التصنيفات
مقالات الضيوف

عمرو وزين وأوجينى

“فى رأيي إن أكبر ظلم ممكن تظلمه لحد هو إنك تُقِّدسه، وترفعه عن مستوى البشر.. لأنك غالباً بعدها بشوية هاتقلل من قيمته، وتنزل بيه تحت الأرض..”

لو عاوز تؤذى حد بجد..
لو عاوز تخلَّص عليه وتجيب نهايته..
قدِّسه..
أيوه..
قدِّسه..
شوفه على إنه بنى آدم ماحصلش.. اتعامل معاه على إنه ملاك نازل من السما.. ارفعه فوق مستوى باقى البشر..
ولو عاوزه يقع وقعة مايقومش منها تانى..
وصلَّه إن وجوده مؤثر جداً.. وفارق جداً.. وإنه مالهوش زى.. جداً جداً..
وياسلام لو تعتمد عليه فى بعض (أو كل) أمور حياتك..
تعتنق أفكاره بلا مناقشة..
وتطبق كلامه بلا تفكير..
لأنه طبعاً مش بيغلط..

بس خلاص.. كده تمام..

تمام إزاى يعنى؟
فين الأذى فى كده؟
أقولك..

فيه طريقة للتعامل مع الآخرين اسمها (التقديس- نزع القيمة) Idealization/Devaluation.. يعنى تقدس حد.. وتطلع بيه السما.. وبعدها بشوية.. تبدأ تقلل منه.. وتشكك فيه.. وتنزل بيه سابع أرض..

دى طريقة بدائية وطفولية جداً فى الاستقبال والتفكير والتعامل.. بيستخدمها الأطفال لغاية سن ست شهور (مش ست سنين) فى نظرتهم وتفاعلهم مع العالم والناس قبل ما يكبروا وينضجوا نفسياً.. وبيستخدمها كمان مرضى اضطراب نفسى شهير جداً اسمه (اضطراب الشخصية الحدية)Borderline Personality Disorder .. اللى عنده/عندها الاضطراب ده، تشوفك النهاردة أجمل وأروع وأكرم وأحن راجل فى الدنيا.. وتيجى بكرة تقلب عليك وتديك فوق دماغك لأنك تحولت فى نظرها بقدرة قادر إلى أبشع وأفظع وأصعب وأقسى بنى آدم فى التاريخ..

الطريقة دى وراها عدم القدرة على تحمل رؤية الشخص كله على بعضه.. والاكتفاء برؤية جانب واحد فقط منه.. إما الجانب الجيد.. أو الجانب السيئ.. علشان ده أسهل فى الاستيعاب.. وأقل بذلا للمجهود العقلى.. وأقل تحملاً للمسئولية النفسية (مسئولية رؤية الآخربكامله)..

وزى ما فيه صعوبات نفسية بتصيب الأفراد.. فيه صعوبات نفسية بتصيب المجموعات والمجتمعات والثقافات.. يعنى فيه ثقافات بتهوى تقديس شخص.. ورفعه عنان السماء.. واختيار العمى عن رؤية نواقصه وزلاته.. وحرمانه من حقه البشرى فى الخطأ والضعف والفشل.. وبعد شوية.. وعند أول مطب.. تبدأ تتصيدله الأخطاء.. وتقف له على الواحدة.. وتتكالب عليه بالطعن والهجوم.. لغاية ما تُجهز عليه.. وتسحقه سحقاً.. وكأنه ماعملش حاجة واحدة جيدة فى حياته.

أنا مش من محبى عمرو خالد.. ولا من مريديه.. وعندى تحفظات كتيرة جداً عليه وعلى اللى بيعمله.. وشايف إنه أحياناً بيختزل كتير من الدين فى قليل من المظاهر.. لكنى فى الحقيقة اتخضيت جداً من اللى حصل بخصوصه فى الأيام الأخيرة.. اتخضيت علشان حاجتين: الحاجة الأولى هى -طبعاً- استخدامه الغريب والمهين وغير المقبول للدين، مرة للإعلان عن فراخ!! ومرة للإعلان عن نوع من العطور!! وهو شئ يدعو للتعجب من قدرة ربنا إنه يعمى بصيرة حد لدرجة إنه يصفع نفسه ويردم تاريخه ويخذل محبيه بالشكل ده.. ربنا يحفظنا فعلاً..

الحاجة التانية هى كمية الهجوم والإهانة والتجريح اللى اتعرض ليهم الرجل من كل حدب وصوب.. واللى وصل بكل سرعة إلى حد (الذبح)..
دى بقى مش حاجة تخض.. دى حاجة تجنن..

