التصنيفات
مقالات الضيوف

المقاتلة اختيار

والاستسلام أيضا اختيار

في فرنسا، لم يكن يدري ذلك الشاب ما تخفيه الأقدار عنه..

فقد كان شابا يافعا ناجحا، يعمل كصحافيا ويترأس تحرير مجلة شهيرة للأزياء، لديه ابن وابنة، وكان قد وقع عقد أول كتاب مع دار نشر شهيرة..

لاطفته الحياة من كل جوانبها، نجاح ومال وعلاقات صحية وأطفال وصحة جيدة..

حتى جاء اليوم المشئوم، ودون سابق إنذار، ودون مؤشرات، يتعرض جين دومينيك باوبي لنوبة أثناء قيادته السيارة مع ابنه وهو في الثالثة والأربعين من عمره..

يُنقل للمشفى وقد دخل في غيبوبة استمرت لمدة ٢٠ يوما..

ليفيق منها على الوضع الكارثي المحتوم.. جسد بلا فائدة، أنفاس دون حركة، حياة دون حياة.. جسده تخلى عنه ورفض الانصياع له..

أصيب بما يسمى

Locked in syndrome.

وهو وضع لا يقوى فيه الشخص على تحريك أي شيء في جسده، ولا حتى رقبته، ولا حتى لسانه ولا أحباله الصوتية.. وقد فقد نصف قدرته على السمع!

كان باوبي محبوسا فعليا في جسده!

الحياة أمامه وداخله، ولكنه لا يملك سوى المشاهدة وقد حرمه القدر أي وسيلة للتواصل، للوجود..

حتى لاحظ صديقه في إحدى الزيارات أن جفن عينه اليسرى يتحرك!

وكانت هذه الملاحظة هي بوابته على العالم.. وسيلة تواصله الوحيد.. طرفة العين!

بعد ذلك، بدأت اخصائية التخاطب تزوره لتحاول تعليمه التواصل بما يسمى

Partner assiststed scanning

وهو لوحة تعرض بعض الأشكال والحروف الأبجدية وأصبح بوبي يتواصل من خلال غلق جفن عينه اليسرى وفتحها حين تمر بإصبعها على أحد الحروف..

وهكذا كتب أول وآخر كتبه:

The diving bell and the butterfly..

كتبه ب ٢٠٠ ألف طرفة عين في عشرة أشهر!

نُشِر الكتاب، وبعد ثلاثة أيام توفى باوبي، ليقرأ الجميع قصته وإحساسه وقد كان سجين الجسد، بعقل حر كالفراشة..

القصة مُلهِمة بالنسبة لي لأنها قصة شخص سلبته الحياة كل شيء ولكنها لم تستطع أن تسلب منه قدرته على خلق معنى من وجوده، لم تسلب منه الأمل ولا الإرادة، أترى كيف قاتل شخص اليأس بجِفن عينه؟

وبدلا من أن يكون مجرد شخص بحظ مؤلم، أصبحت قصته تدرس في الجامعات وتناولتها أفلام..

المقاتلة اختيار.. والاستسلام أيضا اختيار..

المصدر