التصنيفات
مقالات الضيوف

كيف تعرف نولان

المقال الاصلي:

http://www.sasapost.com/opinion/nolan/

كنت كتبت من قبل مقالا بعنوان: “كيف تعرف تارانتينو؟” أحاول فيه تلخيص بعض الشواهد المتكررة في أفلام المخرج، في محاولة لفهم طريقته وأفكاره وسماته المميزة، والأهم من ذلك، أسلوبه في الحكي، وقررت أن أفعل ذات الشيء مع آخرين؛ من أجل نفس الهدف، والآن مع “كريستوفر نولان”

١) الخوف:

دوافع أبطال نولان تنبع من الخوف، تحديدا الخوف من تكرار ذكريات أليمة اختبروها في ماضٍ ما، حتى إن لم تكن الذكرى الأليمة سببها البطل نفسه، الذكريات الأليمة وسيلة أدبية وسردية مشهورة وناجحة، وعند نولان دائما هي الدافع الرئيس الذي يجعل البطل في حالة خوف مستمرة، والخوف عند نولان، يدفع البطل، لتجنب الذكرى الأليمة فقط، وفي المقابل أيضا يدفعه إلى فعل الأشياء التي يراها الجميع تهوّرا مطلقا، أو تحديا شديد الصعوبة، أو ربما جنونا!

الخوف من النسيان، في Memento وما يتبعه من الخوف من جميع الناس حوله، وانعدام الثقة بهم، وهو مبني على ذكرى سيئة، قتل الزوجة والمحاولة الدءوبة لإيجاد القاتل.

في Batman نجد أن الخوف من الفقدان مبني على ذكرى قتل الأسرة على يد أحد رجال العصابات، ونجد الخوف بشكل عام يشكل سمة سائدة خلال السلسلة كلها، فالسلاح الفتاك في الجزء الأول من السلسلة هو غاز يسبب تسمم يجعل الشخص المصاب يرى أكثر الأشكال المخيفة بالنسبة له، الخوف من الخفافيش التي صارت بعد ذلك رمزاً للبطل،

في الجزء الثاني يعود الخوف من الفقد ليسيطر مجددا، فبروس واين لا يريد أن يفقد ريتشل الفتاة التي أحبها من قبل، والتي تمثل له حياته السابقة وطفولته حين كان يعيش في النهار والضوء، الخوف أيضا كان الشيء الذي يحتاجه، والسبيل الذي أنقذ واين للخروج من حفرة سجنه في الجزء الثالث والأخير.

الخوف من الذكريات نفسها بدا جليّاً في Inception فالبطل يخشى ذكرى زوجته ووفاتها بكل ما تحمله الذكرى من فرح وألم، ولأن الذكريات في Inception تصير أجساداً حية تراها وتلمسها في عالم الأحلام، فالخوف يصير أكبر وأكبر.

٢) الوقت:

الحرب بين نولان ودقات الساعة قائمة منذ اللحظات الأولى، الوقت عدو لكل الأبطال تقريباً، وهذا هو حال الإنسان، الوقت هو تيار يعاكس مسار الحياة، يؤجلها، يعطلها، مرور الوقت يعني أن الخطر أكبر، في Memento إذا تخطى الزمن بضع دقائق سينسى البطل ما حدث ويعود لمربع صفر، لذلك عليه الاستفادة من كل حلقة زمنية للخروج بنتيجة ونقشها على جسده!

لو استطاعت الفتاة أن تفك عقدة يديها في الوقت المناسب، ما كانت لتغرق، كانت لتعيش، ولم يكن لخلافات أبطال The Prestige أن تكون بتلك الضراوة.

في Batman أيضا الوقت عامل محدد لقضايا فلسفية كثيرة بعيدا عن كونه مؤثرا في مجرى الأحداث، السباق الذي يخوضه بروس واين، لينقذ شخصا مرتبطا بقنبلة موقوتة، أو المعضلة الأخلاقية للأشخاص في السفينتين، الذين ينتظرون مرور الوقت وهم أحياء وفي ذات الوقت متمسكون بآدميتهم؛ لكي لا يفجروا السفينة الأخرى!

الوقت في Interstellar هو العدو الأساسي للأبطال، هو ما يخيف بروفيسور براند، وتمدد بسيط لذلك الوقت، جعل مسافة ٢٣ عاماً على الأرض تمر مثل دقائق معدودة على كوكب بعيد في مجرة بعيدة، وجعلت الابنة تبدو عجوزا إلى جوار أبيها.

