– الغناء أصلا حرام
= لماذا؟
– ألم تسمع (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) فقال عبد الله بن مسعود الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات
= عزيزي، هل تدبرت ما قلته جيدًا؟ يعني قرأت ويتخذها هزوًا؟
ابن مسعود يقصد أنّ الآية تتحدث عن من يستخدم الغناء في الصد عن سبيل الله وليس الغناء على إطلاقه، الله لا يهب للإنسان موهبة دون غيره ليكبتها فيه
بل يهبها له ويأمره ألا يستخدمها في ما يحارب به الدين والإنسانية
يهب لك الغناء ويأمرك ألا تصد به عن سبيله
يهب لك الذكاء ويأمرك ألا تستعمله في النصب والاحتيال
يهب لك الغريزة ويأمرك ألا تصرفها في الحرام
وإلا فإن كان في الآية التجارة بدلا من الغناء، هل كنت ستحرم التجارة على إطلاقها أم كنت ستفهم أن التجارة التي نصد بها عن سبيل الله فقط هي المحرمة كتجارة الخمور او ما يضر؟
واحدة من المشكلات المحورية جدًا في قراءة وفهم النص، إدراك أثر الزمن في تغيير المفاهيم.
على سبيل المثال، العادات اللي ورثناها عند دخول الحمام وإن محدش يتكلم أو يبص في المراية كتير.. إلخ، نابعة من تصورنا إن الحمام الحالي شبه الحمام اللي نزل فيه النَص في زمنه، مع إن الواقع بيقول إن الحمام في زمنهم كان اسمه “الخلاء” لأنك بتخرج للجبل وتخلوا عن الناس فساعتها هتحتاج تدعي للحماية من أذى الشيطان في لحظة الخلوة دي، على عكس الحمام الحالي اللي مفيهوش أي نوع من أنواع الخلوة..
بيبقى موجود في قلب البيت، وأحيانا الجدران الرقيقة بتخلينا نسمع اللي بيحصل جوا كأننا قاعدين مع بعض، فأي خلوة في ده؟ بل إن حتى نظام الصرف الصحي الحديث بيتخلص من الفضلات في لحظتها فمفيش أي حاجة تخلي الحمام مأوي للشياطين أو تفرقه عن أي غرفة تانية في البيت.
لما نيجي نبص للغناء بقى، نلاقي إن “سيب إيدي” و”أنا عندي ظروف” وغيرها من الأغاني المسفة اللي في عصرنا الحالي تختلف تماما عن طبيعة الغناء في عهد ابن عباس.
طيب هل الغناء في عصره كان عفيف وكده؟ لا خالص، كان وسط الحانات والخمور والدنيا سايحة على بعضها.. بس الحقيقة إن غناء الحانات في حياة العرب شئ ثانوي جدًا وعمرنا ما سمعنا إن كان ليه أثر ديني فخلى حد يكفر (وده اللي بتتكلم عنه الآية إن اللهو ده بيصد عن سبيل الله)، وكذلك وسط الصحابة اللي راحوا اعترفوا للنبي إنهم زنوا أو شربوا خمر محدش منهم راح اعترف وقاله أنا سمعت أغاني النهاردة.
في نفس معرض الكلام عن الزمن، فابن عباس ميت سنة 68 هجرية، يعني حضر الخلافة الراشدة وبدايات الحكم الأموي وكل الموجودين في العصر ده صحابة أو تابعين، فمفيش وجود للحانات والغناء بشكلهم الماجن، وإلا كنا سمعنا عنهم زي ما سمعنا عن “صاحبات الرايات الحمراء” وغيرهم من اللي بتذكره كتب التاريخ عن حياة المجون.
أما لو حبينا نوصل للغناء اللي كان يقصده ابن عباس واللي بتتكلم عنه الآية، فمش مقصود الغناء بشكله العبيط اللي في تصورنا بتاع أفلام هارون الرشيد والجواري اللي بيرقصوا، لكن المقصود هو الشعر.
الشعر في حياة العرب بيتخطى كونه فن، للدرجة اللي بيتحول فيها للغة عُليا لازم تاخد اللي فيها على محمل الجد، وأقرب وصف لده اللي درسناه وإحنا صغيرين عن حياة الفراعنة إن فيه خط بيتكتب بيه النَص المقدس بس، وخط تاني للعامة والاستخدام الشعبي. فكذلك عند العرب، النص الشعري بياخد تقدير وأهمية أكبر من الكلام اليومي العادي.
