التصنيفات
مقالات الضيوف

البروفيسور النرويجي و “رؤية” كرة القدم

عندما تبحث عن كرة القدم في النرويج فان اول ما ياتي في بحثك على الانترنت بالتاكيد لاعب او مدرب او اسم فريق في البلد الاسكندافي ، لكنني اليوم ارغب باخذك بعيدا عن نتائج الصفحة الاولى من البحث عن غوغل ، دعنا نذهب الى الصفحة رقم 300 مثلا لتجد اسم بروفيسور جامعي اسمه Geir Jordet يعمل حاليا في the Norwegian School of Sports Sciences.

قبل أن تبدأ بالشعور بالملل عندما تدرك أن البروفيسور لم ينل شهاداته في كرة القدم او كان له صلة قرابة مثلا باللاعب السابق والمدرب الحالي سولشاير فانه ببساطة نال شهاداته العملية في دور الرؤية في الترقب والتوقع في الاداء العالي :
the role of vision, perception and anticipation in elite performance.

يمتلك البروفيسور ابحاثا عديدة نتحدث هنا عن واحد منها نال اهتماما اعلاميا مؤخرا عندما ذكره المدرب الفرنسي ارسين فينغر في خلال ندوة له في باريس وهي دور المدرب في تعليم لاعبيه “قراءة” الحدث وليس التصرف بناءا على لحطة وصول الكرة الى اقدامهم وتاكيده بان مواهب عديدة تم اهدارها في كرة القدم لان اللاعبين تم تدريبهم على التصرف بشكل الي في مهارات اللعبة ولم يتم تعليمهم كيفية التفكير المسبق .

250 لاعبا ولماذا جيرارد وتشافي ولمبارد الابرز

في هذه الدراسة قام بمتابعة تسجيلات فيديو لنحو 250 لاعبا وتحيل ما يقوموا به قبل استلام الكرة : لاعب ليفربول السابق ستيفن جيرارد كان يقوم بمعدل 0.61 بحث بالنظر في كل ثانية فبالملعب قبل وصول الكرة له ويرتفع الرقم لدى زميله المعتزل في وقت قريب فرانك لمبارد الى 0.62 بحث بالنظر في الثانية الواحدة لكن الرقم الاعلى الذي ذي وجده كان – وياللمفاجاة!- لدى الاسباني تشافي الذي كان ينظر بمعدل 0.83 مرة في الثانية الواحدة قبل وصول الكرة اليه.

في مقابلة في 2011 مع صحيفة الجارديان شرح تشافي ما يحدث معه في الملعب ” انا دوما انظر ، طوال الوقت ..من لم يلعب كرة القدم لا يمكنهم بسهولة ادراك مدى صعوبة ما اقوم به ..البحث عن المساحة ، المساحة والمساحة ..انني كمن يلعب في البلاي ستيشن واسعى لتفادي المدافع ولعب الكرة في مكان بعيد عنه “.

الاداء البصري ونسبة التمرير الناجح

البروفيسور النرويجي في دراسته قام بتقسم 118 لاعبا – لاعبي الوسط والمهاجمين- الى ثلاث مستويات من الاداء البصري : ضعيف ومتوسط ومتميز، اللاعبون اصحاب الاداء البصري المتميز كان لهم بالمعدل 81 % نسبة نجاح في التمرير مقابل 64% لمتوسطي الاداء البصري و41 نجاح بالتمرير للاعب صاحب الاداء البصري الضعيف .

أحد أمثلة الفيديو التي استعملها البروفيسور هي التالي :
https://www.youtube.com/watch?time_continue=16&v=x3Vg8j76kbQ

فراتك لمبارد في صفوف تشيلسي ضد بلاكبيرن في اكتوبر 2009 وينظر الى الميدان 10 مرات في 7 ثوان قبل وصول الكرة اليه ثم لدى استلامها يراوغ اول مدافع يقف بوجهه – وكانه كان يتوقع قدومه وحركته- ثم يمرر الى زميل له ، وهو ما يبدو للمنافس بمثابة ان لمبارد لديه حاسة سادسة .

