التصنيفات
مقالات الضيوف

مشكلة مصطلح عبادة المشاهير

هنا ده مجرد تفسير يساعد صاحبك يفهم إنت عملت ده ليه، إنما مش تبرير يخليه يتقبل فعلك

مشكلة مصطلح Celebrity Worship أو عبادة المشاهير ده إنه مصطلح يخض، لو حد مثلًا قالك إنت علاقتك باللاعب الفلاني وصلت لدرجة العبادة حتضحك..بأعبده إزاي يعني؟

واحدة من أهم مشاكل الإنسان إنه دايمًا بيبالغ في تقدير ذكاءه وقدراته ودرجة وعيه، بالتالي بيحس إنه لو فيه عيب خطير فأكيد حيحس بيه، أكيد حيلاحظ إنه بيتطور عنده وحياخد باله وبالتالي حيتخلص منه، مستحيل يعترف إنه عنده مرض نفسي بالبشاعة دي وهو مش واخد باله، لأنه ده مش بس معناه إنه مريض، ده معناه كمان، من وجهة نظره على الأقل، إنه قد يكون غبي كمان، لأنه ما لاحظش إنه مريض.

الخرافة النفسية التانية كمان هي إنك تتخيل إنك مادام قرأت عن الموضوع وعرفت الميكانيزم بتاعه بيمشي إزاي فده حيحصنك منه..
أنا عرفت الناس اللي بتعبد المشاهير بتعمل إيه بالتالي أنا مش ممكن أقع في الغلطة دي، وهنا بيحصل العكس،
إنت بتقلل من قدرتك على خداع نفسك، لأن عمر الموضوع ما بيكون بالوضوح ده، دايمًا بيبقى في مبررات وحكاية بتخليك تقول لنفسك لأ أنا مش زي المعاتيه اللي هناك دول.

ده يوديك للخرافة التالتة بقى، إنك بتتخيل الموضوع دايمًا في صورة سطحية جدًا ومستحيل تتحقق في أرض الواقع عشان تقنع نفسك إنك ما بتعملوش، وكأن عبادة المشاهير مثلًا معناها إنك تصليلهم كل يوم وتقدملهم القرابين، وما دمت ما بتعملش كده يبقى إنت في السليم، بيساعد على ده كمان القوالب الساذجة العبيطة اللي بتتقدم في الأفلام والروايات وحتى بوستات الفيسبوك، اللي بتصورلك الناس دي كأنهم نوع تاني من البشر، لسانهم مدلدل وناكشين شعرهم وانفعالاتهم طول الوقت مبالغ فيها وبالتالي بمجرد ما تشوفهم حتعرفهم على طول، وده مش حقيقي،
ده مجرد آلية دفاعية بنستخدمها عشان نفصل نفسنا عنهم، ونطمن نفسنا إننا مش ممكن أبدًا نكون زيهم.

دكتور نيثان هيفليك من جامعة لينكولن في بريطانيا بيعتقد إن قصة عبادة المشاهير دي ليها تفسيرين؛
الأول بيفسر إزاي بتتطور أصلًا من مجرد إعجاب بلاعب سجل هدف واحتفل احتفال جميل مثلًا، لمرحلة إنك تبقى مستعد تشتم وتلعن أي حد يقول عليه كلمة ما تعجبكش،
والتفسير هنا هو الـ Halo Effect؛ الأثر اللي بيحصل لما تاخد انطباع أول عن شخص معين في جانب معين من حياته (لاعب كرة قدم خارق) فمخك يوهمك إن باقي جوانب حياته بنفس الروعة (أب رائع، صديق وفي، إنسان خدوم إلخ) عشان يساعدك تحتفظ بانطباعك الأول ده من غير ما أي حاجة تهدده ومن غير ما تضطر تراجعه أبدًا وتتخلى عن الإعجاب ده بعد ما استثمرت فيه عواطفك، بينما طبعًا ده مش شرط أبدًا يكون حقيقي، في الواقع من الصعب جدًا إنك تكون متفوق جدًا بشكل متطرف في جانب ما من حياتك من غير ما ده يأثر بشكل مباشر على باقي الجوانب، إلا في حالة واحدة لو إنت إله فعلًا،
وهي دي الفكرة، إنك بتخلق الإله ده من العدم، دي فكرة تانية شكلها يخض لكنها بتحصل طول الوقت من ناس كتير.

