التصنيفات
مقالات الضيوف

أوقات الخناقات الهيستيرية بين مشجعي الكورة

كل اللي الناس بتدور عليه في الكورة،
هو شيء من التوازن العاطفي

في أوقات الخناقات الهيستيرية بين مشجعي الكورة،
زي دلوقتي كده، لما بيتصرفوا على طبيعتهم تمامًا وبيطلقوا العنان لكل غرايزهم البشرية والحيوانية، بسبب إنهم فرحانين/غضبانين جدًا لدرجة إنهم مش قادرين يتحكموا في نفسهم،
بيظهر قد إيه هم شاطرين في الضحك على نفسهم في باقي الأوقات.

في الخناقات دي سهل جدًا تلاحظ كم الاستحقاق اللي مشجع الكورة بيتعامل بيه مع نفسه بناءًا على النادي اللي بيشجعه،
وإزاي بيشوف إن إنجازات ناديه السابقة أو الحالية بتديله مكانة إجتماعية ما وسط أقرانه من المشجعين،

فتلاقي مشجع النادي صاحب الإنجازات الأكبر مثلًا بيتعامل مع باقي المشجعين بفوقية شديدة،
وإنتو مين عشان تتكلموا على فلان،
ومعاك كام بطولة عشان تنتقد علان،
وبتحفل علي بأمارة إيه وهكذا،

كل خناقة فيها طرف أقوى رقميًا يقدر يردد نفس الجمل لخصمه،
لحظات بيظهر فيها تماهي تام مع الكيان الاعتباري اللي هو بيشجعه، وسحب إنجازاته على نفسه كأنه هو اللي حققها وشارك فيها، لمجرد إنه قرر يشجعه،

قرار ممكن أي حد كان ياخده في أي لحظة،
ومازال ممكن لأي حد ياخده في أي لحظة،
وفي جوهره، لا يعني أي شيء ولا يدي لصاحبه أي أفضلية.

في اللحظات دي تقدر تعرف مدى زيف الإدعاء الدائم بإنه مش قصة كام بطولة ده عشق من الطفولة،
وإحنا شجعنا النادي الفلاني وبعدين عرفنا تاريخه مش العكس،
وكل الشعارات الاستهلاكية اللي 90% من مشجعي الكورة في العالم بيرددوها طول السنة،
عشان يثبتوا لمجتمعاتهم ودوايرهم إنهم مش جلوري هنترز،
وإن تشجيعهم بيحمل رسالة إنسانية أو معنوية ما تتجاوز القيمة المادية للأشياء.

الحقيقة إن ده مش حقيقي في أغلب الحالات،
البشر بطبيعتهم بيحبوا ينتموا للكيانات الـ”ناجحة” من وجهة نظرهم، لأنهم بيشوفوا النجاح ده بينعكس عليهم بطريقة أو بأخرى،
ومفيش معنى لإدعاء عكس ده عشان بس تبقى “مقبول إجتماعيًا”، ببساطة لأن اللي بتحاول ترضيهم هم كمان أغلبهم بيعمل كده.

حتى اللي بيشجعوا الأندية اللي ما بتنافسش أو بتعاني،
بيحاولوا يستمدوا أفضلية أخلاقية من اختيارهم،
إنهم الأكتر وفاءًا وولاءًا، وإن مفيش زيهم،
وإنهم خدوا “القرار الصعب وماستسهلوش”،
مع إنها مش “قرارات” أساسًا، دي توريطات عاطفية تمامًا الناس اتحشرت فيها بدون تخطيط،
وللسبب ده تحديدًا، بتقضي بقية حياتها بتحاول توجدلها تفسير غير الصدفة، تفسير أعمق وأقيم،
مش موجود غالبًا، فبيتخيلوه، لأنه من الصعب تعيش حياتك مع كيان بيتحكم في مزاجك بالشكل ده، وفي نفس الوقت تبقى مقتنع ومستسلم تمامًا لحقيقة إن كل ده حصل بالصدفة.

فبتحاول تقنع نفسك إنك أكيد شجعت النادي ده عشان بتفهم أكتر من الباقيين، أو عشان إنت كنت عارف المستقبل،
أو عشان إنت متمرد وثوري وبترفض سيطرة الكبار،
المهم إنك حتفضل تعطّف المنطق وتمنطق العاطفة لغاية ما تلاقي رسالتك السامية اللي بيحملها اختيارك للفريق ده تحديدًا دونًا عن غيره.

النتيجة إنك بتقول وبتعمل حاجات مضحكة طول الوقت،
فتبقى بتدعي إن مش هامك البطولات والنجاحات، وفي نفس الوقت مستعد تبقى المسيح الدجال عشان تبرر جول أوفسايد، أو بنلتي مش محسوب، أو انتصار كفتة.

