التصنيفات
مقالات الضيوف

فكرة ترتيب الأولويات بين أبناء الإسلام

كتبنا في مقال سابق عن قصة الثيران الأربعة، ثم أشرنا إلى أن القصة تكاد تنطبق مع ما كان من أمر الحركات العلمانية مع الإسلاميين فصيلا فصيلا، وقد كانت خطة الأسد الهزيل الغادر معلنة وواضحة جدا من البداية وهو ما أتحدث عنه اليوم.

في نهاية عام 2012م قام شخص يسمي نفسه على يوتيوب باسم “ملحد مصري” -وهو طبيب مصري يقيم في الولايات المتحدة الأميركية- بتصوير فيديو يستعرض فيه أهم ثمار وإنجازات عام 2012 من وجهة نظره، فذكر أن أهمها على الإطلاق هو ظهور نجم باسم يوسف، وأهمية باسم يوسف تأتي من قدرته على طرح الأفكار الجريئة الساخرة من المتدينين في مجتمع محافظ ومتدين هو المجتمع المصري الذي تقبل نكات وسخريات باسم يوسف ولم يعتبرها صادمة لذوقه وفطرته الدينية.

كيف استطاع باسم يوسف أن يسخر من المتدينين في مجتمع متدين؟ هذا هو سر تفوقه المذهل من وجهة نظر صاحب الفيديو، ذلك أن باسم يوسف قد فرق بذكاء وحرفية بين تدين هؤلاء وتدين عوام الشعب، وهذا الفصل سهل على المجتمع قبول هذه السخرية، فلم يعد الشيخ المتدين هو المثل الأعلى للمجتمع أو القيادة الاجتماعية التقليدية في كل أسرة وحي كما كان الوضع قبل ثورة يناير، بل أصبح هذا النمط من التدين مثار السخرية ورمز التشدد والعصبية في وجدان جمهور الفضائيات الذين لا يقرأون بل يتأثرون بالخطابة التعبوية -حسب وصف الملحد المذكور- للشيخ كشك والشيخ المحلاوي أو يتأثرون بالنكتة والسخرية وهو ما يقدمه لهم باسم يوسف.

بدأنا نرى الراقصة والممثلة والفاجرة ولاعب الكرة والمغني والسفيه ومن لا حظ له في علم أو فهم أو فكر أو وعي وقد خرجوا في الشاشات وقرروا أن يعلموا الناس دينهم.

ثم وجه رسالة إلى باسم يوسف مكونة من عنصرين مهمين هما الشاهد من كلامنا هنا:
الرسالة الأولى: عليك يا باسم أن تظهر الفيديوهات التي يسب فيها الإسلاميون بعضهم البعض -وما أكثرها على يوتيوب- فهذه الفيديوهات تُظهر بوضوح أنهم يستحقون السب والسخرية جميعا بدليل قيامهم بذلك فيما بينهم فلن نكون نحن -العلمانيين- أرحم بهم من أنفسهم.

الرسالة الثانية: لا بد لك يا باسم أن تكثر من مدح الأزهر في الفترة المقبلة، بل وأنصحك بزيارة شيخ الأزهر –الشيخ أحمد الطيب، وعليك أن تظهر له وافر الاحترام والتقدير والإجلال، وحبذا لو قبلت يده مخاطبا إياه بألفاظ التفخيم مثل مولانا وصاحب الفضيلة وما إلى ذلك، وهنا يعلق مستطردا فيقول: مش مهم موقفك العقائدي (يعني رفضه للتدين والمتدينين جميعا ومنهم الأزهر وشيخه) لكنهم يتساقطون الآن (يعني الإسلاميين) فيجب الوقوف إلى جوار الأزهر الآن ودعمه في مواجهة هؤلاء الآن، وكلمة الآن التي كررها هنا مرتين دلالتها واضحة جدا وهي: هيا نرتب الأولويات ونواجه أعداءنا بالترتيب إذ ليس من الحكمة أن نفتح كل الجبهات في وقت واحد.

أتوقف مع الرسالتين متأملا مفكرا فأجد فيهما معنى واحدا وهو: ما أعجز بعضنا (أعني: الإسلاميين) عن ترتيب الأولويات، وما أمهر بعضنا (أعني: الإسلاميين أيضا) في إثارة الخصومات وتكثير العداوات بين الأقارب أكثر من قدرتنا على ذلك مع الآخرين.

