التصنيفات
افيون الشعوب

من الذي أوهمنا أن الدين ضد الضعف الإنساني

ـ من الذي فعل بنا ما نراه اليوم؟، من الذي غطى برداء قبحه وعصبيته على رصيد الحب في دين الله؟، والأهم من الذي أوهمنا أن الدين ضد الضعف الإنساني، ضد المشاعر، وأنه لا يفهم لغة القلوب، ولا يحترم إنكسارات الروح وعذاباتها

الحدوتة ببساطة إن قريش في سعيها لإنهاء دعوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام عملت كل حاجة، بدء من التشهير وحتى محاولة الاغتيال، وفي وسط الضربات البائسة بتاعتهم قرروا إنهم يشغلوا النبي بشأنه الخاص، كان عندهم أزمة حقيقية إن سيرة الرجل وتاريخه نضيف بشكل مرعب، أنضف حتى من عاداتهم وتقاليدهم، لا ربا ولا خمر، ولا علاقات نسائية، ولا تمويل خارجي، ولا مواقف شخصية مشينة.
قرروا بشكل فج وغريب إنهم يرجعوله بناته عشان ينكدوا عليه هو وزوجته ويشغلوه بخسائر عائلية، كان للنبي 3 بنات متزوجات من رجال في قريش، وقتها مكنش نزل تحريم زواج المسلمة من كافر.

رقية وام كلثوم متجوزين من عتبة وعتيبة ولاد أبو لهب، وزينب متزوجة من أبوالعاص بن الربيع، والرجالة التلاتة على دين قريش.
عتبة وعتيبة نفذوا الأمر، والعاص مقبلش حتى الكلام في الموضوع، ورفض إن حد يجيب سيرة زينب على لسانه، لدرجة إنهم خافوا لو ضغطوا عليه أكتر يميل لكفة المسلمين.
أبوالعاص بن الربيع كان بيحب زينب جداً، وهي رغم اختلاف الدين كانت بتحبه وتحترمه وشيلاله احترامه وعزته ليها رغم عدائه العقدي مع أبوها، وزاد حبها بموقفه المتمسك بيها.

بعد ما هاجر النبي والمسلمين للمدينة ظلت زينب في بيت جوزها معززة مكرمة، لحد ما بدات المناوشات بين المسلمين وقريش، ودخل السيف طرف في اللعبة.
وشاء ربك إن الزوج يخرج مع جيش قريش لحرب المسلمين في موقعة بدر، ودا مش غريب العباس عم النبي نفسه خرج وبعض بني هاشم، وكان الخروج وقتها مش اختياري، واي شخص هيرفض يبقى متعاطف مع المسلمين.

ويشاء ربك كذلك إن أبوالعاص يتم أسره في بدر، ولما بلغوا النبي إن جوز بنته أسير قال كلمة مدهشة ” والله ما ذممناه صهراَ” ركز مع الإنصاف في الحتة دي معلش.
ولما فتحوا الباب للفداء تبعت زينب قلادتها اللي ورثتها عن أمها خديجة (أغلى وأثمن حاجة عندها) تفتدي بيها جوزها من أبوها!
مقدرش النبي يمنع شجنه ووجع قلبه لما شاف قلادة خديجة، وسمح لأبوالعاص بالرجوع مع وعد إنه يبعت زينب للمدينة، الأب مكنش مطمن لوجود بنته المسلمة في قريش بعد اللي حصل.

وأوفى الزوج بالوعد، مش كدا وبس، دا ركبها الهودج، وخرج بيها في عز النهار في مشهد مقدرتش قريش تقبله ولسه دمهم في بدر مبردش، حاولت تمنعه رفع قوسه وكان رامي ماهر، وقرر إن تكون حياته قبل حياتها!
المهم إن العاصي سلمها يداً بيد إلى رسل أبيها وسلم معاهم حتة من قلبه…
ورجعت زينب لأبوها واخواتها بس جزء من قلبها هي كمان كان في مكة.
بعد فترة حصل مناوشات بين مسلمين وقافلة راجعة لمكة، ويشاء ربك كذلك إن يكون في القافلة العاصي، واللي قدر يهرب منهم ويدخل المدينة، وفي الوقت اللي الدنيا مقلوبة بحثاً عن أبوالعاص كان هو بيدور على بيت زينب، ويطلب منها تحميه!
وحصل، أخفته في بيتها، وخرجت للمسجد وبعد صلاة الفجر، حصل أغرب مشهد ممكن تتصوره….!!!

بعد التسليم، سمع الناس صوت نسائي من آخر المسجد بيقول: “أيها الناس, أنا زينب بنت محمد، وقد أجرتُ أبا العاص، فأجيروه”.. التفت الناس وإذ بزينب بنت نبيهم فعلاً واقفة بحزم وهي بتؤكد إن الرجل في حمايتها!!
النبي اندهش لدرجة إنه قال للناس “والذي نفسي بيده ما علمتُ بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتموه”
ونفتح القوس ونسأل سؤال واحد: ما هو تصرف الأب مع بنته اللي تصرفت بهذا الشكل؟

مجتمع قبلي، المرأة فيه ملهاش سعر ولا قيمة، دعك من إن المرأة هنا تصرفت تصرف مش سهل أبداً، بقا إحنا قالبين عليه الدنيا وانت مخبياه!، وفي الوقت اللي العيون التفتت فيها للنبي، قام الأب ـ ركز على الأب ـ وطبطب على بنته وقال لها: ” يا بنيتي، أكرمي مثوى أبي العاص، واعلمي أنك لا تحلِّين له” وأصدر أوامره بإن العاصي غير مطلوب وإن المسلمين يجير عليهم أدناهم.
رجع الزوج لمكة ومعاه القافلة، رجع الفلوس لاصحابها، وأعلن إسلامه، ورجع لزينب وعاش معاها.

والسؤال:
ـ من الذي فعل بنا ما نراه اليوم؟، من الذي غطى برداء قبحه وعصبيته على رصيد الحب في دين الله؟، والأهم من الذي أوهمنا أن الدين ضد الضعف الإنساني، ضد المشاعر، وأنه لا يفهم لغة القلوب، ولا يحترم إنكسارات الروح وعذاباتها؟

https://www.facebook.com/karim.alshazley/posts/1617323238333512