التصنيفات
مقالات الضيوف

فلسفة المدربين وانعكاستها الانسانية


النسبة الأكبر من جمهور الكورة بتتحسس مسدساتها لما تسمع لفظ الفلسفة، وبتطلع مسدساتها لما اللفظ ده يقترن بجوارديولا، وده مفهوم لأن اللفظ تم هتك عرضه واستخدامه في غير موضعه مليون مرة، لدرجة إني فاكر مرة قرأت حد استخدمه مع فالفيردي عشان يشرح أسلوب لعبه وتفضيلاته التكتيكية.

لكن رغم كل ده، لما تبص على صراعات جوارديولا طول مسيرته، بما فيها الصراع التكتيكي الأعظم اللي بيخوضه حاليًا مع كلوب، واللي في بعض الأحيان لا يبدو كصراع بل يبدو وكأنه طريقة لمحو هويته من أساسها، لازم تستخدم تعبيرات زي الفلسفة لوصف طريقة لعب الإتنين ووصف صراعهم، لما تكون طريقة لعب كلوب وتفضيلاته التكتيكية – اللي عددها محدود جدًا ومؤثر جدًا في نفس الوقت – بتجبر واحد ساعي للمثالية زي جوارديولا على حل من إتنين في منتهى الصعوبة؛ إما إنه يحقق المثالية دي فعلًا في مبارياته أمام كلوب، كاملة غير منقوصة، وده مستحيل عمليًا حتى لو نجح في مرة أو إتنين، أو إنه يتخلى عنها تمامًا ويلجأ للحل الآمن اللي بيلجأله دايمًا واحد زي مورينيو مثلًا في مواجهة كلوب، وساعتها مورينيو مش بس بيطلع بأقل الخسائر الممكنة، بل وأحيانًا بيفوز، بل إنه كمان بيظهر كلوب في أسوأ صورة ممكنة، وبيطلع أسوأ ما في شخصيته، وبيخليه يستخدم حجج مضحكة وينتقد الأساليب الدفاعية رغم إنها كانت واحدة من أهم أسلحته في مواجهات حاسمة سابقة.

بعبارات مختلفة؛ كلوب بيقدر يحط جوارديولا قدام نفسه، مش عشان كلوب بيستخدم نفس أسلوبه، لكن عشان بيخليه يتشكك في السؤال اللي بتقوم عليه كل “فلسفته”..هل الفوز هو الأهم ولا طريقة اللعب؟ القضية اللي دافع عنها جوارديولا طول مسيرته هي إنه مفيش تعارض بين الإتنين أصلًا، الأسلوب وطريقة اللعب بيأدوا للفوز بطبيعة الحال، وحتى مع كون كلوب واحد من المدربين اللي بيمتلكوا سجل تفوق على جوارديولا، وقد يكون الوحيد في المدربين اللي بيمتلكوا السجل ده ولعبوا أكتر من 5 ماتشات مثلًا قصاده، ومع إن ده فعليًا ما بيمنعش جوارديولا من الفوز بالألقاب والبطولات لكن قد يكون بيمنعه من زيادتها للحد الأقصى، إلا إنه مازال سؤال مؤرق جدًا ليه، لأنه ببساطة سؤال أكبر من مجرد ماتش كورة ونتيجة بتعبر عن عدد مرات تخطي الكورة لخط المرمى، في نفس الوقت، نفس الكلوب ده بيواجه نفس السؤال قدام مورينيو، لأنه الـ Intensity اللي بيبني عليها كل “فلسفته” التدريبية بتبقى عديمة الجدوى قدام تنظيم دفاعي عميق محكم، والضغط الهيستيري محتاج خصم يكون بيحاول يستحوذ أصلًا عشان ينجح، وده اللي مورينيو ما بيحاولش يعمله أصلًا وكأنه بيهدمله أساس طريقة لعبه، وده للمفارقة بيحوله لنسخة من مورينيو في أعقاب أي مباراة قصاده ما تمشيش زي ما هو عايز.