٣) الكذب:

قد يبدو الأمر محبطاً إذا قلناه بهذا الوضوح، لكن الحقيقة أن رحلات الأبطال في ومسار الأحداث في أفلام نولان يتغير، بل يبدأ أصلاً، بكذبة.

كذبة تيدي في فيلم Memento الذي استغل البطل طوال الفيلم، ولم نعلم في نهاية الأمر هل كان صادقاً في آخر كلامه أم لا.

كذبة ألفريد بوردين في فيلم The Prestige حول سر خدعته، التي قادت غريمه روبرت أنجير إلى رحلته وصراعاته، ومن ثم حتفه.

في Batman كذبة المفتش جوردن حول حقيقة هارفي دينت، وحقيقة باتمان، وتبادل الأدوار بدون وجه حق، فقط لحفظ الأمن.

كذبة كوب في فيلم Inception على فريقه بالكامل بشأن زوجته، وكذبه عليهم في مراحل الحلم الذي أخذهم لها، وقوة المخدر الذي قد يجعلهم نائمين لعمر طويل يدمر عقولهم.

وأخيراً كذبة بروفيسور براند على بعثته بشأن الخطة الأصلية التي تمكنهم من إنقاذ كوكب الأرض.
كل هذه الكذبات كانت هي منطلق رحلة أبطال نولان، وكشفها دوما يضع كل بطل أمام تحدٍ ما.

٤) الاختبار:

بعد كشف الكذبة التي انتهى إليها أكثر من نصف رحلة البطل، يضع نولان أبطاله أمام اختبار هام، هذا الاختبار يحاول الكشف عن نبل البطل، النبل الذي يكمن في استكمال مسار الرحلة الجديد دون النظر إلى الكذبة؛ لإنقاذ الفريق والأصدقاء والمصلحة الأكبر، دون الوصول للهدف الأساسي لرحلة البطل.

لن نكشف سر الخدعة في The Prestige، وسيكون الثمن موت أحد الإخوة، لن نفضح هارفي دينت في Batman والنتيجة أن باتمان سيتحول إلى مجرم وسيظل في الظلام لفترة طويلة، لن نتوقف عن عملية زرع الفكرة في Inception، وسنذهب لأكثر مستويات الأحلام عمقاً لاستعادة صاحب الصفقة سايتو، والنتيجة أن كوب سيظل لأعوام في هذا المستوى، وقد يفقد عقله في محاولة الإنقاذ تلك.

سنكمل الرحلة في Interstellar إلى الكوكب الثالث والأخير لإنقاذ البشرية، والثمن أن البطل لن يتمكن من إنقاذ عائلته على الأرض، وسوف يضحي بنفسه أصلا لاستكمال الهدف الأسمى، وتتجلى شجاعة أبطال نولان في اختيارهم النبل، على الرغم من نتيجته السلبية المباشرة عليهم، وحين نظن أن الرحلة قد انتهت بفشل الهدف الأساسي، نجد أن نولان قد ادخر لأبطاله مكافأة ما.

٥) المكافأة:

أبطال نولان كلاسيكيون على المستوى النفسي الشخصي، شديدو النبل، لذلك ينجحون في الاختبار، حتى وإن ظنوا أنهم لن يبلغو هدفهم الأساسي، فإنهم ينتصرون للمبدأ والخير، ولذلك أيضاً يكافئهم نولان بمكافآت غير متوقعة، تصل أحياناً إلى بلوغ الهدف الأساسي من ناحية غير متوقعة كما حدث في Inception و Interstellar ، أو تخفيف تغيير المسار من خلال أقدار أخرى تريح صدر البطل وتحسن صورته مثل: في Batman و The Prestige.

٦)السلطة:

لعل الأمر الوحيد الذي يزعجني في نولان، إيمانه الشديد بالسلطة، وبوجوب امتثال الجمهور لها، وبسطوة تلك السلطة، لعل سلسلة “باتمان” تتحدث بشكل أو بآخر عن السلطة من وجهة نظر نولان، وعن الدولة وعلاقتها بالشعب والجمهور كمجموعة من الأطفال الذين لا يعرفون مصلحتهم، والسلطة هي الراعي الذي من شأنه أن يجبر الجمهور على أخذ الدواء المناسب لمشاكله، ربما عنصر الكذبة المشهور عند نولان، وتسامحه معها، ومع مبرراتها، نابع من إيمانه بتلك السلطة.

يفضل نولان، مثل كثيرين كتابة أفلامه بنفسه؛ كي يتمكن من إيصال الصورة النهائية لفكرته كما يراها هو، وكي تتكامل عناصر القصة مع تقنيات الإخراج والتصوير.