مستعد تقرأ التاريخ والجغرافيا عشان تجيب وقائع مشابهة حصلت مع حد تاني وتثبت إنك مش لوحدك، بل وجنون العظمة ممكن يوصلك إنك تتوقع إن فريقك حيكسب 5، أو حياخد البطولة من قبل ما تبدأ، لأنك متماهي مع نجاحاته تمامًا كأنك إنت اللي حققتها.

التطرف الشديد ده في ظاهرة معينة بيخلق تطرف في الاتجاه المضاد، فيظهر تيار من المشجعين معتنق نظرية أنا عايز أكسب ويولع العالم، بيتعامل مع فريقه بمنطق براجماتي تمامًا؛ دورك تبسطني، تديني الجرعة، وتديني الأدوات اللي تخليني أدي باقي المشجعين بالجزمة،
أي حاجة تانية ما تلزمنيش؛ مش عايز أداء، مش عايز متعة، مش عايز أي حاجة غير نتيجة نهائية بتقول إن الفريق بتاعي حط الكورة في الشبكة أكتر من الفريق التاني،

يلا ننسف أي قيمة معنوية لأي حاجة عشان نبان خطرين وباد آس ونجنب نفسنا أي مناقشة تضطرنا نبرر أو نعرض،
فلأ إحنا حنقول من بابه كده إن مفيش حاجة مهمة غير النتيجة اللي حيصفر عليها الحكم، الباقي كله صياحه طرب،
يلا نسطح كل حاجة ونوصلها لأغبى شكل ممكن،
الشكل اللي بينزع منها قيمتها ومعناها، عشان إحنا للأسف ما بنعرفش نتعامل غير مع الشكل ده،

حالة من العته الطوعي تحسسك إن نبوءة الواكاوسكيز عن تحول الإنسان لما يشبه البطارية في المستقبل ماكانتش بعيدة قوي عن الحقيقة، الجديد بس إنه حيتحول للشكل ده بإرادته،
وحتى في أمور ترفيهية بسيطة زي الكورة،
مش حيبقى مجبر من نظام عالمي قهري بيستعبده.

حتى النموذج ده فيه قدر كبير من الإدعاء برضه؛ مشجعين الكورة بيستنوا إعلان التصميم الجديد لتي شيرت فريقهم، وبينبسطوا جدًا من دخلات المشجعين والرسومات والتصميمات والتيفوهات في المدرجات،
أو أغنية موزونة معناها قوي لأولتراس فريق ما،
أو حزق زايد أثناء النشيد الوطني أو نظرة غضب بعد الهزيمة أو لحظة فرحة حقيقية بهدف مهم،
كل دي أشياء تافهة جدًا مقارنة بالنتيجة، ما بتأثرش عليها بأي شكل، لكن المشجعين الخطرين الباد آس بتوع النتيجة بيهتموا بيها وبيحبوها وبيظهروا مشاعرهم ناحيتها عادي،
بيعترفوا إنها “ممتعة” و”جميلة” رغم إن دي مفردات منبوذة بالنسبة لهم طول الوقت..ليه؟
لأن دي مساحات آمنة بدرجة كبيرة، نادرًا ما بيبقى فيها خناق حقيقي يختبر القناعات والآراء والأفكار، فبيحسوا فيها إنهم قادرين يعبروا عن مشاعرهم الطبيعية بدون تهديد.

في فصل كامل في كتاب Soccernomics عن سلوكيات المشجعين، الفصل بيتكلم عن نموذج نيك هورنبي في التشجيع وهل هو القاعدة فعلًا في إنجلترا زي ما بيتقال هناك ولا لأ..
هورنبي هو أشهر مشجعي أرسنال في العالم، اللي كتب كتاب Fever Pitch واتعمل عنه فيلم جيمي فالون ودرو باريمور بنفس الاسم بس اتغيرت الرياضة للبيزبول والفريق للريد سوكس،
وفي الكتاب ده بيحكي قصة عشقه لأرسنال من الطفولة،
وإزاي بعد العمر ده كله توصل لحقيقة إن أرسنال كان أكتر حاجة حبها في حياته، أكتر من أي ست كان معاها، وأكتر من أي شغل اشتغله.

ستيفان زيمانسكي حاول يجاوب عن السؤال ده،
هل نيك هورنبي هو القاعدة زي ما مشجعي الكورة دايمًا بيدعوا ولا هو الاستثناء؟ هل نجاح كتابه الاستثنائي والمليون نسخة اللي اتباعوا منه، كانوا تعبير عن إن أغلب جماهير الكورة بتشاركه نفس المشاعر ناحية أنديتها؟ ولا كانت تعبير عن العكس؟
إن الجمهور أعجب بقصة هورنبي لأنها قصة خيالية،
بتعبر عن حاجة مش عنده، درجة غير بشرية من الولاء غير المبرر، وكأنهم لقوا فيه البطل اللي بيأكد كل الهراء اللي بيقولوه طول السنة عن أبدية العشق والانتماء الأبدي،
بالظبط زي الأفلام الرومانسية والملحمية اللي مافيهاش غلطة ونتيجتها معروفة مسبقًا؟

