التصنيفات
مقالات الضيوف

للدين وظيفة واحدة في الحياة: “البركة والنجاة”

الغباء لن يحمي المؤمن الساجد المُكبر إلا إذا استخدم آليات الدنيا مع إيمانه

بمناسبة مظاهرة بعض من الإسكندرانية ضد كورونا، خبر على قدر الفكاهة فيه، مُحزِن.. ولكنه ليس أبدا عشوائيا، فليس هناك سلوك إنساني واحد عشوائي..

فأحدهم بالفعل فكر وبحث ووجد شكل فيروس الكورونا على الانترنت، وطبعه على علم.. وقرر أن يعامله كحاكم باطش وأقنع آخرين بالنزول للهتاف والتكبير والتهليل ضده.. وقاموا بحرق العلم وسط التكبير بحرقة..

هذا ليس مشهد مضحك ولا عبثي.

في رأيي هذا هو نتيجة سنوات وعقود تم تربية أجيالها على أن للدين وظيفة واحدة في الحياة: “البركة والنجاة”..

صل حتى تنجح،
وضع المصحف بجوار علبة المناديل في السيارة وتحت مخدتك للبركة.. وقم بتعليق السبحة في مرآة السيارة للتبرك،
واجعل القرآن يُقرأ في الخلفية وأنت تبيع في محلك لتُرزق حتى وإن كنت لا تسمع.. إلخ

هذا هو جيل بائس جدا مفرغ من التعليم والنجاحات والفرص ولا يمتلك أي سلاح للتشبث في الدنيا إلا الدين .. وليس الدين كله.. فقط الفكرة الشعبية عن الدين ، أنه أداة بركة ونجاة..

هذا هو الشعب الذي لم يفهم الدين بعقيدته ولا بمقاصده ولا بروحه وكل جوانبه.. بل تربى على أن قشور الدين تكفي لأن تكون آمن.. وأن الله هو القوي وأنت دون أي قوة، وأن الأقدار السيئة لا تصيب إلا كل كافر. لا يفهم أن الدين يحب العلم والعلماء ويعلي من شأنهم.. لا يفهم أن الدين جوهره الاختبار والإرادة الحرة.. وأن لا الحياة ولا النجاة فيها مقياس لغضب أو رضا الرب. وأن قوة الإنسان منبثقة من قوة الله!

هذه المظاهرة هي مجرد تعبير حقيقي لثقافة دينية ركيكة وسطحية ولكنها متأصلة في نفسية شعب طيب قليل الحيلة، لا يعرف العِلم ليثق به، لم يشعر بقوته كإنسان ليثق في إنسان آخر ولو كان عالِما، لا يصدق أن للإنسان قدرة على المحافظة على حياته وحمايتها.. هو شعب يرى نفسه نكرة، ويرى أنه بلا إمكانيات أو قدرات.. وقوته الوحيدة في الثقة في قوى عظيمة.. وصلته الوحيدة بهذه القوة العظيمة بالعبادات من صلاة وهتاف.. فهذا هو إيمانه الوحيد.

سمعت مؤذن اليوم يضيف جملة في الآذان: صلاة المسجد خير من صلاة البيت.. الصلاة نجاة.. ثم أكمل الآذان بحي على الفلاح!

هو يعتقد أن إيمانه أعلى شأنا من العلم.. ويرى أن استمرار الصلاة في المسجد فقط وفي جماعة هو النجاة ودونها هو الهلاك وغضب الرب!

نحن ندفع ثمن تجهيل الشعب وتسكينه بقشور الدين، ولو فهم الناس أن الصلاة غير مطلوب منها أن تغير العالم من حولك، بل أن تغير قلبك وتقويه على تقلبات الحياة، لهدأ كل هذا العويل على منع الصلاة في الكعبة والمطالبة بمنعها في المساجد.. ولفَهِم الجميع أن كل فرض فُرِض لسلامة الإنسان وحمايته.. ولذلك حُرِم على النساء الصلاة وقت الحيض ووقت النفاث وحرم الصيام على المريض.. وتطول الأمثلة..

الشعب الآن يمر بصدمة إدراكية.. سيعترف بعدها وحده بأن الإيمان بالله لا يتعارض مع العلم وأن الغباء لن يحمي المؤمن الساجد المُكبر إلا إذا استخدم آليات الدنيا مع إيمانه

المصدر