امبارح نعمل من عمرو خالد شيخ.. والنهاردة نعمل منه مسخ..
امبارح نشوف شيرين عبدالوهاب على إنها خامة مصرية وطنية خالصة.. وتانى يوم ننقض عليها بلا هوادة ..
امبارح يبقى الأطباء والتمريض ملايكة الرحمة.. النهاردة مانشوفش غير أخطاء الأطباء وزلات التمريض..
وربنا يستر على (محمد صلاح)..

ليه مايكونش عندنا النضج النفسي الكافى اللى يخلينا نشوف البنى آدم –من الأول- على إنه بنى آدم.. بشر.. يخطئ ويصيب.. يسمو ويهفو.. يخطو وقد تذل خطوته..

ليه مُصرين نصنع آلهة من العجوة، ثم نأكلها.. بعد الزهق منها..

ليه دايماً نتأرجح بين الافتنان التام بشخص.. أو شئ.. أو حدث.. وبين الإجهاز عليه.. وسلخه.. بعد ذبحه..

ليه مش بندى مساحات للخطأ.. وخطوط للرجعة..

ليه بنصعبها على نفسنا وعلى غيرنا..

معنديش إجابة.. لكننا محتاجين نبذل بعض المجهود.. ونبطل استسهال.. ونتحمل مسئولية رؤية أنفسنا ورؤية غيرنا ككل متكامل.. شيلة على بعضها بعبلها.. دون تجزئة أو اختزال..

محتاجين من السبع آلاف سنة حضارة، ألف سنة نضج نفسي، وخمسمائة سنة أخلاق وسلوكيات يومية.. ومائتين سنة شغل واجتهاد حقيقي..

علشان البديل هو (إعلان زين)..
______________________________
أول مرة ندخل أنا وأستاذى الانجليزى مكتبه فى قسم التحليل النفسي بجامعة إسيكس، عملت اللى أنا كنت متعود عليه لعشرات السنين قبل ما أسافر.. فتحتله الباب وقولتله يتفضل يدخل قبلى.. لكنى لقيته واقف مكانه مش راضى يدخل.. ومش فاهم أنا عاوز إيه ومادخلتش ليه طالما فتحت الباب.. فَهِمّته إن دى من قواعد الذوق والأدب والاحترام (عندنا).. ضحك وقاللى: We tend to idealize our professors, please don’t idealize me (نحن لدينا الاستعداد لتقديس أساتذتنا، من فضلك لا تقدسنى).. وطبعاً لقيته بعدها بيطلب منى أنادى عليه باسمه، ولقيت حتى السكرتارية بينادوا عليه بإسمه، واكتشفت إن ده العادى.. وده الطبيعى.. وان الاحترام الحقيقي مش فى اللقب.. والحب الحقيقي مش معناه تقديس من تحب..

وتأكيداً لده وممارسةً ليه، كان فى كل جلسة علمية إشرافية للدكتوراة بتاعتى يؤكد عليا مراراً وتكراراً إن كل اللى بيقوله أو يقترحه أو يُعدله هو رؤيته الشخصية، اللى مش لازم أقبلها أو أوافق عليها (طالما عندى الحجة العلمية المقنعة).. وإنى من حقى أعترض عليه، وأقوله (لأ).. وكمان أشتكيه للجنة المشرفة عليه هو شخصياً (واللى كلهم أصغر منه سناً ومقاماً) لو استدعى الأمر..

الله يمسى بالخير أستاذى المصرى د. رفعت محفوظ، اللى كان بيقولنا وهو بيعلمنا: “عاوز أول حد تقولوله لأ يكون أنا.. اتدربوا فيا.. اختلفوا معايا.. الأستاذ الحقيقي هو اللى يخلى تلامذته مختلفين عنه.. مش نسخ ممسوخة منه”.. واحنا طبعاً ماكنا بنصدق 
__________________________

مشكلة تقديس الآخر.. أى آخر.. مشكلتين.. الأولى هى إنك هاتسمحله يستغلك.. ويغسل دماغك.. ويتلاعب بيك.. ولا سيما لو كان فى الأمر بُعد ديني.. انت كده سلمته مفاتيح ضميرك وقيمك وأخلاقك وتصرفاتك يفعل بها ما يشاء..

والمشكلة التانية هى إنك كده بتمهد لنفسك الطريق إلى الشعور العارم (بالخذلان) عند أول غلطة أو زلة منه.. طبعاً.. ماهو إزاى يغلط؟ يعنى إيه يهفو؟ ده الصنم اللى أنا صنعته بإيديا..

