التصنيفات
المدونة

التوجيه الشرعي في المنام ليس من الدين البتة

أفق أيها المسلم العاقل

مقالة مفيدة للناس اللي عايشة في أوهام الدروشة الفارغة وترك محكمّات الدين اللي عارفها كل مسلم من الشرع واستبدالها بالمنامات والهلاوس..

أفق أيها المسلم العاقل

الشيخ خالد محمود

بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مر بالمسلمين أحداث جسام، ومعضلات ومشكلات، وحروب وصراعات، وفتن تموج بالناس. وكان الصحابة الأجلاء من المبشرين بالجنة والسابقين الأولين وأمهات المؤمنين يمرون بتلك الأحداث فيفكرون فيها ويجتهدون في مواجهتها، ويتناقشون ويحتارون ويختلفون. فناقش عمر أبا بكر في قتال مانعي الزكاة وفي جمع القرآن، واختلف هؤلاء الأكابر في مسائل من الميراث والعقوبات وغيرها من أحكام الشرع، ثم اندلعت الفتنة العظيمة بين المسلمين في عهد عثمان، واختلفوا في طريقة حكمه حتى قتل بينهم، وتقاتل المبشرون بالجنة وبينهم أم المؤمنين عائشة في خلافهم حول مقتله، وذهبوا في الاختلاف كل مذهب، واستمر الحال إلى عهد عليّ ومعاوية ثم الحسن والحسين، والصحابة والتابعون حينئذ مختلفون في قضايا الحكم وغيرها. وزخر ذلك العهد بالعلماء والأئمة المجتهدين، وكانوا يتناظرون ويختلفون في مسائل كثيرة من الأصول والفروع.

فهل سمعت أيها العاقل الرشيد في خضم ذلك كله أن أحدا أتاه الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام ليفتيه في حكم، أو يرشده للصواب في الخلاف؟ هل أتى يخبر عمر من يستخلفه على المسلمين؟ وهل أتى عائشة فبين لها ما ينبغي أن تفعل حين عزمت للخروج في موقعة الجمل؟ أو أتى عليا أو طلحة أو الزبير أو عمارا فدلهم على الصواب؟ أو أتى سعد بن أبي وقاص أو عبد الله بن الزبير أو الحسين بن عليّ ليشير عليهم بما يفعلون؟ أو أتى الأئمة العلماء ليبين لهم الحق فيما هم فيه يختلفون؟ ويمكن سرد تلك التساؤلات لتملأ الصفحات بأسماء جميع الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين في خير القرون.

والجواب عن تلك الأسئلة واحد، وهو النفي، لا لم يحدث، لأن التوجيه الشرعي في المنام ليس من الدين البتة، ولا هو من سمة العقلاء أن يقولوه أو يصدقوه.

فكيف يسمح لك عقلك أيها المسلم العاقل أن تصدق في زمننا هذا بعض الأدعياء السفهاء المنتفخين غرورا وضلالا إذا قال لك إن الرسول يأتيني مناما – بل ويقظة – ليعلمني وينير بصيرتي ويهديني للحق ويوجهني للصواب، فيفضلني على خير الأمة من الصحابة الذين تركهم في خلافاتهم وتقاتلهم بلا إرشاد أو توجيه، وآثرني بعطفه واختصني بإرشاده؟

إن الدين حق ظاهر كامل غير ناقص، وقد تركنا الرسول صلى الله عليه وسلم بعده على طريقه الواضح المستقيم، بما ترك فينا من الكتاب والسنة. فلا شرع يؤخذ من منامات، ولا طريق لمعرفة الدين سوى الكتاب والسنة والاجتهاد في فهمهما وتلقيهما جيلا بعد جيل، وغير ذلك بدع باطنية على طريقة جماعة الحشاشين.

وقد نبه العلماء قديما إلى أن بعض المنتسبين للدين يمرون بظروف تؤثر على سلامة عقولهم لشدة تجويع أنفسهم مثلا، فيقولون إننا نرى الملائكة ويحدثنا الله، وما هم إلا مرضى بنوع من اضطراب الماليخوليا، فيعيشون في أوهام يصدقونها ويعتقدونها حقيقية.

فاتق الله في عقلك ودينك أيها المسلم، ولا تبحث عن طريق مخصوص مختصر يوصلك إلى الله مفضَّلا على الصحابة والعلماء، ولا تلتمس في تلك المغيبات العقلية ما يخفف عنك مادية الحياة ونكد العيش والظلم والحرمان وقلة العلم والعمل. بل اطلب العلم الشرعي وصل وصم واعبد ربك على منهاج الشرع الواضح، وأخلص نيتك لله وقل إنني من المسلمين.

المصدر