كل ما تتخيل إنك وصلت لخلطة سحرية توازن ما بين تعريفاتك الخاصة لمفاهيم زي المتعة والشجاعة والكبرياء حييجي حد عنده تعريفات مختلفة للمفاهيم دي ينسفهالك ويحطك قدام سؤال فلسفي، قد تكون تعريفاته أدنى قيمة أو أعلى، وأنا شخصيًا بأعتقد إن المشكلة ما بتكونش في الإجابة على السؤال ده قد ما بتكون في السؤال نفسه، يعني لو حررنا نفسنا من ظروف وملابسات كل ماتش ومتغيراته والعوامل اللي بتأثر في النتيجة النهائية، واللي كتير بتبقى خارجة عن يد المدرب الكسبان أو الخسران، فاللي بيحصل إنه جوارديولا حيفكر في طريقة يهزم بيها فلسفة كلوب دي ويحافظ على فلسفته في نفس الوقت، وده نفس اللي حيحاول كلوب يعمله مع مورينيو، لكن في رأيي إنه السعي ده لازم يكون مقرون بإدراك حقيقة إنه الفلسفة أصلًا معيوبة، وإنه الكمال غير موجود، وإنه الصورة المتخيلة في دماغ كل واحد فيهم لا يمكن إدراكها في الواقع، وتعريف الشغف هو إنك تحاول توصلها رغم إدراكك للحقيقة دي، لأن نشوة الإقتراب منها في مباراة أو موسم مالهاش مثيل، حتى لو مش حتمسكها بإيدك فعليًا.

الصراع ده إنساني قبل ما يكون كروي وتكتيكي، أصلًا مفيش إختلاف كبير بين الإنساني والكروي في السياق ده لأن الكورة مجرد إنعكاس لتفضيلات كل واحد فيهم الشخصية، وفي كل واحد فيهم حتلاقي الأسباب والتفسيرات لطريقة لعبه، والنقطة دي تحديدًا هي اللي بتخلي كتير من جمهور الكورة ومحلليها يغضبوا من قصر الـ”مثالية” على جوارديولا لأن ناس كتير بتشوف إن المثالية نفسها نسبية رغم إنها تعبير مطلق لغويًا، يعني لو جوارديولا بيلعب حاجة وكلوب بيلعب حاجة ومورينيو بيلعب حاجة فعلى مستوى ما كل واحد فيهم شايف اللي بيلعبه هو المثالية، زي ما جوارديولا شايف إن اللي بيعمله هو السعي للكمال، فعبارة Our Identity Is Intensity أو “الحِدّة هي هويتنا” برضه هي الكمال بالنسبة لكلوب، والمثير للتأمل إنها كانت الكمال بالنسبة لجوارديولا في بدايات مسيرته برضه، وفي نفس الوقت مورينيو بيشكل الفرق اللي بيدربها طبقًا لخبراته الشخصية في الحياة، الدفاع في مواجهة كل من شككوا فيه ورفضوه لما حاول يكون لاعب كورة، كل اللي قالوله إنت مش جيد كفاية وفي لاعبين تانيين أكتر موهبة منك وأحق باللعب، المعضلة اللي شرحها خورخي فالدانو بعبقرية لما إتكلم عنه هو وبينيتيز والدوافع النفسية لإختياراتهم وتفضيلاتهم ومعاداتهم لأغلب النجوم المهاريين – المهاريين بالمعنى الدارج الشعبي – وإحساسهم الدائم إن النجوم دول كسالى وبياخدوا أكبر من حقهم، وده خلى تركيزهم الأساسي على الجهد المبذول والانصياع التام والطاعة العمياء حتى لو كنت محدود الموهبة وحتى لو كنت لا تصلح للعبة في بعض الأحيان.

