التاريخ هو منتصف تسعينيات القرن الماضي، والمكان هو مدينة مانشستر، والبطل هو سير أليكس فيرغسون، والحدث هو القلق من نشاطات لاعبيه المريبة خارج منشأة التدريبات، حين يستقل كل منهم سيارته الفارهة وينطلق خارج حدود سلطاته.
الحياة مراتب
نيك ليتلهيلز هو لاعب غولف محترف سابقًا، وخبير تسويق في حلول النوم، وهي طريقة متكلفة لوصف رجل كان يقوم ببيع المراتب والمخادع، والسبب الوحيد لاستخدام هذه الصيغة هو أن الرجل قرر إجراء تغيير مهم في حياته في منتصف التسعينيات.
كأي رجل مخلص لوظيفته، كان ليتلهيلز يتحدث كثيرًا عن أهمية النوم للجميع، قبل أن يقرر التوجه إلى الرياضيين بالنصيحة، وعندما بحث عن أقرب مكان يتيح له ذلك، لم يجد أفضل من النادي المحلي في مدينته، فقط تصادف أن هذا النادي كان اسمه مانشستر يونايتد.
بالطبع، في البداية، كان الجميع يتعامل معه باستخفاف؛ مدرب للنوم؟ أي هراء! هل يحتاج النوم إلى تدريب؟ بماذا سيخبرني هذا المدرب؟ هل التقلب من وضعية إلى أخرى وغلق الستائر وضبط المنبه أصبح وظيفة يؤجر عليها الناس؟ لماذا نحتاج إلى مدرب للنوم وكومان يدرب برشلونة؟
ما ساهم في هذا الانطباع الخاطىء في البداية كان حقيقة أن مظهر ليتلهيلز لم يكن موحيًا بالثقة؛ شاب وسيم للغاية كان يعمل كخبير تسويق وبائع للمراتب، هذا يضعك أمام تفسيرين لا ثالث لهما؛ إما أنه نصاب محترف يحاول التقرب من دوائر المشاهير الأثرياء بسلعة لا قيمة لها، في عالم ذكوري قاس يؤمن أن كل مشكلة قابلة للحل بمزيد من التحمل، أو أنه شاب وسيم يعمل كخبير تسويق وبائع للمراتب ولديه ما يضيفه فعلًا، وهذا يخبرك أنه، في الواقع، كان هناك احتمالًا واحدًا فقط.
في الحقيقة، لم تكن تلك هي وظيفة ليتلهيلز، ولكنه كان بحاجة لإثبات واضح يدلل على فائدة ما يفعله، وأتت الفرصة مع غاري باليستر مدافع يونايتد آنذاك، والذي كان يعاني من إصابة مزمنة في ظهره لا يفلح معها العلاج التقليدي، وكان ليتلهيلز هو من إكتشف السبب.
“الطريقة والوضعية التي كان يستخدمها باليستر في النوم كانت تعطل تجدد الخلايا، وتجهد عضلات ظهره، وكان هذا السبب الرئيس لفشل العلاج التقليدي”مع الوقت، تحسن باليستر كثيرًا.
طريقة ليتلهيلز لم تكن لتعالج إصابته أبدًا تحت أية ظروف، ولكنها كانت لتساعده على التعافي بشكل أسرع، لأن طريقة نومه كانت تلغي أثر العلاج الإكلينيكي الذي يتلقاه في النادي، وكأن شيئًا لم يكن.
