التصنيفات
مقالات الضيوف

الدين بالكامل تم اختزاله في “ليخرجن الأعز منها الأذل”

في خناقة دايرة حالياً علي موضوع ميكروفونات التراويح وإزاي منعها -كالعادة- مؤامرة علي الإسلام.
أنا مش هبقي ببالغ لو قلت إن الخناقة دي هي تجلي مباشر لأهم قضية إسلامية علي الإطلاق وجوهر كل الجماعات الإسلامية، بس عشان الكلام ده يتضح محتاج آخد خطوة لورا وأتكلم عن تعريف الدين:
الدين في الواقع مالوش تعريف محدد مختصر، وانطباعات معظم الناس عن الدين بتتكون من النهاية للبداية بدلاً من العكس، يعني الواحد بينشأ علي دين معين فبيعتبره هو الدين بألف ولام التعريف وبيعمل منه مسطرة ويقيس عليه كل الأديان الأخري.
يعني في إنسان لما تُذكر قدّامه كلمة “دين” هيفكر في الmythoss أو السردية الكونية وقصة الخلق وصفات الآلهة، واحد تاني هيفكر في تشريعات وقوانين، واحد تالت هيفكر في أخلاق ومُثُل وواحد رابع هيفكر في صوفية وغنوص وتسامي روحاني وهكذا. وحتي بداخل الدين الواحد، لو قارننا بين المجتمعات المختلفة المعتنقة لنفس الدين أو حتي نفس المجتمع في أزمنة مختلفة هنلاقي اختلافات في القضية المركزية للدين مما يجعله أشبه بالفيل في قصة العميان والفيل الشهيرة.
سواءاً شئنا أم أبينا فلازم نعترف إن حامل لواء الدين الإسلامي في ال١٠٠٠ سنة الأخيرة هما جماعات الإسلام السياسي، هما الأعلي صوتاً والأمضي تأثيراً والأنشط حركة والأكثر التحامًا بالجماهير، وجل جماعات الإسلام السياسي إن لم تكن كلها نشأت في الأصل كحركات تحرر وطني ذات صبغة دينية ورد فعل غاضب ساخط لهزيمة المسلمين أمام الغرب مادياً (الاستعمار وانهيار دولة الخلافة) ومعنوياً (تغريب المجتمعات المسلمة). طريقة تأسيس الجماعات دي شكلت القضية المركزية للدين عندهم: الهيمنة.
لو سألت أحد أعضاء جماعة من جماعات الإسلام السياسي أي الوضعين أفضل: دولة فيها المسلمين أقلية ولكنهم أقلية قوية مُمَّكنة قادرين يسيطروا بيها علي الدولة دي ويخضعوها لحكمهم وشريعتهم، ولا دولة المسلمين فيها أغلبية ولكنهم واقعين تحت حكم علماني قد لا يكون ديمقراطي لكنه بيكفل ليهم ولغيرهم حياة كريمة ودولة قانون وحرية ممارسة الشعائر (لنقل زي سنغافورة مثلاً)، الإسلامي هيختار الدولة اللي المسلمين فيها أقلية حاكمة بلا تردد، لأن قضية الدين المركزية عند الإسلاميين (واللي انتقلت للقطاع الأعرض من المسلمين نتيجة قوة تأثير الإسلاميين) هي إن الدين أيديولوجيا يمينية تهدف لوضع هرمية اجتماعية صارمة للعالم وطبقية شديدة الرسوخ يسيطر فيها الwasp الإسلامي -اللي هو الذكر المسلم السني- سيطرة من حديد علي كل من سواه (المرأة -غير المسلم – غير السني) أكتر كتير من إن الدين علاقة شخصية بين عبد ورب أو خالق ومخلوق، وده كله في إطار الثأر والانتقام من لحظة هزيمة المسلمين عن طريق إعادة خلق اللحظة الطوباوية في صدر الإسلام لما الأقلية المسلمة غزت ما حولها شمالاً وجنوباً وغرباً (ولاحقاً شرقاً كمان).
بمجرد ما نضع في الاعتبار في الاعتبار إن النسخة الإسلامية من الإسلام لا تهتم بإيمان الناس بالإسلام قدر ما تهتم بخضوعهم العلني ليه (مُمَّثل طبعاً في خضوعهم للجماعة المسلمة وطقوسها مزاجها العام) وإن المعركة الإسلامية الأساسية حالياً هي معركة السيطرة علي الفضاء العام واحتكاره كدليل علي السلطة والهيمنة، هنقدر نفهم ظواهر كتير تبدو عصية علي الفهم، هنفهم ليه شاب منحل مدمن للمخدرات مش حافظ الفاتحة ممكن يثور ويكسر عشان كنيسة بتتبني في قريته ولا شاب مسيحي حب بنت مسلمة، هنفهم مدي أهمية إن المسلمين يجمعوا من بعض فلوس عشان يعلوا مأذنة الجامع أعلي من برج الكنيسة القريبة، هنفهم إزاي بدأ يظهر إرهابيين إسلاميين مالهومش أي تاريخ في الالتزام بالتعاليم والعبادات، هنفهم ظواهر البلطجة اليومية الصغيرة زي قراءة القرآن أو تشغيله بصوت عالي في المواصلات العامة أو احتلال الشوارع بحصير صلاة الجمعة، وهنفهم أهمية صوت ميكروفونات التراويح تجلجل في كل شبر في بر مصر ومحدش يجرؤ علي الاعتراض.
الدين بالكامل تم اختزاله في “ليخرجن الأعز منها الأذل”.

 

 

 

https://www.facebook.com/emad.bahgat/posts/10155040308730546