التفسير التاني من وجهة نظر هيفليك متعلق بما أسماه “نظرية إدارة الهلع” أو Terror Management Theory، والنظرية بتقول إننا كبشر عايزين نعيش لأطول فترة ممكنة، لكن ده مستحيل لأن كلنا حنموت، بالتالي إحنا طول الوقت بنحاول نستثمر عواطفنا في معاني حتفضل عايشة بعد ما نموت، بنستثمر فيما نعتقده “ثقافة” أو “قيمة معنوية” أو “نظام عقائدي يدافع عن قضية ما”، وفي كتير من الحالات بيكون المشاهير جزء من العقيدة دي، وحياتهم ومسيرتهم ومعتقداتهم بتكون هي القضية دي، خاصة لو كنا بنعتقد إن سيرتهم حتخلد في التاريخ، فبنحس إننا بقينا عايشين معاهم كجزء من السيرة دي، جزء من التاريخ الخالد اللي حيفضل عايش بعد ما نموت.

المشكلة في إدراك الأمراض دي إنها بتتطلب منك إنك تكون دايمًا متشكك في أفعالك، وده وضع صعب التعايش معاه ومستحيل يستمر لفترة طويلة لأنه لا يطاق، إنت محتاج تتصرف بعفوية وتلقائية عشان تقدر تعيش، ومحتاج درجة من الثقة في الكلام اللي بتقوله والتصرفات اللي بتعملها مش حتتحقق لو كل شوية بتسأل نفسك أنا عملت كده ليه.

لكن هل علامات المرض ده موجودة؟ طبعًا،
بنشوفها كتير وقد نكون إحنا نفسنا مصابين بيها من غير ما ندرك، بيبقى صعب علينا جدًا ننتقد المشاهير اللي بنحبهم حتى لو الغلط راكبهم من ساسهم لراسهم، وبنبقى متحمسين جدًا عشان نتابع كل أخبارهم مهما كانت تافهة وغير مهمة وهم نفسهم مش شايفينها مهمة، وطبعًا مستعدين نهين ونسف ونسفه من أي حد بيقول عليهم كلمة ما تعجبناش، بل ومستعدين نخوض في عرضه وأهله ونعنصر عليه ونرتكب كل حاجة ممكن نخجل منها لو إدينا نفسنا شوية وقت نفكر قبل ما نعملها.

المصيبة إن المشهور ده ممكن يكون شيخ أو عالم دين، وده في تخيلي أصعب نوع، لأنه بيخلي الشخص مطمئن تمامًا لأنه اللي بيعمله معاه صح، وماعندوش أدنى شك في إنه ممكن بيعامله زي ما أي مهووس بيعامل لعيب كورة أو مطرب أو ممثل أو معيد في الكلية أو حتى كاتب أو مؤثر على السوشيال ميديا، ده نوع تاني من الانحياز غير الواعي بيتخيل فيه إنه مادام المشهور ده مرتبط بمنظومة قيمية حصينة زي الدين، فهو نفسه بيكتسب الحصانة دي بالتبعية لمجرد إعجابه بالشخص ده.

أشهر مثال على الظاهرة دي قد يكون الجملة اللي إنت أكيد شفتها مليون مرة لو بتشجع كورة..جملة “ما طبيعي أعـ*صله ده لعيب فريقي”..
واللي هي بيُنظر لها زورًا على إنها درجة عالية جدًا من الاتساق مع الذات والسلام النفسي والصراحة والوضوح، بينما الحقيقة إن السياق الوحيد اللي ممكن عبارة زي دي تكون مقبولة فيه هو سياق الاعتذار، يعني مثلًا إنت شتمت واحد صاحبك عشان قالك إن لاعبك المفضل ده ما يجيش حاجة في شراب محمود سمنة مثلًا أو أشرف كابونجا، وبعد ما ندمت قررت تعتذرله بإنك تقوله معلش أنا عملت كده عشان مشاعري خدتني لأنه لاعب في فريقي..
أنا آسف..
هنا ده مجرد تفسير يساعد صاحبك يفهم إنت عملت ده ليه، إنما مش تبرير يخليه يتقبل فعلك.