اللاعب المتميز والمحلل الفاشل
مسألة الحاسة السادسة هي التفسير الاقرب للخيال البشري وحتى لدى اللاعب نفسه ، يذكر البروفيسور النرويجي انه التقى بلمبارد وساله عن نفسير لقدرته على رؤوية ما يحدث في الميدان وبدى اللاعب الانكليزي غير واثق من سبب ذلك ومعتبرا ربما بانها “شيء يملكه منذ الولادة” وهو ما يفسر ربما سبب ان اللاعبين الموهوبين متالقون في الميدان لكنهم سيؤون في استوديو التحيلل لانهم ببساطة غير قادرين على تفسير ما يعتبروه موهبة طبيعية يؤدوها بشكل غريزي.

البروفيسور لم يتوقف عن الاجابة المبهمة من لمبارد وذهب الى حيث بدا مسيرته في اكاديمية وست هام يونايتد ليسال مديرها توني كار عن رايه بموهبة لمبارد فاخبره بانه في اول مباراة لعبها في صفوف وست هام كان والده – واسمه فرانك ايضا- يصرخ من المدرجات طوال الوقت طالبا منه في كل مرة ان “يتصور” الملعب مرارا .

صرخات الأب
ذهب البروفيسور لزيارة والد لمبارد – وهو لاعب سابق ايضا في وست هام ومنتخب انكلترا الذي اكد بانه كان من خبرته السابقة يرغب بان يمتلك ابنه رؤية واضحة لما يحدث حوله قبل اتخاذ قرار لعب الكرة لزميل له وهو امر مهم برايه لان اللاعب مع تقدمه في مستويات كرة القدم سيلك وقتا اقل لاتخاذ قراره بما سيفعله بالكرة لدى وصولها له وهو ما يجعله مطالبا بجمع اكبر قدر من المعلومات من محيطه لاتخاذ قرار سريع بعد ذلك حول حركة المنافسين وزملائه .
هل كان سلوك فرانك لمبارد -الاب- امرا غير معتاد ؟ ربما ، لكن المدرب السابق لناشئي مانشستر يونايتد لاقل من 18 عاما يتذكر ان المدرب ايريك هاريسون كان يقوم بنفس الشيء لدى تدريبهم مواهب مثل بول سكولز وديفيد بيكهام في بداية مشوارهم كصغار للسن في الفئات العمرية بالنادي .

الرؤية في القرن الحادي والعشرين
ما حدث بشكل انساني وفردي سابقا بات الان مسالة تقنية دخلت فيها التكنولوجيا حيث قام شركة بتطوير اداة للمحاكاة virtual reality تحتوي على نوعين من التدريبات لزيادة القدرة على “الرؤية” وادراك المحيط الكروي من اجل القدرة على تحفيز سرعة القرار لدى اللاعب .

“الامر ليس متعلقا فقط بتحريك الراس” كما يؤكد مدير الشركة التقنية التي جورت المنتج تحت اسم Mi Hiepa ” بل ان يتمكن اللاعب من الاشياء المهمة من حوله ويتخذ القررا بناءا على تلك المعطيات ”
المنتج التكنولوجي يقيس ما يتم رؤيته بناءا على مراقبة الراس والعين ويمكن لنا اضافة سيناريوهات مفترضة للاحداث واضافة معقوات ووضع ضغوطات على اللاعب من اجل تحسين رد فعله بل اننا نقيس معطيات حيوية لديه”.

ما بدأ كمجرد صرخات من المدرجات من والد فرانك لمبارد وتعليمات من مدرب ناشئي مانشستر يونايتد وشيء من جينات يحس بها تشافي هي بالنهاية شيء يمكن حصده وتنميته وتحويله الى روتين في التفكير لدى اللاعب من اجل ان يصل لمرحلة في مسيرته الاحترافية وهو يتخذ القرار بشكل افضل من مجرد تدريبات لزيادة لياقته البدنية او سرعته في قطع مسافة من نقطة الى اخرى في الملعب بل لزيادة لياقته الذهنية وقدرته على التفكير في كيفية رسم سيناريو الحدث قبل وقوعه .

https://www.facebook.com/WaheedrizkMasriJournalist/photos/a.204829123395207/396057180939066/?type=3&__tn__=H-R

https://trainingground.guru/articles/arsene-wenger-top-players-have-radars-in-their-heads