التصنيفات
مقالات الضيوف

منظومة الزواج الحداثية شكلا كاثوليكية مضمون

عن منظومتنا الزواجية الكاثوليكية الحداثية .. عن أول أمة في التاريخ يصل فيها الإنسان إلى خمسة وثلاثين عاما دون أن يعاشر امرأة :

قبل وقت قصير قرأت نقاشا على صفحة أحد الإخوة عن “الارتباط بفتاة سبق لها أن تعرّفت إلى شاب” .. والمقصود هو التعارف والإعجاب والكلام فحسب .. وكانت النتيجة التي توصل إليها الأخ أنه “في زمننا السيء الذي لا تكاد تسلم فيه فتاة من الحديث مع شاب فعلينا تجاوز هذه النقطة” .. والطريف كالعادة أن رداءة الزمان لا تنطبق على الشباب الذين لا يسلمون هم أيضا من الأمر نفسه ..

ما قرأته أعاد إلى ذهني حوارا صامتا خضته مع نفسي حول منظومة الزواج عندنا .. والتي أصفها بأنها “منظومة حداثية شكلا كاثوليكية مضمونا” ..

حداثية شكلا : أخذت من الغرب الحديث شكل الزواج القانوني .. الذي يترتب عليه تحول هائل في الوثائق الرسمية والأوضاع العملية والحقوق اللاحقة .. ما يجعله قرارا مصيريا بالفعل يقدم عليه المرء في وقت متأخر وكثيرا ما يقود إلى محاكم وخلافات عميقة في حال الرغبة في إنهائه ..

كاثوليكي مضمونا : أي أنه تأبيدي، واحد، محكوم بالنجاح قسرا، وإلا ترتبت عليه مهانة للطرفين، ووصمة اجتماعية تجعل المطلق مستهترا لا يزوَّج والمطلقة وردة اقتلعت وشُمّت ثم ألقيَت بعيدا باحتقار ..

وانطلاقا من ذلك تقوم كل التوعية الاجتماعية والمواعظ المشائخية والبنى القانونية التي تتعامل مع الزواج .. انطلاقا من هذا الأساس المريض المُمرِض .. فكل الحديث المضخَّم عن “أسس اختيار الزوجة الصالحة” و”قوائم المواصفات” و”التحذيرات من الفضيحة والستر بأي ثمن” ، كله يستبطن هذا التصوّر البائس الشائه للزواج الناتج من جمع مسخي بين الحداثة والكاثوليكية .. ولا تسهم كل تلك الإجراءات والتوعيات التي تبدو واعية إلا في ترسيح النمط المهترئ بدلا من مساءلة أصوله ..

الغرب تملص من الزواج الكاثوليكي بإباحة ممارسة الجنس بالتراضي دون زواج .. وجاء الشكل القانوني للزواج وفق الرؤية الحداثية الحريصة على حفظ الحقوق ومنع الظلم والتعدي والرغبة في تحقيق أقصى درجات المساواة .. فأنتج نمطا أقل دينا ولكنه أكثر إنسانية .. أما نمطنا فهو لاديني ولا إنساني ..

ولو تأملنا تأملا بسيطا في شكل العلاقات الزوجية في عصر النبوة، لوجدنا أنها أقرب إلى شكل العلاقات الجنسية الغربية منها إلى زواجنا .. فالشاب يتزوج بلا تكاليف ضخمة وهو دون العشرين عاما .. ويمكن أن يبقى مع زوجته .. ويمكن أن يطلقها .. وكلاهما يتزوج بعد الطلاق ثانية وثالثة وعاشرة .. بلا وصمات وبلا فضائح مزعومة وبلا قهر وبلا فصام نفسي واجتماعي ..
ليس في الهدي النبوي حديث عن زواج أبدي مهما كان .. أو عشرة بالغصب .. أو سكوت على ضيم خوفا على المستقبل أو لأنه لن يلتفت إليّ أحد، أو لكي لا أصبح “مطلقة” ..

وما يسمّى حاليا “الزواج العرفي” رغم مشاكلة الكثيرة يبدو أقرب مضمونا إلى هدي الإسلام من زواجنا المألوف، وإن كانت ناحيته الشكلية والقانونية تنطوي على خلل عميق ..

أليس بالإمكان صوغ تصور للزواج يتجاوز مساوئ الانحلال الجنسي وتعقيدات الدولة الحديثة ويجعل حياتنا أكثر نظافة وأقل توترا وتشنجا وفصاما؟ ..

بلى ..

https://www.facebook.com/hammamyahya/posts/4888099248697