التصنيفات
مقالات الضيوف

البصيرة، فما العقل إلا خادم الأهواء

كنت في فترة من حياتي مؤمن بالعقل إيمان غير محمود، كنت متخيل إن العقل طاقة جبارة عند الإنسان، يوصله لأي شيء، وإن الإنسان بس محتاج يمشي ورا عقله فهيوصل لا محالة.

بعدين مع الوقت لقيت انحيازات الناس النفسية مؤثرة في اختياراتهم بشكل كبير جدا، وهي انحيازات مش العقل مصدرها ولا سببها. شفت اللي دخل في دين علشان حلم شافه وهو نايم، واللي كفر بيه علشان يكيد أبوه اللي خنقه في حياته، واللي دخل فيه علشان كان منشرح الصدر وهو قاعد في جامع في دمشق، واللي خرج منه وبعدين رجع له علشان بنت حبها. شفت الناس بتختار الأول وبعدين تمنطق اختياراتها. قليلين اللي عقلهم بيملي عليهم مواقفهم، زي ما الأديب الروسي العظيم -ربنا يوفق منتخبنا في روسيا- فيودور دستيوفسكي بيقول: (ما العقل إلا خادم الأهواء).

والحقيقة إن الموضوع كبير وطويل، لكن الانحيازات النفسية دي نتيجة اختيارات كتيرة عملها الإنسان، والاختيارات سببها تجارب ومشاعر عنده، وتصورات وراها تصورات في وعيه، ولو حاولت تتبع الخيط مش هتعرف تمسك أوله. صفحة بيتنقش عليها في قلب الإنسان، علشان كده كل الناس بقت بتصعب عليا. لأنه غلبان ومفعول بيه في أحيان كتير.

لكن فيه حاجة اسمها بصيرة، بتبقى عند الناس الساذجة والطيبة، وبنشوفها واضحة في أمهاتنا، زي البوصلة اللي بتوجههم لاختيار الحق والخير والجمال. اطمئنان نفسي وارتياح لاختيارات معينة لا يمكن وصفه بالألفاظ ولا وضعه في قوالب المنطق. كلها بتبدأ من الصدق مع النفس وإرادة الخير، لحد ما التوفيق للخير يبقى عادة. يبقى الإنسان ماشي بنور الله فعلا، أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ، وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ.

رمضان فرصة كلنا نبدأ بنية صادقة لاختيار كلّي في الحياة، إن الإنسان يريد الخير ويسعى إليه، ويصدق مع نفسه في الإقبال والإدبار، ويخلي شهوته وغضبه تحت سلطان العقل، ويخلي العقل ناصح أمين للقلب، والقلب محل لإرادة الخير.

طولت وقلت كلام مبعتر. ربنا يصفي قلوبنا وقلوبكم في هذا الشهر الكريم، ويكتب لنا نصيبا من الباقيات الصالحات. كل سنة وأنتم طيبين.

https://www.facebook.com/ahmad.fatehelbab/posts/10156391420554629