التصنيفات
مقالات الضيوف

في مدح منطقة الراحة Comfort zone

وماذا يضيرك في هذا؟

شاعت موضة وجوب مغادرة منطقة الراحة، وهي المساحة التي تشعر فيها على المستوى الشخصي بالراحة، كطريقة التفكير ونمط الحياة الذي اخترته أو اختارك، فهي لا تضعك أمام ضغط نفسي أو جهد لم تعتده يسبب لك توتراً.

ثم هبت مجموعة من المدافعين عن منطقة الراحة يقولون وما المشكلة أن أعيش في المساحة التي تريحني. هل شكوت لك حياتي؟ هل أنت الذي تريد تغيير حياتي؟

مثلا تدخل مطعماً، يطلب منك صديقك أن تجرب وجدبة جديدة غير التي تعتادها، فإن رفضت وُصمت بأنك شخص غير مستكشف تكتفي بمنطقة الراحة. حسناً .. وماذا يضيرك في هذا؟ إن كان صاحب الشأن لم يشتكي، والطعام لم يشتك، لم يبق سواك المتوتر!!

وتجربتي مع هذا الأمر خلاصتها الانسجام مع النفس والظرف، سواء بالبقاء في منطقة الراحة أو مغادرتها، والأساس هو راحة البال وما يحققه. وهو ما نتمناه في النهاية في هذه الحياة. وعندما دققت في الأمر وجدت أنني أغادر منطقة الراحة في مساحات في حياتي، وأتمسك بها في مساحات أخرى، لكن فعليا حين أفكر في الأمر أجد أنني لم أغادر مساحة الراحة يوماً كقرار مؤلم، فحتى حين أتبنى خيارات جديدة تبدو مغامرة فلأنني أجد فيها المتعة والراحة، ففي فترة أجد راحتي في أن أغامر وفي فترة أخرى راحتي في أن أعيش بشكل روتيني. وهو ما يعني أنني لم أغادر أبداً منطقة الراحة. بل أبحث عنها وإلا فقدت راحة البال.

سنجد في الغالب من يحدثنا عن مغامراته في الحياة باعتباره متمرداً على مساحة الراحة، لم يغادر مساحة راحة بل انسجم وعايش المغامرة لأنها تريحه. لنكتشف في النهاية أن كلنا نعيش في منطقة راحتنا.

لكن أحياناً تدفعنا الحياة لترك منطقة الراحة، مثلاً شخص كان يعمل وظيفة تعتمد على التكنولوجيا، فجأة وجد نفسه مضطراَ للعمل في وظيفة ميدانية حركية، هنا سيضطر إلى مغادرة منطقة الراحة التي تعود عليها، وسيكون الأمر شاقاً، لكن الحياة دفعته لذلك، والفرق بين دفع الحياة الطبيعي والدفع الصناعي أن الحياة تمدك بأدوات ترك منطقة الراحة، فالظرف يعطيك الإرادة، والمثابرة، ويخلق الرغبة بشكل تلقائي متدرج. فأنت هنا لم تغادر منطقة الراحة كترف ولكن كحاجة للانتقال إلى مساحة جديدة في الحياة.

بالنسبة لي في النهاية راحة البال هي المبتغى في هذه الحياة الصاخبة، وفعل الشيء بأقل مجهود هو الاستراتيجية.

المصدر