التصنيفات
مقالات الضيوف

مسألة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم – 1

يبدو إن مسألة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم لا تزال تحتل مساحة لا بأس بها من الجدالات هذه الأيام. بأشكال أكثر تطوّراً هذه المرة عن الأسلوب البدائي الساذج الذي يتلخص فيه: دي اتقالت في القرآن.

الحقيقة إن المسألة في جزء كبير منها، مرتبطة بوجود منهجين مختلفين تماماً في التعامل مع الأشياء. وهذا الكلام رغم إنه بديهي إلا إنه على ما يبدو يستاهل الحديث عنه مرة أخرى.

وصف “علمي”، الذي يُطلق على أي شيء، هو ببساطة شديدة، وصف لشيء استوفى مجموعة معيّنة من المعايير. أهمها قابلية التصويب والتخطيء. يعني أي شيء يمكن إثبات صحّته، أو خطأه، هو بطريقة ما يندرج تحت وصف الـ«علمي». وهذا الوصف ليس مدحاً ولا قدحاً. هو مجال معرفي.

احتلال العلم لمركز العالم. على ما يبدو. هذه الفترة. كان سبب رئيسي في محاولة كتير من المتدينين الحصول على جزء من الكعكة. عن طريق النسب لشيء متحقق أصلاً. فيعني الشخص اللي مؤمن إن التليسكوب قدر يرصد ثقب أسود على بعد ملايين السنوات الضوئية، هيحتاج في لحظة ما، إنه يثبت إن الحديث عن هذه الثقوب السوداء ينطبق على أوصاف بعينها في القرآن. كتابه المقدس الذي يشعر إنه مُهمل في هذه المردغانة. وهو ما يدل أولاً على ارتباك في الدوافع النفسية غالباً، وعلى عدم فهم كيف تعمل الأشياء ثانياً.

في فترة من الفترات، انتشرت مجموعة من النبوءات المنسوبة لشاعر فرنسي اسمه نوستراداموس، نشر مجموعة من الأشعار، ظهرت إلى السطح في العصر الحديث، خاصة مع سقوط برجي التجارة العالميين في 11 سبتمبر. الأشعار كانت بتتكلم عن حاجات زي: البرجان اللذان هاجمهما طائر اللهب، انهارا بعد ما شربا اللبن. وأشياء كثيرة من هذا القبيل. طبعاً أي متمعن في هذه الأمور، سيجد أنها تصلح للتطبيق على أي شيء في العالم. انهيار برجين، سقوط كوكبين، طفل بيلعب ببرجين ليجو. إلخ إلخ. هو دا بالضبط المقصود بـ”لا يمكن تخطيئه”. بينما ببعض التجاوز. النبوءة “العلمية”، لو صح أن يوجد شيء كهذا، هي أن يقول المرء: في الساعة 5 يوم 15 من شهر كذا، هيحصل كذا كذا. وبالتالي يكون من الممكن محاكمة هذا التصوّر، سواء كان صواب أو خطأ. لأن في حاجة اسمها «نظرية علمية صائبة»، وحاجة اسمها «نظرية علمية خاطئة». لكن كلها بتقع في مجال كبير ومظلة معرفية إسمها العلم.

القرآن كتاب ديني، يكاد يكون أحد أقل الكتب الدينية بالمناسبة حديثاً عن مسائل زي الخلق والتوصيف المباشر لكيفية حدوث الأشياء، مقارنة بغيره. وعشان كدا، فمحاولة ليّ عنق الآيات عشان تطلّع معاني «علمية» بعينها، هو شيء ملهوش أي معنى فعلاً. لأن القرآن كنص لغوي إلهي مفتاحه التأويل، بينما العلم ببساطة مساحة تعتمد على الفحص والتجريب والقياس. ليه مينفعش نتعامل مع الحاجات دي ببساطة؟ لأن العلم متغيّر طول الوقت، أولاً. ولأن الإثبات العلمي لآيات موجودة سلفاً، هو مش إثبات على أي شيء غير على مهارة مؤليها لا أكثر. إحنا عمرنا ما هنعرف هو صح ولا غلط. ودا هيكون إضافة جديدة لتصورات ضحلة عن العالم، لا تلوي على شيء إلا الاطمئنان إلى وجود شبكة أمان غير موجودة. ولم يعد أحد بتقديمها.

طبعاً كلام نصابين من أمثال زغلول النجار، والكذب الواضح في مواضيع زي: “القمر انشق، ووكالة ناسا تخفي هذه الحقائق لكي لا يؤمن الخلق”، هو شيء لا يستدعي إلا الاحتقار. لأن أنا ممكن افهم الرغبة الصادقة أعلاه في إثبات المرويّات عن طريق العلم وأساليبه، باعتبارها نيّة حسنة، لكن الكذب الواضح الصريح، هو شيء لا يستحق إلا الاحتقار.

المسألة طبعاً ذات جوانب نفسية في رأيي قبل أي شيء. في محاولة للتجاوب مع نزع قداسة مركز الإنسان، واعطائها للطبيعة، ودي حاجة أنا ممكن أفهمها، وأعتقد إن تطوير نظرة أخرى للتعامل معها والتنظير فيها هو بالتعبير الديني التقليدي «ثغر» لا يجد من يقف عليه. لأن محاولة إعادة الإنسان لمركز الكون، على المستوى المعرفي، مينفعش تكون على حساب أحد أنجح المنظومات المعرفية في تاريخ البشرية، ومينفعش يحصل دا بطريقة الباراشوت إياها. حلّق يا بني على العلوم دي وهاتهالي. ودي مسألة ترتبط بفلسفة العلوم وطرق تعاملها مع الإنسان. وهو موضوع مختلف تماماً عن ما يحدث الآن. وإن كانت لا تقل أهمية.

https://www.facebook.com/ahmad.gamal.saadeddin/posts/10156506867800674