خذلان كبير عميق.. يؤدى تكراره إلى كثير من الإحباط.. ثم مزيد من يأس..

إعلان (زين للاتصالات) بقى هو تطبيق عملى حى لتضخيم قدر الآخر.. وتسليمه مفاتيح العقل والضمير والأخلاق والتصرفات.. ثم استجدائه والوقوف بين يديه..

السيد/الطفل (زين) وشركاه شايفين إن أمريكا وروسيا وكوريا وغيرها هما حماة حمى العالم، ومالكى ناصيته، وخير من يؤتمن على مصيره..
مش متعجب إطلاقاً من اختيار (طفل) علشان يلعب الدور ده.. علشان يبدو إن احنا –كعرب- شايفين نفسنا كده.. ومصدقين إننا كده.. طفل صغير مافيش بإيده أى حيلة غير ذل السؤال، أمام كائنات أجنبية ضخمة قاسية متجهمة.. طفل ضعيف يقف على أبواب الأقوياء يطلب منهم الصلح والصفح.. طفل مسكين بيلعب دور (الضحية) ومستنى إن (الجانى) نفسه يلعب معاه دور (المنقذ)..
إيه ده!!

تقديس.. ثم تأليه.. يليهم خذلان..
دائرة مفرغة يدور داخلها السيد (زين)..
حتى تنتهى به بائساً فى إحدى (ليالى أوجينى) المظلمة..
____________________________
أكتر حاجة بترعبنى فى الندوات والمحاضرات وحفلات التوقيع هى احساسى فى بعض الأحيان إن فيه ناس مقدرانى فوق قدري بكتير جداً.. وشايفانى أكبر من حجمى بمراحل.. وده فعلاً بيخوفنى وبيأزمنى..
أنا باستغرب لما حد يطلب يتصور معايا.. بقول فى نفسي: هو عاوز يتصور معايا ليه؟ أنا مين يعنى؟ وباستعجب واستحى جداً (مع كل امتنانى وشكرى الجزيل) لما حد يطلب توقيعى على كتاب أو على أوتوجراف (وأحياناً على ورقة بيضا فاضية، أو على إيده هو شخصياً) وألاقيه مبسوط وسعيد ومنتشى وكأنه كسب جايزة.. ساعتها بتتردد جوايا أسئلة من نوعية: هو شايفنى إيه؟ وليه؟ طيب الناس دى لما تشوفنى كلى على بعضى هاتعمل إيه؟ دانا مليان نواقص وزلات وعيوب.. يارب ماحد فيهم يظلمنى بالتقديس.. يارب ماحد يحرمنى من آدميتى وضعفى الإنسانى بالعمى عنه..
يارب سترك يارب..
____________________________
ماشوفتش فى حياتى الإكلينيكية أعجب ولا أغرب من (العلاقات الإدمانية).. واللى أحد صورها الشهيرة واحدة بتحب واحد مؤذى ليها نفسياً وعاطفياً وأحياناً جسدياً.. لكنها فى نفس الوقت أدمنته للدرجة اللى مخلياها مش قادرة (أو مش عايزة) تسيبه ولا تستغنى عنه.. علاقة معقدة جداً ليها تفسيرات نفسية كتير.. لكنها بتوصف بالظبط كل الكلام السابق: تحب حد.. تسلمه مفاتيحك.. ثم يخذلك..

وعلشان كل حاجة متصلة ببعضها.. وعلشان الفن دايماً أسبق وأصدق من العلم.. تيجى أغنية تتر مسلسل (ليالى أوجينى) وتجمع بكل عبقرية فى كلمات سهلة معبرة حكايات (عمرو) و (زين) وغيرهم.. حكايات الحب.. والتسليم.. والخذلان..

حبي ليك عين الغلط .. متأكدة..
عقلي بيسأل قلبي ليه بعمل كده..
انت الوجع اللي انا مستحلياه..
انت اللي مش ممكن اعيش لو مش معاه..
انا مدمناك .. مع اني عارفة..
انك طريق اخره سراب..
لا انا قادرة من حبك اخف..
ولا قد اعراض الإنسحاب..
مع اني عارفة انك طريق اخره سراب..
انا مدمناك..

يا من قدستم (عمرو).. أرجوكم استوعبوا الدرس..
يا سيد (زين).. من فضلك اكبر وانضج واعمل وتحمل المسئولية..
يا (أوجينى).. شكراً..

https://www.facebook.com/mohamedtaha.net/posts/2597479917144330