التصنيفات
مقالات الضيوف

تطور اللاعب العالمي

الفارق الأكبر، والأكتر منطقية

عمري ما كنت من دراويش صلاح ولا حتى محبيه، يمكن في الأول بحكم المشاعر اللي هو قومها في ناس كتير، لكن بعد كده ابتديت أتضايق من تصرفاته وردود أفعاله على وقائع كل الناس عارفاها وقُتلت بحثًا، وبعدها بدأت أشفق عليه، لأننا مش عايزين لعيب كورة عالمي، إحنا عايزين إله يحل كل مشاكلنا ويتجسد فيه الخلاص، ودي ضغوطات وتوقعات لو صلاح أدركها، مجرد أدركها بس بغض النظر عن قدرته عن الوفاء بيها، حيبقى في حاجة غلط.

النهارده وأنا بأشوف الهدف عرفت ليه الناس أحيانًا بتحط لعيبة الكورة، أو الأشخاص المتميزين المتفردين عمومًا في المكانة دي، أحيانًا مكانة أشبه بالآلهة، ومن هنا بتبتدي متوالية سخيفة، الناس ومشجعين الكورة عمومًا يطالبوا فيها اللعيب إنه يعمل حاجات مشابهة كل ما الفريق يبقى محتاجها، وده طبعًا مستحيل، والأهم، إنه حتى لو حصل بشكل متكرر فحيفقد قيمته، والناس مش حتقدره حق قدره، وحيبقى اللاعب نفسه هو الخسران طول الوقت؛ لو عمله فده العادي، لو ما عملوش فدي مشكلة.

لكن الجميل في اللقطة هو إنك للحظة تحس إنه النهاية كانت حتمية، ما قدرتش ألاقي أي لفظ تاني يوصف الطريقة اللي خلص بيها الهدف غير الحتمية، السلاسة والسهولة اللي تخلص بيهم صلاح من موقف شديد الصعوبة وسط تلات مدافعين، وبعدين الهدوء اللي راوغ بيه المدافع الأخير، وأخيرًا ركن الكورة في البعيدة بالشكل ده، تحسسك إنه مفيش مفر، مفيش مهرب، اللي حصل ده كان حيحصل كده كده بمجرد وصول الكورة لصلاح، وأيًا كان عدد المدافعين وأيًا كان الموقف، وده إحساس جميل ومغري جدًا، لأنه بيطمنك إن ده حيحصل كل شوية، وكل ما تكون محتاجه يحصل، لكن في الحقيقة هو صعب جدًا، واللي حسسنا بده بس هو السهولة اللي تم بيها الموضوع كله.

كل ده ممكن إرجاعه للعامل النفسي، لعيبة كتير جدًا فوق ما نتصور عندهم المهارة والفنيات إنهم يعملوا ده في التدريب، لكن اللي بيفرق لاعب جيد أو ممتاز عن لاعب عظيم هو إنه بيقدر يعزل نفسه عن المؤثرات، وبيقدر يتحكم في انفعالاته عشان يكون هادي طول الوقت، وبالتالي، قادر يفكر وياخد قرارات زي دي في مواقف زي دي.

بأحس إن الجزء ده مهمل جدًا في الكورة، إنه الفرق بين فينيشيوس مثلًا أو فيرنر قدام الجول، وبين واحد زي ميسي أو صلاح مثلًا، الجزء الأكبر منه مش فني، أي لاعب وصل للمستوى ده -نظريًا- يقدر يحط انفراد أو فرصة معقولة للتسجيل بسهولة، يعني بأعتقد إن مفيش حاجة في الكورة اسمها صلاح بيحط عشان إنهاءه جيد وفيرنر بيضيع عشان إنهاءه سييء، ممكن يكون في فروقات فنية طبعًا، وأكيد في فروقات فنية، لكنها ما تخليش صلاح يحط الكورة من زاوية صعبة بالسهولة دي في الوقت اللي فيرنر بيضيع فيه كرات قدام المرمى مفتوح.

هل فيرنر فعليًا ما يقدرش يغمز الكورة من فوق الحارس؟ هل ما يقدرش يلفها في البعيدة زي صلاح؟ هل هو ما يقدرش بمعنى إنه ماعندوش الإمكانيات الفنية إنه يعمل كده؟ مستحيل طبعًا، مش بس عشان هو عمل كل ده قبل كده، لكن لأنه صعب لاعب في المستوى ده كمان يكون تحكمه في الكورة بالسوء ده، فالفرق في المستوى ده، والموقف ده، مش فني بمعنى إن في لعيبة بتعرف تسجل ولعيبة لأ.

الفارق الأكبر، والأكتر منطقية، هو فارق نفسي، في ثقة اللاعب وهو داخل، في إنه ما يتوترش وبعد ما يلاقي نفسه عدى من تلاتة وكلفتهم زي صلاح، يقوم يقول لنفسه كده كفاية وحأشوطها بقى وزي ما تيجي تيجي ما أنا أوريدي عملت حاجة حلوة وحتى لو ما جتش حتتحسبلي لقطة، البرود والهدوء والثقة دول هم اللي بيفرقوا في مواقف زي دي، وكتير إحنا بنتجاهل قيمتهم، أو ما بنقدرهمش حق قدرهم، رغم إنهم مكون رئيسي ومهم في العملية، والأهم؛ إنهم مكون إحنا بنحتك بيه يوميًا في حياتنا، وبنحس قد إيه الفرق في الكفاءة اللي بنعمل بيها أي حاجة لما نكون واثقين في نفسنا وهاديين وعملناها كتير قبل كده.

