التصنيفات
مقالات الضيوف

أنا ليه دايما بجذب الناس الغلط في حياتي؟

“أنا ليه دايما بجذب الناس الغلط في حياتي؟ ليه بطلع من علاقة وحشة، بدخل في علاقة تانية أوحش منها؟ ليه كل اللي حبتهم في حياتي فيهم نفس الخصال السيئة: مش مستقرين نفسيا، نرجسيين، بيمارسوا معايا إبتزاز نفسي ما، emotionally unavailable أو مش متواجدين عاطفيا؟! هخلص امتى بقى من النمط المتكرر والدايرة المفرغة من العلاقات السّامة اللي بتستهلك طاقتي ومشاعري وحياتي وبخرج منها كل مرة واخدة على دماغي؟!”

السؤال ده متكرر جداً، سواء بيتقال بجد في عيادات الدكاترة النفسيين، أو بهزار وسط صحابنا! وبالرغم من إنه مفيش إجابة سهلة ونموذجية للسؤال ده لأنه ممكن يكون في أكتر من سبب (زي الخوف من الإلتزام في علاقة أو ال co-dependency أو التوجس من الجنس الأخر عموما)، إلا إنه في ظاهرة خطيرة وخفيّة جداً هي اللي كتير بتبقى ورا النمط المتكرر في إختيارتنا الغلط. الظاهرة دي إسمها Repetition Compulsion

الظاهرة دي معناها ببساطة: محاولة لإعادة كتابة التاريخ/الماضي. والماضي ده أحياناً بيكون علاقات كسرتنا قبل كده وماتعلجناش منها، أو -وده أغلب الوقت- التاريخ اللي بنحاول نعيد كتابته ده بتبقى علاقة فيها خلل مع الأب أو الأم واحنا صغيرين.

يعني إيه الكلام ده؟ ركز معايا ?

كلنا بنتولد بإحتياج فطري للحب والتقبل من الأخرين. وطبعا واحنا أطفال “الأخرين” دول بيبقو ماما وبابا في الأساس لأنهم هما العالم بتاعنا. والأصل إن أهالينا يدونا الحب والتقبل ده بشكل غير مشروط وبدون مقابل. ولما ده مش بيحصل، لو الطفل مثلا إتربى في بيئة فيها أب أو أم نرجسي، أو مهمله نفسيا، أو بينتقد كتير ومحسسه بالرفض وعدم التقبل، أو غير متواجد عاطفيا إلخ.. الطفل ده ساعتها بيعتقد -خطأً- إن المشكلة فيه هو، فبيفضل يحاول على أد ما يقدر إنه يعمل اي حاجة أو يغيّر من نفسه عشان ياخد الحب والتقبل الغير مشروط من الأب أو الأم اللي مش حاسس تجاهه بكده! وطبعاً كلها محاولات بتبوء بالفشل… لأن المشكلة مش في الطفل اصلا! المشكلة في طريقة باباه أو مامته!

بتعدي السنين وبيكبر الشخص ده، بس بيفضل الطفل اللي جواه رافض اللي حصل وبيدوّر إزاي يغيره! عقله اللاوعي بيبدأ يجذب أشخاص فيهم تحديات شبه اللي كانت في بابا أو ماما ويخلق نفس التجارب اللي كان حاسس فيها برفض أو عدم تواجد عاطفي، على الأمل إن المرة دي هينجح في اللي فشل فيه زمان. هيعيد كتابة التاريخ. هيغير النهاية. كأن الطفل ده لسه بيحاول يكسب حب وقرب بابا وماما. كأن عقله اللاوعي بيقوله “المرة دي هنجح، هخلي الشخص ده يحبني، هحاول أكتر وأدي اكتر واتغير والمرة دي النتيجة هتختلف” وطبعا النتيجة لا بتختلف ولا حاجة لأن هو/ هي عمالين يختاروا ناس فيهم مشاكل نفسية، على أمل إنهم يصلحوهم! ونفشل مع ده فنجرب مع غيره ونقعد نكرر نفس التجربة مع نفس الناس الغلط بنفس الأمل، وكل تجربة منهم تاخد من حبنا لنفسنا وإحساسنا بقيمتنا! وكللل ده بيحصل بشكل غير واعي تماما!

إيه الحل؟ الحل أولا الإدراك! إن يبقى عندك وعي بالنمط اللي بتكرره في علاقاتك دي عشان تعرف توقفه! يعني مثلاً أغلب البنات اللي بيتشدوا “دايماً” لرجالة صعبين و challenging ومطلعين عينهم، بتبقى في الأغلب إنعكاس لمشكلة ما في علاقة البنت دي بباها وهي صغيرة! وخدو بالكم إحنا بنتكلم عن نمط متكرر مش مرة واحدة دخلت في علاقة مع حد غلط!

ثانيا: مهم جداً إن مشاعر الغضب والوحدة والجرح والإحباط وغيرهم من المشاعر السلبية اللي ممكن تكون حستها وانت صغير دي (أو حتى لو وإنت كبير مريت بتجربة مؤلمة)، تخرج! المشاعر دي اتكتمت وفضلت تحركنا وتدخلنا في الدواير المفرغة بتاعت ال repetition compulsion! محتاجين نخرج المشاعر دي، نتكلم عنها مع متخصص أو صاحب أو حتى مع نفسنا، عشان نتحرر ونتعافى منها ونوصل لتقبل إن اللي حصل حصل خلاص. سواء المشاعر السلبية دي من الطفولة أو من شخص حبيته وأذاك نفسياً فخلاص. اللي فات مش هنقدر نرجع ونغيره، بس هنقدر نبقى مسئولين إننا نتحرر من المشاعر دي ونتصالح مع التجربة ونتعلم منها ونختار صح المرة الجاية!

الشخص اللي كسرك وأذاك نفسيا ده هو اللي عنده مشكلة، مش إنت! ومش في قدرتك إنك تغيره ولا تصلحه وتخليه يعاملك أحسن! لكن في قدرتك إنك تحب نفسك كفاية إنك تحميها من الأذى وتخرجها من الدايرة المفرغة دي.. وبدل ما تفضل تحاول تعيد كتابة التاريخ، تركز إنك تخطط كويس للمستقبل