التصنيفات
مقالات الضيوف

أنا كده فعلا؟! انت شايفني كده؟

على شفا الشك في نفسه وفي جدوى ما يفعله في حياته

اتصل بي وهو منفعل “شفت بيقولوا لي ايه؟!”
فحاولت تهدئته مستفهما منه عما حدث، فحكى لي ثائرا عن لقاء جمعه باثنين من الذين يعملون في مجال عمله وينتمون إلى “شلة” ترى لنفسها فضلا وإسهاما في هذا المجال، حكى أنهما عبّرا له عن قلقهما على مصلحته، وانتقداه بشكل استعلائي مهين، وقلّلا من أهمية ما يعمله في المجال الخاص وما يقدمه في المجال العام، وأعطياه نصائح هامة من منظورهما تخالف ما هو مؤمن به وما يعطي حياته قيمة.

كان بين كل جملة وجملة يسألني في حيرة وغضب “أنا كده فعلا؟! انت شايفني كده؟” إذ كان على شفا الشك في نفسه وفي جدوى ما يفعله في حياته.

استمعت إليه حتى النهاية، واستفسرت عن بعض الأشياء الإضافية لتكتمل الصورة لدي، ثم دار بيننا هذا الحوار:

  • صل ع النبي واديني فرصتي في الكلام.. الناس دي شاطرة في المجال وفاهماه؟
    عليه الصلاة والسلام، لأ.
  • يعني يعتبروا مراجع يعني وكلامهم ذو قيمة؟
    لأ.
  • الناس دي بتقدم فايدة ونفع للناس يقارن باللي انت بتقدمه؟
    لأ.
  • اللي بيقولوه ده لو حتى هم نشروه هيأثر على شغلك؟
    لأ.
  • هيأثر على سمعتك؟
    ممكن في إطار الشلة بتاعتهم بس.
  • وانت فارق معاك الشلة دي بالمواصفات دي شايفاك ازاي؟ حابب تنتمي لها؟
    مممممممممممم
    لأ.

شكرا.. متضايق ليه بقى؟!

انت تتضايق لو اللي بيقيمك وبيديك رأيه حد متخصص وفاهم، وتتضايق لو قيمكم مشتركة وبالتالي الكلام طالع من نفس المنطلق، وتتضايق لو ده هيأثر على شغلك، وتتضايق لو هيأثر على سمعتك.

يا صاحبي ده النبي صلى الله عليه وسلم اتقال عليه مجنون (وحاشاه)، هل ده منعه من الاستمرار في أداء الرسالة أو عطله؟

(ضاحكا) تصدق معاك حق، أنا مش هاشغل نفسي بالموضوع ده تاني..

الحوار ده ممكن يكون فيه تفسير مناسب لجملة سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه “لا تدع جهل الناس بك يغلب علمك بنفسك”.

كانت هذه الحكمة القصيرة من أوائل ما قرأته في حياتي وأنا طفل دون أفهم كيفية تطبيقه:

اختر المعارك التي تريد أن تخوضها بحكمة..
Choose your battles wisely.

لم أفهمها لأنني لم أكن أعي كيف يمكن أن تكون لدي معارك وحروب، مع التقدم في السن واكتساب الخبرات تبينت لي المعارك وتبينت لي قيمة هذه الحكمة الرائعة..

ليس من الصعب أن نحدد أي الاختبارات والمواقف التي نمر بها تستحق الحرب وأيها لا تستحق، بشرط أن ننحي شعور الكرامة الزائف الذي يصور لنا كل إهانة على أنها ضربة سيف أو طلقة رصاص، وأن نعطي الفرصة للعقل ليزن الأمور ويحسب الحسابات..

لا تحرق وقودا دون داعٍ في معارك لن تستفيد من الانتصار فيها شيئا، وبالأخص في معارك قد تتسبب مجرد مشاركتك فيها إلى الإساءة إليك.

المصدر