هذه الواقعة أحدثت ضجة ضخمة في الكرة الإنجليزية آنذاك. بعد فترة، بدأت الصحافة تنتبه للرجل الغريب الذي يقود سيارته من وإلى الكارينغتون، ملعب تدريب مانشستر يونايتد، قبل أن يصرح فينغر -الرجل الذي تحمل الكثير من السخرية بسبب طرقه التدريبية وتحكمه في الأنماط الغذائية للاعبيه، والتي كان مصدر بعضها فيرغسون نفسه- بإبتسامة ماكرة؛”الآن بدأت الأندية تنظر إلى العوامل الجانبية المؤثرة. بعضهم بدأ يبحث في أثر تدريبات اليوغا والبيلاتيز”تحت الضغط
في كتابه، علاج وتجنب إصابات كرة القدم Soccer Injury Prevention & Treatment، يعتقد جون غالوتشي، المنسق الطبي لأكثر من 600 لاعب محترف في الدوري الأمريكي لكرة القدم، وكبير المدربين المساعدين في نيويورك ريد بولز سابقًا، أن الحرمان من النوم، أو اضطرابه، له ثلاثة مخاطر رئيسية على الرياضيين، وتحديدًا لاعبي كرة القدم.
الأول، بداهة، هو بطء ردود الأفعال. خبراء النوم، إن جاز التعبير، ظلوا يدرسون أثر الحرمان من النوم واضطراب أنماط النوم لسنوات، ودراساتهم تستنتج أن زمن رد الفعل يتقلص بمقدار 300% (ثلاث مرات أقل) في حالة حصول الرياضي على ليلة نوم كاملة ومستقرة وهادئة.300% هو رقم مرعب طبعًا، وهو رقم خادع كذلك؛ ببساطة لأن ردود الأفعال في لعبة ككرة القدم عادة ما تستغرق أجزاء من الثانية، وفي مساحة زمنية ضيقة كهذه تصبح الفوارق أقل من أن تحمل قيمة تسويقية، حتى لو كانت مهمة، بالتالي يلجأ أصحاب الدراسة للنسبة المئوية بدلًا من الأرقام الحقيقية، لأن القول بأن زمن رد الفعل يتقلص من 60 جزء من الثانية إلى 20 جزء ليس مبهرًا للقراء. بالإضافة لأن الدراسة غالبًا ما قارنت بين أقصى طرفي العصا، أي بين الحرمان التام من النوم لمدة 20 ساعة مثلًا، وبين الحصول على نوم ليلة كاملة. هذا أشبه بأن تقول أن ارتداء حذاءك قبل الخروج في المطر يحميك من البلل بنسبة 500%.في الواقع، لو لم نكن نعلم أن غالوتشي لا تربطه علاقة بليتلهيلز لقلنا أنه هو من أشار عليه بهذه الصيغة التسويقية الفعالة. المهم أن المشكلة هنا لم تكن في ارتداء الحذاء قبل الخروج في المطر، بل في أن هناك عالمًا كاملًا من المدربين واللاعبين لم يكن يؤمن أنه يحميك من البلل فعلًا.
هذه هي خطورة البديهيات التي لا ينتبه لها أحد عادة؛ أنها، ببساطة، بديهيات، لذا يعتقد أغلب اللاعبين أن 6 ساعات من النوم لن تختلف كثيرًا عن 5 أو 7، وأن يومًا واحدًا بلا نوم في الأسبوع لن يصنع فارقًا ضخمًا، بل إن بعضهم يعتبر ذلك دليلًا على جَلَده وقوة تحمله، ومدعاة للفخر أحيانًا.
الحقيقة أن الحرمان من النوم أو اضطرابه يزيد من معدلات الكورتيزول، الهورمون المسئول عن الضغط العصبي والنفسي، وهذه الزيادة تؤثر على صحة القرارات ودقتها سواء كانت بدنية أو ذهنية أو مزيجًا بين هذا وذاك.
هذا هو ثاني مخاطر اضطراب النوم بالنسبة للاعبي كرة القدم؛ انتظام النوم وجودته قد يكون الفارق بين التصدي لتسديدة صعبة أو مشاهدتها تدخل المرمى، أو بين إكمال المراوغة في منطقة الجزاء وبين الفشل والتسبب في مرتدة خطيرة، أو بين استلام الكرة بشكل صحيح أو إساءة التحكم فيها ومنحها لمهاجم الخصم في وضعية بناء اللعب، أي باختصار؛ كل ما يحدث في مباريات برشلونة كومان.
