التصنيفات
مقالات الضيوف

لو إتعرض عليك إختيار من إتنين

لو إتعرض عليك إختيار من إتنين: تاخد عشرة مليون جنية دلوقتي حالاً، أو تنقذ حياة حد من الموت، تختار إيه؟
خلينا نفترض إن إختيارك محدش هيعرفه، وبالتالي محدش هيلومك عليه، ونفترض برضه إن إنت شخص سوي، بتحب الفلوس عادي، لكنك مش أناني لدرجة إنك تسيب حد يموت بسهولة مدام في إيدك تعمل حاجة، وهدفك النهائي تحقيق أكبر قدر من المنفعة لنفسك، ولغيرك في نفس الوقت.

المفروض، على إعتبار إن الدنيا لسا بخير وكدة، إن أغلب الناس هتختار تنقذ الشخص من الموت، خصوصاً لو شافته أو عرفت قصته، مما هيخليها تتعلق بيه، وتحس بمسئولية قتله لو خدت الفلوس، والأقلية هتختار الفلوس، لإن الناس بتموت كل يوم في كل مكان، وأنا مش سبب موته المباشر، خصوصاً لو تخيلت ممكن تعمل إيه بالفلوس دي كلها.

في الحالتين إنت مقارنتش بين الإختيارين إليّ قدامك. إليّ حصل إن إختيار منهم أثر فيك أكتر من التاني، فإختارته وتجاهلت التاني. وسبب دا إن الإختيارين من عالمين مختلفين تماماً والمقارنة بينهم صعبة فعلاً.

كلنا عارفين إنك متقدرش تجمع تلت تفاحات على أربع برتقانات. لازم تقارن التفاح بالتفاح والبرتقال بالبرتقال. هنا الإختيار الأول كان فلوس وبتتقاس برقم محدد واضح مفهوم. الإختيار التاني كان “حياة” شخص. وهي حاجة ملهاش وحدة قياس والكلام عنها فلسفي وبيستدعي أسئلة من نوع “إفرض الشخص كان مجرم وميستاهلش أنقذه؟” أو “إفرض كان عنده خمسة وتسعين سنة ومشلول ومكتئب وهو نفسه مش عايز يعيش؟، أبقا أنا خسرت الفلوس علشان أزودله كام شهر من المعاناة؟” في حين إن الفلوس مش محتاجة أسئلة لإنها من عالم الأرقام. واضحة بحد ذاتها ومش محتاجة تعريف.

النصيحة البسيطة هنا هتكون إن في حالة المقارنة بين إختيارين من عالمين مختلفين، وهو إليّ غالباً بيحصل في حياتنا المركبة، هو إنك تحاول تترجم أو تحول إختيار منهم لعالم التاني علشان المقارنة تكون سهلة. تقدر تتمن حياة الشخص دا بالفلوس، بحيث تشوفها أكتر ولا عشرة مليون؟ لأ مش ممكن. طيب تقدر تحول العشرة مليون لمحاولات إنقاذ حياة حد؟ في الغالب آه. لو معاك الفلوس دي وفكرت تنقذ حياة حد، “أكتر من حد بقا”، تقدر بسهولة حرفياً تكون السبب في إنقاذ حياة شخص مكانش معاه ألفين جنيه.

هنا التفكير البرجماتي النفعي العملي هيخليك تاخد الفلوس، والشخص يموت، وتصرف مليون جنية من العشرة في عمليات إنقاذ حياة مئات الأشخاص، ويتبقالك تسعة مليون. الكل كسبان.

بغض النظر عن الإختيار الأمثل هنا، ففي الحياة بشكل عام الإختيارات بتكون من عوالم مختلفة تماماً ومفيش وسيلة قياس لأي منها، وحتى التفكير العملي النفعي المعتمد على الأرقام مبيقدرش يخدم. أتجوز مديحة ولا سميحة؟ أدرس في كلية كذا ولا كذا؟ أستقيل من الشغل وأعيش لفني وجمهوري ولا أعزم المدير على الفطار وأقوله لون الكرافتة حلو أوي يا أستاذ ممدوح؟

إذا إتفقنا إن معرفة الإختيار الصح قبل الإختيار فعلاً شيء صعب، إذن ممكن بعد ما نختار ويمر وقت كافي نشوف كان إختيار صح ولا لأ، ولكن دا برضه للأسف صعب لعدة أسباب أولها الحكمة بأثر رجعي بتخليك تفسر إليّ حصل بشكل غير سليم لإنك وإن كنت إخترت حاجة وعرفت نتيجتها، فإلي مخترتوش إنت لسا متعرفوش، ومتقدرش ترجع بالزمن وتقارن. ممكن تتجوز سميحة وتتطلقوا، فتقول ياريتني إختارتك يا مديحة، مع إنك متعرفش إنك لو كنت إتجوزت مديحة كنت قتلتها.

من زمن طويل إتكونت عندي قناعة إن فكرة الإختيار الصح فكرة مغلوطة، إلا في الأمور البينة الواضحة المباشرة وإلي فيها أرقام، غير كدة الله أعلم، دا حتي لما محمد صلاح بيقولي إني أقوى من المخدرات، بقول إيش عرفني ما يمكن المخدرات أقوى مني، وإن الواحد عليه فقط المقاربة والتسديد وإنه يعمل إليّ عليه، لكن ميحملش نفسه حمل الندم على إليّ يحصل ويقول لو وياريت.

بالمناسبة، أرثر ميلر قال: “ربما يكون كل ما بوسع المرء فعله، هو أن يأمل أن ينتهي به الحال بالنوع الصحيح من الندم.”

https://www.facebook.com/faried.omarah/posts/1414470891932397