بالتأكيد وصلت رسالة هذا الملحد لباسم يوسف، ولا أعلم أنه قد كتب أو أذاع مناقشة لها أو ردا عليها، ولا أقول هنا إنه تبنى استراتيجية ملحد مصري متعمدا -وإن كانت النتائج تشير إلى شيء قريب من هذا- لكن كل ذلك لا يعنيني، بل المقصود هنا أن أتوقف مع فكرة ترتيب الأولويات بين أبناء الإسلام ليعرفوا من أقرب إليهم من غيره ومن عدوهم الحقيقي وإن أظهر المحبة والبشر.

لقد كانت ألسنة الإعلاميين حادة على بعض الإسلامين (إخوانا وسلفيين) في الوقت الذي تمدح فيه الأزهر وأهله رمز الوسطية والاعتدال والمحارب الأول للتطرف والإرهاب كأنا تحيدهم عن المعركة لفترة، بل وقد تطلب منهم أن يشاركوا في هذه الحملة المسعورة على الإسلاميين أحيانا أخرى، وقد تم الأمر بنجاح في كثير من الحالات التي أصبح فيها بعض مشايخ الأزهر ورجاله أبواقا للعلمانية ومروجين لأفكارها باسم محاربة التطرف ومقاومة الإرهاب؛ يظنون أن هذا يخدم الفكرة الإسلامية أو المؤسسة الأزهرية كذبوا!

جاء الدور على الأزهر وأصبح الأزهر هو رمز التطرف والإرهاب، وأصبحت مناهجه أشد قسوة وعنفا من مناهج داعش، وأعلن أحد المذيعين موت الأزهر رسميا لأنه عجز عن مواجهة الإرهاب والتطرف.

ورأينا كثيرين يسيرون بكل قوة وحزم في تنفيذ هذه الخطة الفاجرة التي يقترحها هذا الملحد فوجدنا المشايخ يخرجون في الفضائيات والشاشات يسب بعضهم بعضا باسم المناظرة والحوار والنقاش البناء من أجل خدمة الوطن والدين، والمذيع يغذي صراع الديوك هذا مسرورا منتشيا يكاد يصرخ بهم قائلا: أكملوا ما بدأتم ولينهك كل منكم خصمه ولتشاركوا في ارتفاع أسهم البرنامج وعدد مشاهداته وواردات إعلاناته فقريبا تزولون جميعا ويرتاح المجتمع من شركم ومن وصايتكم التي تفرضونها تعسفا على الناس يا تجار الدين والدين منكم براء!

وبدأنا نرى الراقصة والممثلة والفاجرة ولاعب الكرة والمغني والسفيه ومن لا حظ له في علم أو فهم أو فكر أو وعي وقد خرجوا في الشاشات وقرروا أن يعلموا الناس دينهم ويحذروهم من تجار الدين وأدعياءه، وبعض مشايخ الأزهر يقولون: لا تحكموا على الناس بالمظاهر فربما كانت الراقصة أقرب إلى الله من المنتقبة وربما كان المغني شارب الخمر أحب إلى الله من صاحب اللحية الذي يظهر التدين والدين منه براء، وهذا الكلام بصيغته تلك باطل لا يشوبه من الحق شيء إذ تعليق الحكم على وصف يُشعر بعلية هذا الوصف كما يقول الأصوليون، أي أن ربط الحكم بوصف بعينه فيه إشعار بارتباط هذا بذاك فتكون علة الحكم هي الوصف المذكور.

فإذا قال القائل: إن الراقصة قد تكون أحب إلى الله من المنتقبة فهذا يعني أن الله تعالى يحب الرقص والتعري أكثر من حبه للعفة والفضيلة والاحتشام، فنحن لا نتحدث عن شخص الراقصة بكل ما تفعل من خير أو شر مقارنة بشخص المحجبة أو المنتقبة بكل ما تفعل من خير أو شر فنقول ربما غلب خير الأولى شرها وغلب شر الثانية خيرها، بل نتحدث عن وصف بعينه فنقارنه بوصف آخر ثم نقول إن حال الأولى (الموصوفة بالوصف المذكور فقط) ربما يكون أحب إلى الله من حال الثانية (الموصوفة بالوضع المذكور فقط كذلك) وهذا باطل ظاهر البطلان، لكن الباطل له أنصار كثيرون في هذا الزمان، ومن العجيب أن يكون بعضهم ممن يظهر بمظهر أهل العلم ويتسمى باسمهم.