دراسات زيمانسكي بتقول إن، صدق أو لا تصدق، في إنجلترا بلد الهورنبيز، حضور جمهور الفريق في المدرجات بيتأثر بنتايجه بنسبة 60% على الأقل، وعلى سبيل المثال؛ دراسات متعددة تانية في نفس الكتاب من مصادر مختلفة كلها أكدت إن حاجة وتمانين في المية من مشجعي تشيلسي في 2006 ماكانوش بيشجعوه في 2003، وأشياء تانية مرعبة توضح حجم الهراء اللي كان بيتروج له في المساحة دي،

لدرجة إن المفارقة الأعظم كانت إن زيمانسكي بدأ يقارن تصرفات مشجعين الكورة بأنماط سلوكية استهلاكية،
وفي النهاية وصل لأن تصرفات مشجعي الكورة، في الأغلب الأعم،
أشبه بتصرفات رواد السوبر ماركت،
لا حد حيجبرهم يشتروا حاجة وحشة،
ولا هم حيجولك عشان عاجبهم اسم المحل أو يافطته،
والعامل الرئيس في استمرارهم لدعم أي فريق هو النتايج،
والمدرجات بتفضل مليانة لأن أغلبها ناس جاية تقضي وقت وتنبسط في مناخ آمن ولطيف ومنظم،
مش عشان روحهم في النادي وحيموتوا من غيره.

التفسير لإحساسك إن الكلام ده مبالغ فيه أو مش حقيقي من أصله، هو إنك طول الوقت بتتعامل مع المشجعين اللي صوتهم أعلى، وأكتر إيجابية، وبيشاركوا وبيقولوا رأيهم،
فبتحس إن هو ده العالم، بينما في الحقيقة هم أقلية لا تذكر،
ناهيك عن حقيقة إن كل قنوات البث والمعلنين ما بيطلعوش غير النوعية دي من المشجعين، اللي لابسين الكوفيات وبواسيرهم بتجيب دم طول الوقت وبيشتروا التي شيرت الجديد أول ما ينزل حتى لو كان الفرق بينه وبين القدم خط زيادة..

المثال الأوضح هنا هو كم الغضب الجنوني الهيستيري اللي بتشوفه في برنامج Arsenal Fan TV مثلًا من كام واحد معروفين بالاسم،
مقارنة بالركود والاستسلام والبلادة المسيطرة على مدرجات أرسنال بقى لها 15 سنة ع الأقل.

المشكلة بقى إن كل ده مش مشكلة،
مش مشكلة أبدًا إنك تكون عايز تنتمي لكيان ناجح أو تشجعه،
ومش مشكلة إنك تتعامل مع الكورة ببساطة وتقول أنا حأشجع أنجح وأجمد فريق عشان أنا محتاج أحس بانعكاسات المكسب علي طول الوقت، أو أنا حأشجع أكتر الفرق بؤسًا وتعاسة عشان هو ده اللي حيحققلي الإشباع والرضا ويحسسني بالمعنى،
سواء ده أو ده فممكن الاتنين يكونوا مبررين بالنسبة لظروفك،
وأكيد تربيتك ونشأتك ووضعك وقت ما شجعت كان لهم دور في تعاطفك مع الفريق ده دونًا عن غيره..
في النهاية، دي مش شهادة إنت ذاكرتلها،
ولا وظيفة إنت إتأهلت لها بمهارات معينة إكتسبتها،
ولا واحدة إتجوزتك عشان بتحبك إنت دونًا عن الخلق،
لو إنت حسيت بالاستحقاق مع أي حاجة من دول فده مفهوم لأن كلها عمليات معقدة فيها مدخلات كتيرة ورايح جاي بين طرفين،
ممكن تكون استحقيت شغلك أو شركتك أو مراتك أو حياتك أو عيالك لأنك عملت حاجة معينة، كل ده مش مشكلة.

المشكلة بتحصل لما تبتدي تدعي العكس،
والأهم؛ المشكلة بتحصل لما تتخيل إن قرار عاطفي عشوائي زي ده خلاك مميز، وبقت الناس المفروض تحاسب وهي بتتكلم معاك في الكورة، أو اللي ينطبق على غيرك ما ينطبقش عليك،
وإن باقي المشجعين بقوا محتاجين ورق وأختام عشان يثبتوا جدارتهم بمستواك، دي حالة مستعصية مضحكة من الوهم والإنكار،
لا اللي شجع ريال مدريد شجعه عشان هو عدى الإنترفيو والباقيين ما عدوش، ولا اللي شجع توتنهام بينصر الفقراء والمظلومين والمهمشين، كل اللي الناس بتدور عليه في الكورة،
خاصة في منطقة زي اللي إحنا عايشين فيها دي،
هو شيء من التوازن العاطفي،
إنها تزودله حاجة ع اللي عنده تخليه أقل بؤسًا.

المصدر