في هذه المواقف يصبح العشرون جزءًا من الثانية مهمين فعلًا بلا حاجة للمبالغة أو الخدع الإحصائية.
في الواقع، قد يدهشك ما يمكن أن يحدث خلال نصف ثانية فقط من المباراة في وضعية صعبة.
هذه الزيادة في الكورتيزول تؤثر سلبًا على معدل تجدد الخلايا والتعافي من الشد والتمزق العضلي أيضًا. كذلك فإن اضطراب النوم يمنع الجسم من تخزين الغلوكوز في العضلات بنسب كافية، وبالتالي، التأثير على الطاقة المتاحة في لحظات الجهد البدني العالي، وكل ذلك يزيد من احتمالية التعرض لإصابة محتملة، ويقلل من معدلات التعافي من إصابة حالية. هذا هو ثالث مخاطر اضطراب النوم لدى لاعبي كرة القدم.
إلى النوم
“لا يوجد طريقة أفضل للتعافي من النوم” – ليبرون جيمز
بالطبع نحن نعلم ما تفكر فيه الآن؛ كل ما سبق هو طريقة متكلفة للغاية للقول بأن النوم مهم، طريقة أشبه بعبارة “خبير تسويق في حلول النوم”، وهو أمر -أهمية النوم- نتوقع أنك لم تكن تحتاج لقراءة أي تقرير لتعرفه. حتى مقولة ليبرون جيمز تبدو سخيفة إلى حد ما، أشبه بتصريحات غاريث بيل الصحفية عقب المباريات.
هذا يتركنا أمام خيار واحد فقط؛ إخبارك بنصائح ليتلهيلز الثمانية لتنظيم نوم لاعبي كرة القدم والحصول على أكبر فائدة ممكنة منه، وإن كان يصلح للاعبي كرة القدم فهو غالبًا سيصلح لك.
ملحوظة: كنا نتمنى أن تكون 10 نصائح حتى نعنون التقرير
بـ”10 نصائح مهمة للنوم” ونجعله أكثر إثارة وقابلية للتسويق، ولكن ليتلهيلز خذلنا.
1- دورة النوم
النوم الجيد لا يُقاس بالساعات، بل بالدورات Cycles، ومدة كل دورة هي 90 دقيقة. بالطبع، تفسير ذلك لا علاقة له بمباريات برشلونة كومان، ولكن بحقيقة أن هذا هو الوقت الذي ننتقل فيه بسلاسة بين حالة النوم العميق Deep NREM (Non Rapid Eye Movement) وحالة النوم الأخف والأقل استغراقًا التي تتحرك فيها أعيننا بسرعة
REM (Rapid Eye Movement).
بالتالي، الأهم هو أن ينظم لاعب كرة القدم نومه في مضاعفات الـ90 دقيقة، وأن يحرص على ألا يستيقظ قبل نهاية الدورة.
2- استراتيجية النوم
في كتابه “نوم” “Sleep”، ينصح ليتلهيلز -المتخاذل- لاعبي كرة القدم بالتخطيط لنومهم على مدار الأسبوع كاملًا، بمعنى أن يدركوا أنهم بحاجة إلى 35 دورة نوم (90 دقيقة أو ما يعادل مباراة كاملة لبرشلونة كومان) عبر الأسبوع.
3- نِم كالأطفال
تُعرَّف الساعة البيولوجية Circadian Process بمجموعة الأنماط السلوكية الذهنية والنفسية والبدنية التي تصاحب دورة الـ24 ساعة، وما يقوله ليتلهيلز هو أنها تتأثر بشدة بحركة الليل والنهار، والضوء والظلام.
لا جديد هنا، باستثناء قول الرجل بأننا كبشر، قبل اختراع المصابيح الكهربية، لم نكن ننام كما ننام الآن، بل في نوبات متقطعة Polyphasically كالأطفال بالضبط؛ أكثر من مرة، ولفترات أقصر.
