التصنيفات
مقالات الضيوف

الاحتياج للقبول والاهتمام

ما يسمى بالفاليديشن احتياج إنساني مشروع ومفهوم وضروري، مثله مثل الاحتياج للمال.

الاحتياج للقبول والاهتمام وما يسمى بالفاليديشن احتياج إنساني مشروع ومفهوم وضروري، مثله مثل الاحتياج للمال.

لكن كما أنه ليست كل طرق الحصول على المال مشروعة، كذلك ليست كل طرق الحصول على الفاليديشن مشروعة. وأحيانا تكون الطريقة مشروعة لكنها لا تليق بأصحاب المروءات، فالشحاتة مثلا طريقة للحصول على المال، لكنها طريقة ذميمة ووضيعة ومحتقرة.

وينبغي أن يسعى الإنسان، على الأقل، أن يحدد احتياجه للمال لئلا يفسد حياته. تخيل إنسانًا نذر حياته كلها لجمع المال.. من شأن هذا المسعى أن يفسد علاقاته الاجتماعية ويدمر صحته. فالمال وسيلة وإذا زاد الأمر عن حده أصبح الإنسان موصوفًا بالجشع والطمع والبخل والخوف من المستقبل والقلق الدائم وربما قاده ذلك للظلم وأكل الحرام ناهيك عن إفساد حياته (وهذا الإفساد، بالمناسبة، نتيجة حتمية لكل من يحول الوسائل إلى غايات).

وكذلك السعي للاهتمام والفايديشن. كثيرًا ما يكون الحديث أمام غرباء السوشيال ميديا نوعًا من الشحاتة التي لا تليق والتعري أمام الآخرين. قد تؤدي هذه التعرية إلى نتيجة من اثنتين: إما التعدي والاستباحة من قبل الغرباء العدوانيين أصحاب الأغراض والنفوس الوضيعة وما ينتج عن ذلك من إيذاء للنفس، وإما التعرض للخداع عن طريق النفاق والمسايرة في أهواء النفس والوقوع ضحية الأوهام من قبل الأصدقاء المتملقين وفق التعريف الحديث للصداقة: تقديم القبول والدعم غير المشروط. صفقة شيطانية يتبادل الناس فيها الأكاذيب ولا يتناصحون ولا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

لهذا خلق الله العائلة والأصدقاء المقربين الذين نتكلم معهم بما لا نتكلم مع غيرهم، ونقبل منهم ما لا نقبل من غيرهم والذين يصدقوننا القول حتى لو كان مؤلمًا. فإذا أصبح كل شيء متاحًا لكل أحد في كل وقت، ضاعت قيمة العلاقات الوثيقة وتغيرت طبيعتها لتحولها من علاقة ثنائية إلى علاقة أطرافها بعدد المتابعين لها، وتحولت من غاية نبيلة إلى وسيلة وضيعة (جلب اهتمام الغرباء) وصار اهتمام الإنسان منوطًا بعيون الغرباء واهتمامهم، مع ما في ذلك من غباوة شديدة وانطماس في البصيرة.

ثم هناك مشكلة أخرى خطيرة في السعي الدائم للفاليديشن: كل ما يروي حاجة الإنسان إلى التركيز على نفسه وجعله أكثر نرجسية لا انتهاء له. يشبه الأمر الإدمان. يصبح الإنسان بحاجة إلى مدد لا ينتهي من فاليديشن الغرباء عديم القيمة هذا. وهذا نوع من الجنون. من شأن هذا التركيز الجديد أن يحرف كل أهداف الإنسان ويغير طبيعة حياته. يبدأ بتفريغ مكنونات نفسه وينتهي به الحال بتزييف حياته ومشاعره. يتحول إلى الإنسان المحتوى.

الشباب الأصغر سنًا في فترة المراهقة يتنظرهم مستقبل عصيب لتعودهم على هذا النمط الغريب من السعي للفاليديشن والحصول على الإشباع الشعوري الفوري (يمكن رؤية هذا الأمر بوضوح في موقع مثل تويتر).

ثمة مشكلة أخرى في طرق الحصول على الفاليديشن تتعلق بالسرعة. فالأبطأ الذي يكلف جهدًا ووقتًا هو الأدوم والأكثر إشباعًا، بينما الأسرع لا قيمة له ويحول الإنسان إلى مدمن. فالشحاتة أو الاقتراض قد يحولان الإنسان إلى الغنى بسرعة لكن سرعان ما تنفد الفلوس.. في حين أن من يعمل على مشروعه الخاص مثلا يتعب أكثر لكن استقراره المادي يكون أعمق على المدى البعيد وشعوره بالرضا الناتج لا من توفر المال فقط لكن من عصاميته وجني ثمار تعبه وأنّ هذا المال من حر تعبه يكون أعمق وأكثر إشباعًا. وكذلك الأمر في الفاليديشن.. فالعلاقات طويلة المدى تكسب الإنسان رضًا مع إرهاقها لا يتحقق من رضا الغرباء الممنوح بلايك.

المصدر