زهير بن أبي سلمى الشاعر المخضرم وصاحب المعلقة المشهورة، يُحكى إن جماعة من الناس سرقوا إبله والخادم بتاعه اللي كان بيرعاهم. زهير كان شخص مُقدَّر في زمنه والعرب كلها كانت بتحترمه، وكان في نفس الوقت صديق مقرب لهرم بن سنان أحد عظماء العرب في وقته إن لم يكن أعظمهم.. فمكنش فيه أسهل من تكوين جيش ويروحوا يقتلوا اللي سرقوا الإبل واللي يتشددولهم.
لكن زهير بيقرر يعمل ما أهو أنكى من القتل، وبيهجو اللي سرقوا إبله في قصيدة من 8 أبيات فقط، هي -بدون مبالغة- أقسى وأقبح شئ قريته في حياتي لدرجة إني أتكسف أشرحها لحد.
المهم إن في بيته الأخير بيقول:
فإن الشعر ليس له مرد *** إذا ورد المياه به التجار
بيحذره ويقوله رجع الإبل بالذوق، لأن الهجاء اللي قلته فيكم وفي نسائكم لو وصل لموارد المياه اللي بيتجمع حواليها التجار وكل واحد حفظ الشعر ده ورجع بيه بلده هتبقى مصيبة ومش هتقدر تمنع الناس من ترديد الفضايح دي عنكم. فرجعوله الإبل في ساعتها! ودي قوة الشعر عند العرب.
لما تيجي تبص للناس اللي أهدر النبي دمهم، هتلاقيهم ما بين تلاتة، واحد بيعادي المسلمين وبيحاول يكوّن قوة حربية ضدهم، وواحد استئمنه النبي على حاجة فارتد وبدأ يحارب المسلمين، وواحد كان بيهجوا النبي ويقول فيه شعر يسبه فيه. وده يبينلك قد إيه الشعر في العصر ده كان بخطورة تكوين قوة حربية والانقلاب على الدين نفسه.
طيب من المعروف إن بعض العرب كان بيهجوا النبي في أشعارهم. هل بقى حد حافظ الأشعار دي أو نعرف عنها حاجة؟ لأ على الإطلاق. لأن الخلفاء أمروا بعدم حفظها والتخلص من أي حاجة اتسجلت عليها علشان تتنسي مع الزمن. وده دليل تاني مهم عن خطورة الشعر في حياة العرب اللي نزل عليهم النَص اللي بنحاول نفسره دلوقتي.
فلما تعيد نظر للنص من جديد: هل الأغاني (بكل أنواعها المسفة وغير المسفة) عندها القدرة دي للصد عن الدين؟
ولا المقصود بعض الشعراء في الوقت ده اللي هجوا النبي والدين على سبيل الاستهزاء أو الوصول لمكاسب مادية من خلال الأزمة وهما مش مقدرين خطورة اللي هما بيعملوه؟
آخر حاجة محتاجة تأمل، إن الآيات من سورة لقمان، وهي سورة مكية (إلا 3 آيات منها) وده يوافق السياق الزمني اللي كان بيتم هجاء النبي فيه وقتها في مكة.
ضيف على ده إلى إن أغلب التشريعات نزلت في الآيات المدنية، فلو الغناء فيه كل الأضرار دي كان اتحرم في آية مدنية على غرار الخمر اللي اتكلم عنها القرآن في آية مكية وقال: “يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير”.
ولما جه العصر المدني نزل تشريع قاطع بحرمتها: “إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه”. فليه مفيش تحريم مدني قاطع للغناء؟
عمومًا أنا مش في معرض التحليل والتحريم، ومش بحب ألعب اللعبة دي وكل واحد يؤمن باللي شايفه صح.
أنا بس صعبان عليا اخواتنا اللي بيحرقوا في قلبهم ليل نهار علشان يقلدوا شيوخهم/أصنامهم في السعودية، ويا عيني السعودية عمالة ترزعهم القلم ورا القلم ونفس الشيوخ اللي حرموا هما نفس الشيوخ اللي بيحللوا ويهللوا دلوقتي لأوبرا السعودية والحفلات الغنائية.
https://www.facebook.com/OmarZydan94/posts/1538815096235242