بطريقة ما، ده تحول لمصدر للفخر والعزة وبقى العادي والطبيعي ومستمر طول الوقت، إنك تدافع عن فريقك أو لاعبك المفضل في الحق والباطل، وأحيانًا بمنتهى السفالة والوضاعة، وماحدش له عندك حاجة لأن ده لاعب فريقك أو فريقك وطبيعي تعـ*صله،
ده مثال كويس قوي على إزاي الإنسان بيبالغ في تقدير ذكاءه، وبيبقى مصاب بالمرض بس بيعرف يخترع قواعد مضحكة يخدع بيها نفسه؛ أنا ما شتمتش فلان اللي انتقد نجمي المفضل عشان أنا بأعامله معاملة الإله، أنا شتمته عشان هو مدلس ويستحق، أو عشان ده نجمي المفضل وأنا بشر ضعيف ولازم أعـرض، أو لأي سبب تاني، وإحنا بشر وضعفاء وبنعـرض فعلًا، لكن السياق الوحيد اللي التعـريض ده بيبقى مقبول فيه هو سياق الغفلة، إنك عملت كده من غير ما تحس وإكتشفت بعد ما عملتها، مش إنك بتقرر متعمد وإنت واعي ومدرك إنك حتعـرض..ده مش اتساق مع الذات، ده انحطاط ووضاعة.

جيمز هوران، طبيب نفسي كان من المجموعة البحثية اللي ساهمت في صك المصطلح ده، عبادة المشاهير أو Celebrity Worship في بداية الألفية، بيعتقد إن سر جاذبية المشاهير الشديدة هي إنهم حل سريع وسهل لكل مشاكلك وإحباطاتك، أشبه بالمخدرات، وبيستخدم مصطلح عبقري أعتقد ممكن يتنسب له حصرًا بعد كده، بيقول إن المشاهير، الناجحين من وجهة نظر المعجبين بيهم، عاملين زي
الـ Psychological Prosthesis،
يعني بيشبه مهاويس المشاهير بإنهم عندهم عضو مبتور، والمشهور ده بيمثل عضو صناعي مكانه، مش مقصود عضو تناسلي طبعًا.

ده شيء برضه بتلاحظه بوضوح على السوشيال ميديا، سواء كان المشهور المعبود بتاعك ده شيخ أو لاعب كورة أو فنان أو حتى أحد المؤثرين، فهو بيعملك حاجتين بشكل مستمر؛
الأولى إنه دايمًا بيدخلك معارك مع منافسيه، تقدر تختبر فيها مدى ولاءك ليه وتحس بالانتماء الحقيقي لأفكاره ومعتقداته، وتخلي العلاقة بينكم حية حتى لو كنت عمرك ما كلمته أو شفته في حياتك،
وثانيًا هو بينقلك قوته الخارقة دي عشان تستخدمها في المعركة دي ضد خصومه وتحس بأثرها؛ فلو هو مؤثر على السوشيال ميديا مثلًا مهم جدًا إنه يكون حراق وقادر على صياغة الردود السريعة المختصرة السطحية اللي بقت سمة التواصل على منصات التواصل، ولو هو لاعب كورة، مهم جدًا يكون قادر على تمويلك بتيار دائم من البطولات والألقاب والأهداف أو حتى الكباري والترقيصات وأي حاجة ممكن تستخدمها عشان تقول للناس صياحكم وطرب ورقم الشكاوى والتاريخ لا يتذكر إلا النتائج، وتستشعر القوة دي وإنت بتقولهم جملة مالهاش رد منطقي لأنها هي نفسها مش منطقية، وحتى لو هو شيخ، فممكن يخوض صراعات مع العلمانيين والملاحدة تستخدم فيها مصطلحات زي قصف الجبهات والجلد، بل وتستخدم فيها الإيحاءات الجنسية أحيانًا، بل وتجد تهليل شديد من المتابعين اللي المفروض بيتابعوا الراجل ده ومعجبين بيه لأنه بيعلمهم دينهم، لأنه في الحقيقة
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة والجلد والقصف والرزع،
والتلذذ المَرَضي بمشاهدة خصومك وهم عاجزين عن الرد لأن نجحت في إهانتهم بطريقة مبتكرة مش قادرين يستوعبوها،
ده أهم من المشهور نفسه حتى لو كنت بتعامله معاملة المعبود.

المصدر