التصنيفات
مقالات الضيوف

الإنشغال اللي له دايمًا أولوية على الفهم

إزالة السياق هي أسهل حاجة في الدنيا، وأكتر حاجة مثيرة كمان ومحفزة للأدرينالين

حأقولها ورزقي على الله، جمهور برشلونة قد يكون أسوأ جمهور شفته بيقيم لاعبين، وده بيحصل في مواقف مختلفة، سواء لاعبين فريقه ناوي يجيبهم أو بيفاوضهم، أو لاعبين حاليين في الفريق، أو لاعبين كانوا موجودين ومشيوا، أو أيًا كان الوضع.

أي حد بيحتك بجمهور برشلونة في السنين الأخيرة شايف ده بوضوح، طول الوقت في أفكار وقناعات يقينية عن إن فلان أحسن من اللي عندنا، ولو جه حيعمل وحيسوي، وفلان بييجي، ونادرًا ما بيقدم إضافة، فبننتقل لعلان وترتان وقردان، كده بدون مراجعة ولا توقف للتفكير، لأن الفضايح تقيلة، وردود الأفعال غالبًا عاطفية مش عقلانية، والهيستيريا سايقة، والإيقاع سريع وفي مباراة كل كام يوم.

ده وضع ما بيسمحش للمدرب واللاعبين نفسهم إنهم يراجعوا نفسهم، الإيقاع السريع والمباريات المتلاحقة بتخلي الوضع من سييء لأسوأ لغاية ما يحصل معجزة أو توقف طويل، وده برضه بينطبق على الجمهور، ومش بس في الكورة ده في عموم مناحي الحياة، الإنشغال دايمًا له الأولوية على الفهم، إننا نبقى منهمكين في اللي بنعمله أيًا كان، أفضل لنا من الناحية النفسية مقارنة بإننا نحاول نقف ونفهم، أو نسكت خالص لغاية ما نفهم، لأن الأولى بتسمح لنا باستثمار المزيد من الوقت والمجهود والمشاعر في اللي إحنا استثمرنا فيه بالفعل قبل كده والبناء عليه، والإحساس بإننا صح ومش محتاجين نغير أي حاجة وكله تمام، بينما التانية فيها احتمالية إننا ندرك إن طريقة مقاربتنا للأمور محتاجة مراجعة، وبالتالي ما تم فعله قبل كده مش شرط يكون صحيح، وطبعًا ماحدش عايز ده، حتى لو هو الأصح، والنتيجة هي إن الانشغال دايمًا أهم من الفهم، وإنه ده خيار جماعي، زي ما بيوصفوه علماء الإجتماع كده Busyness Over Understanding.

في الواقع، جمهور برشلونة على السوشيال ميديا هو شريك إعلامي مهم في أغلب الصفقات اللي جت، واللي نسبة كبيرة منها كانت جاية بناءًا على بروباجندا حصلت ومازالت بتحصل على كل منافذ النادي الإعلامية الرسمية، وستوديوهات التحليل وغيرها، ورغم كده، الأشخاص دول نادرًا ما بيعتذروا، إطلاقًا في الحقيقة، ونادرًا ما بيغيروا نظرتهم للأمور، ونادرًا ما بيراجعوا نفسهم، حتى لو بينهم وبين نفسهم، بل وبيستمروا في الترويج لأن الحل في فلان أو علان أو ترتان بمنتهى اليقين وكأن السنين اللي فاتت ما علمتش أي حد أي حاجة.

أحد أهم النشاطات اللي بيمارسها جمهور برشلونة بقى له سنين، وبيمارسها بكثافة، هي إنه يعزل شخص/لقطة/خبر عن كل السياق اللي حواليه، وبعدين يبتدي يبني سياق بديل من عنده، وأهمية السياق والأثر الجماعي للفريق على كل لاعب من الفريق ده ممكن تشوفها بسهولة في ظواهر كتير، خد عندك مثلًا لاعب زي سيزار أزبيليكويتا في تشيلسي، من شهور بس وقبل وصول توخيل مستحيل كنت ما تبقاش عارف مشجع لتشيلسي ما بيشتموش وشايفه عالة وعاهة وكل المصطلحات اللي إبتكرها المشجعين دي، لكن حاليًا بيتكتب فيه شعر، مش عشان جمهور الكورة منافق ومعرَض (جمهور الكورة عمومًا منافق ومعرَض بس مش ده السبب هنا) لكن لأنه بيتجاهل السياق، والسياق هنا إن سيزار عمره ما كان لاعب عبقري، هو لاعب مجتهد ومتفاني ومحترف 100%، ولو الفريق بشكل عام بيأدي بشكل كويس، ولو المدرب عارف بيعمل إيه وبيحطه هو وزمايله في مواقف وسيناريوهات تسمحلهم يبانوا أكبر من قدراتهم، فحيكون من ضمن الناس دي وحيديك أكتر من اللي عنده، إنما لو في فوضى ومدرب مش عارف بيعمل إيه، فحيكون زيه زي أي لاعب عادي وأقل، والحقيقة هو ده تعريف 99% من لاعبي كرة القدم، بعيدًا عن الظواهر والاستثناءات واللي مش منطقي إن أي حد يتوقع يبقى في فرقته أكتر من 2-3 منهم على أقصى تقدير، ولو زادوا عن كده فأصلا الفريق ده حيكون محكوم عليه بالفشل.