قبل بعض الأزهريين هذا العرض السخيف وهذه الخطة الآثمة وقالوا: هيا نشارك في هدم نفوذ الإخوان والسلفيين ليكون لنا النفوذ وتكون لنا السلطة، لا أعني سلطة القرار الحكومي بالضرورة بل ربما تكون السلطة الأخطر منها هي سلطة التوجيه الاجتماعي والفكري والثقافي، وشاركوا في مواجهة الإخوان والسلفيين بالحق أو بالباطل وتغافلوا وتناسوا خطر العلمانية والإلحاد والفسق والفجور والانحلال الذي يواجه المجتمع، واعتبروا أن خطر الإخوان ومن ناصرهم أو أيدهم أو تعاطف معهم هو أشد فتكا بالأمة من كل هذه الأخطار الأخرى التي تواجه عقيدة الأمة وثقافتها وأخلاقها!

توجب علينا أن نسأل من هم الإسلاميون؟ وما مدارسهم الفكرية؟ ومن هم العلمانيون؟ وما مدارسهم الفكرية؟ وهل هناك وسط بينهما؟

استمرت الخطة حتى جاء الدور على الأزهر وأصبح الأزهر هو رمز التطرف والإرهاب، وأصبحت مناهجه أشد قسوة وعنفا من مناهج داعش، وأعلن أحد المذيعين موت الأزهر رسميا لأنه عجز -حسب قوله- عن مواجهة الإرهاب والتطرف، بل وثبت أنه يرعى التطرف ويبذر بذوره في المجتمع، وتبين -فجأة- أن أغلب منفذي التفجيرات الإرهابية في مصر هم من أبناء الأزهر وطلابه!

كل هذه السخافات والأكاذيب وغيرها كثير رأيناها وسمعناها وقرأناها خلال الأسابيع الماضية عن الأزهر وأهله، وثارت في أذهان البعض ورأينا لسان حال بعضهم الآخر يقول: مكنش العشم! أهذه نتيجة التعاون المشترك في مواجهة الإخوان والسلفيين؟ لن تجدوا حليفا خيرا منا فلا تستبدلونا بغيرنا، ويمكنني أن أترك لخيالكم العنان في تخيل باقي العبارات التي يمكن أن تقال في هذا السياق، إلى أن ثار أحدهم حزينا وصاح قائلا: أكلت يوم أكل الثور الأبيض!

لا أقصد أن يتوقف العلماء عن بيان الحق الذي أمرهم الله ببيانه، ولا أعني غض الطرف عن التجاوزات الشرعية والأخلاقية الكثيرة التي تورط فيها بعض الإخوان والسلفيين ومن ناصرهم وعاونهم، فإن الله تعالى قد أخذ الميثاق على أهل الكتاب أن يبينوه ولا يكتمونه، ولكن المقصود هو كيف يكون البيان والتوجيه والحوار والخلاف الإسلامي الإسلامي، وكيف يمكننا ترتيب الأولويات ومعرفة العدو من الحبيب؟ ومع من نتعاون؟ وفي أي شيء يكون التعاون؟ وكيف نرتب دوائر الانتماء لمعرفة الموافق والمخالف ومقدار الموافقة والمخالفة حتى نستطيع معرفة من الأقرب إلينا ومن الأبعد عنا؟

هذه أسئلة مهمة على مستوى الفرد والأمة، في إطار معركة الهوية بين الإسلام والعلمانية توجب علينا أن نسأل من هم الإسلاميون؟ وما مدارسهم الفكرية؟ ومن هم العلمانيون؟ وما مدارسهم الفكرية؟ وهل هناك وسط بينهما؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في وقفات مقبلة إن شاء الله تعالى.

http://blogs.aljazeera.net/blogs/2017/4/21/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%85-%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%8A%D8%AF-%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1