقتناء تلك العقارات‘‘..وبمجرد أن أُعلن عن فوز مهاتير، كانت أولي تصريحاته بأنه ‘‘قد يعيد التفاوض علي الاتفاقات التجارية المُبرمة مع الصين‘‘..وهو تصريح يحمل مؤشرًا عن نية الرجل تجاه الوجود المالي الصيني، لكنه في الوقت نفسهًا راعي ألا يكون صداميًا وابتعد عن استخدام الصيغ الجازمة..لكن حتي إن تبني مهاتير خطًا صلبًا مع الصين، فسيجد تحالفاته السياسية عائقًا في وجهه…من أصل 113 مقعدًا فاز بها تحالف الأمل الذي يترأسه مهاتير محمد، هنالك 42 مقعدًا يسيطر عليها حزب يسار الوسط ذو التوجهات العلمانية، والناشط في وسط الأقلية الصينية، الحضرية والشبابية بالأخص..حزب العمل الديمقراطي..وهي معادلة إن لم تبطيء من نوايا مهاتير تجاه الاستثمارات الصينية، فقد تقضي عليها بالكلية، وتصبح ولايته الجديدة الصادمة لكل المراقبين، امتدادًا جديدًا للأذرع المالية الصينية..وتلك معركة تستحق المتابعة..السيادة الماليزية الطامحة في التحول لمركز مالي عالمي، في مواجهة الطموح المالي الصيني الذي لا ينفصل أبدًا عن شروطه السياسية.

بعيدًا عن التعقيب..هنا تغطية خبرية من BBC عن فوز مهاتير محمد، وهناك أيضًا تغطية تستحق القراءة من وول ستريت جورنال تحت عنوان ‘‘ Malaysia’s Mahathir Mohamad Signals Tougher Line on China‘‘.

http://www.scmp.com/week-asia/politics/article/2145596/mahathir-malaysian-dictator-who-became-giant-killer

http://www.bbc.com/news/world-asia-44063675

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2085624828428701&id=100009436133419