أنا بأعتقد كمان إنه ده اللي كان بيفرق واحد زي رونالدو دي ليما عن باقي المهاجمين في زمنه، إنه كان شديد البرود والهدوء قدام المرمى، الحالة دي هي الشيء الوحيد اللي بيفسر إزاي رجله كانت مظبوطة بالشكل ده (وهي ظاهرة متكررة في المهاجمين اللاتينيين عمومًا بدرجات مختلفة فيما يبدو مقارنة بالأوروبيين مثلًا)، الشيء الوحيد اللي بيفسر ده إنه كان حاسس نفسه أفضل وفرصه أحسن وواعي بده وهو داخل في أي موقف واحد على واحد أو موقف مع الحارس أو وهو بيقابل أي عرضية.

الموقف ده هو واحد من أصعب المواقف في اللعبة إن ماكانش أصعبها، اللحظة اللي الكورة جايالك فيها وإنت عارف إنك في إيدك تولع الاستاد كله أو تخليه يشتمك، دي اللحظة اللي بتتجلي فيها كل تناقضات جمهور الكورة ومساوىء الإعلام الرياضي والمشاكل المزمنة في اللعبة نفسها، ومتهيألي أصعب حاجة إنك تكون هادي وبارد في موقف زي ده، بعض اللعيبة قدرت تكتسب ده من وهي صغيرة لأن الفارق بينهم وبين أقرانهم كان ضخم وواضح من اللحظة الأولى، زي ميسي مثلًا أو مارادونا، لكن المبهر عند صلاح إنه ده شيء إكتسبه تدريجيًا مع تضخم وضعيته كنجم عالمي وزيادة ثقته في نفسه، إنت ممكن تشوف لقطات لميسي وهو صغير تلاقيه بيعمل فيها نفس الحاجات اللي بيعملها دلوقتي، لكن صلاح ماكانتش كل مسيرته في أوروبا كده، بل بالعكس صلاح قطع شوط كبير جدًا على المستوى النفسي والذهني عشان يبقى قادر يعمل في لعيبة البريميرليج نفس اللي كان بيعمله لما بيلعب أي ماتش ودي قدام شوية هواة.

متهيألي ده أهم شيء بيقدمه حد زي محمد صلاح، إنه زي مدربه، مُلهم، ماكانش طول عمره كده، لكنه أثبت إنك ممكن توصل للحالة دي بالتحسن والتطور، حتى لو كانت الحالة دي مش حتستمر طول الوقت، أو حتكون فترة مؤقتة تقعد موسم أو نص موسم، فهي ممكن الوصول ليها، وأعتقد كمان دي كانت المشكلة الأكبر عند ميسي طول مسيرته، والسبب في تكون وتطور شخصيته وعلاقته بالجمهور بالشكل ده، إنه ماكانش مُلهم قد ما كان مدهش ومبهر، لأن كل اللي بيتفرجوا عليه عارفين إنه في حاجات كتير بيعملها لا يمكن إكتسابها بالتدريب أو قوة الإرادة أو العزيمة، ده اللي بيميزه عن غيره صحيح، لكن ده اللي بيعزله عن غيره في نفس الوقت، لكن صلاح بيدينا نظرة مختلفة وزاوية مختلفة لنفس المستوى دلوقتي، إنه قادر يكون بنفس التأثير، ونفس القوة، ونفس الحسم، ونفس الإمتاع والمهارة والإبهار، لكن في نفس الوقت هو قادر يحسسنا إنه ده شيء ممكن الوصول إليه.

صلاح غلط كتير وده طبيعي، وأنا نفسي ماعتقدش إني حأكون من أكبر معجبيه أبدًا، لكن الحقيقة قيمته تاريخيًا غير مسبوقة، دفعة الثقة اللي إداها وحيديها لمئات الآلاف من الشباب صعب تتكرر تاني.

من اللي بأشوفه وبأقراه من الناس اللي بأحتك بيهم، فممكن صلاح ما يكونش المثل الأعلى الأفضل على مستوى الصفات الشخصية لناس كتير، ويفضلوا عليه أبو تريكة مثلًا، لكن الحقيقة مفيش حد يقدر ينكر إننا كنا محتاجين حد شاطر، وسفاح في صنعته، ومتقن لشغله، وطموحه غير محدود، وبيقدم جودة ممتازة باستمرارية عالية، ده كمان نموذج مهم جنب النماذج التانية، لأن دي كلها صفات بنفتقدها بشدة برضه، ولو صلاح أقنع ألف شاب مصري بس إنه ممكن يكون شاطر في صنعته بالإتقان والجودة والإجتهاد، ومن غير طلسأة وكروتة وفهلوة، فده إنجاز عظيم.

المصدر