إزالة السياق هي أسهل حاجة في الدنيا، وأكتر حاجة مثيرة كمان ومحفزة للأدرينالين، عشان كده كل مشجعين الكورة بيعملوها عن عمد، لأنه بالسياق، الحياة حتبقى مملة جدًا، ومش حنقدر ننسف لعيبة ومدربين بنفس المعدلات، ومش حنقدر نقول على ده فقاعة وده عالة وده عاهة بنفس الكثافة.

لو رجعت لحالة برشلونة، فممكن تضيف على كل اللي فات ده أهم عنصر في المعادلة كلها؛ الزهق.

بارتوميو مشي خلاص، واللي بيسميهم جمهور برشلونة “البقر المقدس” لسه بيلعبوا رغمًا عن رغبة الأغلبية من جمهور برشلونة اللي بأحتك بيهم، بالتالي كل فترة لازم يكون في عدو جديد، عاهة جديدة، نفرغ فيها طاقاتنا الكوميدية والإبداعية، ببساطة لأن الوقت اللي بنملكه، واللي بننفقه في السخرية من هزايم الفريق وفضايحه على السوشيال ميديا، غير متناسب أبدًا مع عدد اللعيبة وعدد المباريات.

وقتنا أكبر بكتير، وغضبنا أكبر بكتير، ولو حسبتها، حتكتشف إن لو فريقك عنده مدرب سييء، أو صفقة فاشلة، فإنت ع الأقل حتلبس المدرب أو اللاعب ده لمدة سنة كاملة، بينما إنت حتكون حرقته في أول تلات شهور وخلصت الموضوع خلاص ووصلت لقناعة نهائية عنه، باقي التسع شهور إنت حتدور على أهداف جديدة لأنك زهقان، لعيبة تانية تحملها المسئولية.

المشكلة هنا إن اللي بقى بديهي بالنسبة لك (كومان مدرب سييء مثلًا) ما هواش بديهي بالنسبة لهم، هم مازالوا مضطرين يتعاملوا معاه ويسمعوا تعليماته كل يوم ويدخلوا كل مباراة بناءًا على أفكاره، ومازالوا بيتأثروا بيه في الوقت اللي إنت اعتبرته فيه كم مهمل خلاص، ومش داخل في المعادلة.

كل ده، بينسف الحواجز والدرجات في تقييم أي موقف أو لاعب، بيبقى سهل جدًا لاعب بيمر بفترة سيئة يتحول لصفقة سيئة، وصفقة سيئة تتحول لعاهة، وكل دول يبقى بيتحاسبوا بمعزل عن السياق العام للنادي والفريق والقرارات اللي اتاخدت بشأنه، واللي هم في نفس الوقت بيخلوا المناقشات دي عديمة الجدوى وأصحابها بيكسلوا عنها، لأنه مفيش حماس لمحاولة فهم موقف لاعب معين بما إن الدنيا كلها رايحة في ستين داهية.

الظاهرة دي بقى بتتجلي في كل المواقف، من أصغرها وأتفهها لغاية أكبرها، أصغر مثال هنا كان لقطة فرشة بيكيه قدام ليفاندوفسكي في مباراة البايرن، صحيح بيكيه بقى عالة على الفريق فعلًا، وصحيح كان المفروض يقعد من 3-4 سنين واللي قدمه فيهم كويس أقل من الوحش، لكن صحيح كمان إنه لولاه في أول نص ساعة في المباراة كان برشلونة لبس 3 أهداف على الأقل، وإنه أدى أكتر بكتير من المتوقع في سياق زي ده وكان أحد أهم الأسباب في تأخير الهدف الأول رغم حالة الفريق المزرية.

لكن لتحقيق الكوميديا، أحدهم أخد لقطة فرشته قدام ليفاندوفسكي وقرر يلخص بيها اللي حصل، والحقيقة إنه ده مش بس اختزال وتسطيح، ده ببساطة جهل كمان، والأعجب كان انتشار اللقطة بالشكل ده بين جمهور برشلونة وجمهور الكورة عمومًا في تجاهل متعمد لسياقها، لدرجة تخليك تشك إنه اللي مشير الصورة ما شافش اللقطة.

موسيالا بيسدد كورة في القائم وشتيجن بيترمي عليها وبعدين بتترد في نقطة البنلتي لليفاندوفسكي وشتيجن مرمي ع الأرض والمرمى كله مفتوح قدامه، المفروض طبعًا ساعتها بيكيه، أو أي مدافع في الموقف ده، يشد كرسي ويتفاهم معاه الأول بالمنطق، إنما يفرش نفسه على الأرض عشان يقفل عليه أكبر زاوية ممكنة من التسديد بدون تفكير؟ يع..والنتيجة إننا بناخد لقطة منطقية جدًا، لدرجة إنه لو ماكانش عملها كانت حتبقى هي دي الحاجة الغريبة، ونستغلها عشان ننتقده على أداءه في مباريات تانية سابقة ومواسم تانية سابقة وتالية وكل حاجة.