من المفارقات هنا إن بينيتيز، الراجل اللي ريال مدريد شكّله عقدة في حياته التدريبية لأنه كان بيحلم يكون مدربه في يوم من الأيام، كان أسعد شخص في العالم لما كان بيدرب ريال مدريد وفي نفس الوقت كان كل نجوم الخط الهجومي تقريبًا وبعض النجوم من باقي الخطوط مصابين، كان في أسعد حالاته لما كان بيلعب بفاسكيز وكازيميرو وناتشو وأربيلوا رغم عيوبهم، لأن دول نوعية اللاعبين اللي هو يقدر يخليهم يحترموه ومن ثم يسمعوا كلامه وينفذوه، دول اللاعبين اللي بيحسسوه إنه موجود في أجواء مألوفة للي اشتغل فيها في أنجح فترات مسيرته مع فالنسيا وليفربول، إديله لعيبة معيوبة أو تبدو معيوبة وهو حيتفنن في إخفاء عيوبهم وحيستمتع جدًا بده لأنه شايف ده صميم شغله، كل ما لعيبته زادت قدراتها كل ما مساحة تدخله قلت، كل ما كانوا أقل إنبهارًا بيه، كل ما كانوا أكتر استقلالية في الملعب وأكتر فردية وأقل طاعة، الـ”قدرات” دي أصلًا اللي هي كلمة إحنا بنقولها وكأنها شيء متفق عليه وواضح المعالم هي مش كده في الواقع، في لاعبين قد يكونوا أكثر قيمة عند جوارديولا من عند مورينيو أو بينيتز أو كلوب والعكس بالعكس، كل واحد فيهم بيشوف الـ”قدرات” من منظوره هو، من منظور أنا عايز إيه من اللاعب بتاعي، عايزه يجري طول الماتش في سبرنتات جنونية كأنه رايح يفجر نفسه في لاعبي الخصم، ولا عايزه يقف في مناطقه ويبقى سلاحه الأهم هو التركيز، ولا أهم حاجة عندي إنه بيعرف يستلم ويسلم بشكل صحيح، ما تندهش لما تعرف إن بعض اللاعبين اللي ممكن مدرب منهم يعتبرهم “مثاليين” مدرب تاني يعتبرهم معيوبين، بعض اللاعبين ممكن يبقوا نجوم مع واحد فيهم وبعضهم ممكن ما يدخلش القائمة ويتباع في أقرب نافذة إنتقالات.

عدد المدربين اللي بيتألقوا مع فرق متوسطة وصغيرة كل سنة بيكون أكبر بكتير من عدد المدربين اللي بيتألقوا مع فرق كبيرة كل موسم، ولما بينتقلوا لفرق كبيرة بيتصفوا ويتفلتروا وقلة قليلة منهم بس هي اللي بتنجح..لو بتسأل نفسك ليه فهو ده السبب، لأن الكورة مش معادلة حسابية بتقول إن النهارده لو معاك أربيلوا وناتشو وفاسكيز وكازيميرو وحققت بيهم نتايج يبقى حتحقق نتايج أفضل لو معاك مارسيلو وبيرلو ورونالدو وداني ألفيش، لا مش حقيقي..عمرها ما بتتحسب كده، وفي مدربين نجحوا بلاعبين إنت بتعتبرهم إستثنائيين وخوارق وفي مدربين نجحوا بلاعبين عمرك ما حتعتبرهم كده.

لو كل الصراعات دي وإنعكاسها في أرض الملعب وهوس الأشخاص بيها لدرجة تشكيل فرق كاملة من عشرات اللاعبين والمساعدين والمدربين في صورتها وإلهام ملايين الجماهير بإتباع نفس المنطق وإعتناقه، لو كل ده ما ينطبقش عليه وصف الفلسفة فمفيش حاجة تانية ينفع نقول عليها فلسفة، مشكلة الناس اللي بتشوف إن وصف زي ده مبالغ فيه في الكورة ومالوش مكان هي إنها ماهتمتش تعرف كفاية بس، وده مش عيب أبدًا، لكن بأعتقد إنك لو دققت في كل حاجة مشابهة ممكن تلاقي مساحة للفلسفة، والمساحة دي حتفضل موجودة مهما تفننا في السخرية منها وإبتكار مصطلحات جديدة للاستهزاء بيها، ويمكن أكبر دليل على إن كل ده يندرج تحت بند الفلسفة إنه كل طرق اللعب دي، ومهما أتقنها أي حد من الثلاثي لدرجة الكمال، ومهما شكل الفريق عليها زي ما هو عايز، برضه حتفضل ناقصة، عمرها ما حتكون “مثالية” مهما هم اعتقدوا ده، وحتى لو كان تنفيذها مثالي من اللاعبين ولغينا كل المتغيرات الظرفية الخارجة عن إرادتهم فحتفضل محكومة برؤيتهم وتجاربهم وخبراتهم اللي استخدموها عشان يحطوا الـ”فلسفة” دي، وحتى لو كان التنفيذ مثالي والظروف مثالية والخصوم مثاليين فرؤيتهم وتجاربهم وخبراتهم عمرها ما حتكون مثالية.

التقرير ده كان مثال رائع على ده، وبأعتقد إن لو أي حد مهتم بتحليل المساحات دي خد شوية زيادة من وقته حيكتشف إن إنطباعاته عن مدربين زي جوارديولا وكلوب وتفضيلاتهم التكتيكية حتتغير كتير لما يفهم دوافعها.

https://www.facebook.com/louay.fawzy/posts/3558533407490956