كريستيانو رونالدو مثلًا ينظم نومه في 5 قيلولات خلال النهار مدة كل واحدة منها ساعة ونصف، وأغلب أندية القمة في أوروبا الآن تمتلك غرف للنوم Sleeping Pods مجهزة لقيلولات اللاعبين قبل المباريات على أرضهم، أو بعد التدريبات الشاقة مباشرة، لضمان الحصول على أكبر قدر من التعافي.
ملحوظة: كنا سنعنون التقرير بـ”10 نصائح للنوم مثل رونالدو” ولكننا نعتقد أنك لا تحتاج إلى طُعم لقراءة تقاريرنا.
طبعًا نحن نمزح، إنتظر طُعمًا في التقرير القادم.
4- تأمل
خذ نصف ساعة (ثُلث دورة النوم المعتادة) للراحة كل حين.
هذه الراحة تسهم في دورة نومك المعتادة حتى لو لم تقضيها نائمًا، مجرد الاسترخاء كافي. خبراء النوم يطلقون عليها اسم
CRPs (Controlled Recovery Periods).
5- إستيقظ
إذا كنت قد إندهشت لأن هناك من يخبرك أنك تنام بشكل خاطىء، فإستعد لكي يخبرك نفس الأشخاص بأنك تستيقظ بشكل خاطىء كذلك.
من المهم للغاية أن يكون لك روتين محدد عند الاستيقاظ، وتحديدًا في الـ90 دقيقة التالية لاستيقاظك، وهذا الروتين يجب أن يتضمن التالي؛ تأخير الولوج للأجهزة الذكية والإنترنت، وإفراغ الأمعاء، وشرب الماء أو السوائل، والحصول على إفطار مغذي، وأخيرًا، بعض التدريبات الخفيفة.
ملحوظة: في حال كان هذا الاستيقاظ عقب مباراة لبرشلونة كومان يُضاف للروتين السابق؛ الصراخ بلا هدف، وحجز موعد مع الطبيب النفسي، وتوجيه اللكمات العنيفة للوسائد وحشية الفراش، خاصة لو كان ليتلهيلز هو من باعك إياها.
6- شروق وغروب
ماذا تفعل لو كنت تعيش في غرفة مظلمة لا يصلها ضوء كافي؟
ليتلهيلز ينصحك بأن تبتاع وحدة إضاءة من التي تحاكي شروق وغروب الشمس في الوقت المحدد، لأن هذه العملية تضبط ساعتك البيولوجية وهورمونات جسمك، فضوء الشروق مثلًا يقلل إفرازات الميلوتونين (هورمون الاسترخاء) ويحفز السيروتونين (هورمون السعادة والنشاط).
7- إتصل بخدمة العملاء
هذه أسهل نصيحة ممكنة وأكثرهم مكرًا كذلك؛ ليتلهيلز ينصح لاعبي كرة القدم بشراء أكبر فراش تسمح به غرفهم.
ما يقوله الرجل أن الحجم الأقصى للفراش Super King Size Bed يكفي بالكاد لإثنين من البالغين، لذا فاستخدام حجم أصغر بغرض التوفير سيؤثر بشكل مباشر على جودة نومك.
نحن نتفق مع ليتلهيلز في هذه النقطة، لا ملاحظات هنا.
8- هكذا وضعية
نِم في الوضع الجنيني (ذراعان وركبتان مضمومتان إلى الصدر) وعلى جانب ذراعك القوية، وفي الناحية المعاكسة لها من الفراش،
والأهم، حاول دائمًا أن تتنفس من أنفك لأن التنفس من الفم يقلل من استقرار النوم وجودته بداهة.
بالطبع، إن لم يقنعك كل ما سبق فتذكر التالي؛ التاريخ هو بداية العقد الثالث من الألفية الجديدة، بعد ربع قرن من الواقعة الأولى، والبطل هو ليتلهيلز الذي صار يعمل الآن مع كوكبة من أفضل لاعبي كرة القدم في العالم، بالإضافة إلى أندية مثل ريال مدريد وتشيلسي، ومنتخبات مثل الإنجليزي، وقائمة طويلة من الرياضيين الأولمبيين.