طبعًا إنت دلوقتي بتقول طب ما يولع بيكيه، وأنا معاك، يولع بيكيه فعلًا رغم إنه الوحيد اللي قال إنه مستعد يقعد أو يمشي بعد فضيحة التمانية، بس مش مشكلة، المشكلة إن القصة عمرها ما بتقف عند بيكيه، لكن النمط بيتعمم، لغاية ما نلاقي نفسنا قدام قطاع كبير من الجمهور شايف إن واحد زي تير شتيجن (اللي برضه لولاه كنت شلت عدد أكبر من الأهداف في كل المباريات اللي لعبتها السنة دي تقريبًا) بقى هو كمان عالة.

بعد مباراة بنفيكا مثلًا، شفت ناس بتتكلم عن هدف داروين الأول في الزاوية الضيقة لشتيجن، وحقيقة إنه بيدخل فيه أهداف كتير سهلة من وجهة نظرهم، والحقيقة اللقطة دي كانت معبرة جدًا عن ظاهرة أولوية الانشغال على الفهم، والاحتياج الدائم لفلترة أي معلومات ومواقف جديدة وتقييفها وتكييفها عشان توافق قناعاتنا المسبقة، مش النظر ليها بموضوعية ومحاولة فهمها.

مش بس عشان مراوغة داروين كانت مضحكة، والعجلة اللي حاول يعملها كانت بائسة ومثيرة للشفقة لأن حركة رجليه كانت بطيئة، ومش بس عشان إيريك جارسيا اتخدع فيها، لكن كمان عشان في افتراض إن في حاجة اسمها “الزاوية الضيقة” للحارس في المطلق كده، في أي موقف وأي وضعية نقدر نستخرج الزاوية الضيقة ونشوفه مغطيها ولا لأ، وده كلام أنا متأكد إن اللي بيقولوه عارفين إنه خاطىء.

أي زاوية ضيقة بالظبط بنتكلم عليها؟ هل تغطية الزاوية الضيقة حتكون بنفس الدرجة لو كان داروين أشول وقرر يسدد من بره ورجله القوية (اليسرى) ناحية الخط زي أجويرو وسانيه ما بيعملوا أحيانًا؟ ولا حقيقة إنه ده جناح بيلعب لجوه وهدفه من القصة كلها إنه ياخد جارسيا لجوه الملعب بتأثر على قرار الحارس وتحركه قبل التسديدة؟ في الحقيقة ترك الضيقة في الموقف ده هو الشيء المنطقي الوحيد لأن دي وظيفة المدافع اللي مع داروين اللي هو جارسيا، واللي منطقيًا لازم يمد رجله عشان يحميها، في حين إن شتيجن لازم يبقى مشغول أكتر بالبعيدة المفتوحة اللي 99% من الأجنحة في الموقف ده بيروحولها لأن هم كمان مدركين إن المدافع لازم حيكون قافل الضيقة.

اللي عمله شتيجن كان منطقي تمامًا، بل إن الريفليكس بتاعه وإنه لحق ينزل للأرض بإيده في مساحة ضيقة وبسرعة زي كده والكورة يادوب تعدي من جنب إيده هو شيء أصلًا ماكانش متوقع، لكن لأننا زهقانين، ومش حنقعد كل شوية نشتم في بارتوميو وكومان والبقر المقدس، فلازم يكون في ضحية جديدة.

شتيجن هو أفضل لاعبي برشلونة الموسم ده بلا منازع وبمسافة واضحة عن أقرب واحد، هو اللاعب الوحيد اللي قدم مستويات صف أول في كل المباريات اللي لعبها من أول الموسم، وده بعد سنتين من التراجع وصلوا لأسوا مواسمه على الإطلاق السنة اللي فاتت.

ميسي نفسه، اللي كان أفضل لاعب في العالم 2019، وكان أفضل لاعب في الفريق مع شتيجن سنتها، ما بقاش نفس اللاعب، ومستواه الفني تراجع من بعد رحيل فالفيردي، ومر بفترات سيئة طبقًا لمعاييره الشخصية، وأحيانًا قدم مباريات سيئة في المطلق، بمعاييره أو بمعايير غيره، والمصيبة إن الناس اتعودت إن شتيجن ينزل كل ماتش يشيل انفرادين تلاتة ويصدله كورتين ما يتصدوش، ولما بطل يعمل كده بقى عالة، وحتى السنة دي لما رجع يعمل ده (بما فيهم مباراة البايرن) بس دخل فيه هدف في الضيقة رجعنا تاني لنغمة عالة وشطب وكلام لا يوصف إلا بإنه ظالم وبعيد فشخ عن الحقيقة، ده مثال واضح جدًا على إنه الأهم إننا نفضل مشغولين ونفضل بنتعارك وبنتخانق وبننسف لعيبة ونفتعل حروب، حتى لو الحروب دي حتدمر التلات أربع لعيبة اللي هم فعلًا ممكن تكمل بيهم بعد ما الفترة دي تخلص، والله أعلم حتخلص إمتى.

المصدر