التصنيفات
مقالات الضيوف

أردت أن أقتل نفسي لأستريح

ومن أين لك العلم بأنك سوف تستريح، أعلمت بما ينتظرك بعد الموت؟

-ماذا فعلت بنفسك ؟
– أردت أن أقتل نفسي لأستريح.
– ومن أين لك العلم بأنك سوف تستريح، أعلمت بما ينتظركبعد الموت؟

-إنه على أي حال أفضل من حالي في الدنيا.
-هذا ظنك.. ولا يقتل الناس أنفسهم بالظن.

– وماذا كنت أستطيع أن أفعل.. وماذا بقي لى ؟
– أن تصبر وتنتظر أمرنا
– صبرت
– تصبر يوما آخر إلى غد.
– سيكون غدا مشئوما مثل سالفه.
كيف علمت.. هل أنت الذي خلقت الأيام.. هل أنت الذي خلقت-نفسك؟
-لا
– فكيف تحكم على ما لا تعلم وكيف تتصرف فيما لا تملك

-هذا عمري وقد ضقت به.
– أتعلم ماذا نخفي لك غدا؟
– لا.- إذن فهو ليس عمرك.

– لا أريد أن أعيش.. خلوا بيني وبين الموت.. دعوني.. ارحمونی
– لو تركناك فما رحمناك.. إنما نحول بينك وبين رغبتك رحمة وفضلا ولو تخلينا عنك لهلكت.

– يا مرحبا بالهلاك.. ما أريد إلا الهلاك.. يا أهلا بالهلاك.
– لن يكون الهلاك رقدة مطمئنة تحت التراب كما تتصور.

– أريد أن أخرج مما أنا فيه وكفی.
-ولو إلى النار
-وهل هناك نار غير هذه؟
اتصورت أنه لا وجود، إلا ما يقع تحت حسك من جنة ونار
أظننت أنه لا جنة ونار إلا نعيمكم وعذابكم..
أظننتنا فقراء
لا يتسع ملكنا إلا لهذا العالم..

أتصورت أنه ليس عندنا لك إلا هذه الشقة في المعادي
وليس عند رب العالمين غير هذه الكرة الأرضية المعلقة كذرة غبار في الفضاء.. بئس ما خيل لكبصرك الضرير عن فقرنا.

– ضقت ذرعا مما أنا فيه.. انسدت أمامي المسالك..
انطبقت السماء على الأرض..
اختنقت.. . أريد الخروج.. أريد الخروج.

– ألا تصبر لحظات أخرى.. أترفض عطيتنا في الغد قبل أنتراها؟
– رأيت منها ما يكفيني.
– هذا رفض لنا ويأس منا واتهام لحكمتنا وسوء ظن بتدبيرنا وانتقاص لملكنا.. بئس ما قررت لنفسك..
اذهب.. رفضناك كما رفضتنا وحرمناك ما حرمت نفسك..
خلوا بينه وبين الموت..

وفي تلك الليلة شنق الرجل نفسه بملاءة الفراش..
ومات في هذه المحاولة الرابعة..
وفشلت كل الإسعافات في إنقاذه.

وجاء الغد..
فطلعت صفحات الجرائد الأولى بخبر مثير عن اكتشاف علاج جديد حاسم للمرض الذي كان يشكو منه.

ولكنه كان قد ذهب
لم ينتظر العطية
ظلم المعطى والعطية
وظلم نفسه
وظلم الغد
ااذى لم يره
واتهم الرحيم فى رحمته
وأنكر على المدبر تدبيره.
وخرج إلى حيث لا رحمة .. ولا .. عودة.

من كتاب : نقطة الغليان.
د/مصطفي محمود