التصنيفات
افيون الشعوب مقالات الضيوف

عن تهنئة المسلمين للمسيحين

عن عدم فهم الأعياد كأمر ديني

الصراحة عجبني التعليقين اللي اتكتبوا على صفحة حمزة نمرة امبارح،
واللي كان فيهم اتنين مسيحيين مش مقتنعين بتنهئة نمرة بالعيد انطلاقا من إن التهنئة بتتكلم عن عيسى وعن نبي،
وطبعا في المسيحية لا فيه عيسى ولا فيه نبي،
وإنما في يسوع الناصري والمسيح وابن الآب والكلمة التي صارت جسدا،
والصراحة أنا شايف تعليقهم مهم جدا في حاجات كتير

فأولا إن الخلافات بتاعت نهني المسيحيين مانهنيش المسيحيين، حولت مع الوقت العيد المسيحي في منظورنا كده لمناسبة إسلامية أصلا، أو مناسبة للمسلمين يتخانقوا فيها هنتصرف ازاي وأنهي تصرف “إسلاميا” صح،
أو خناقة إسلامية علمانية، وتحس مسيحية الموضوع ضاعت في الرجلين خالص،
فالناس عمالة تتخانق بآيات وأحاديث ونصوص من الدستور الأمريكي -ولا بلاش الأمريكي- والعقد الاجتماعي وقال ابن عربي وقال روسو وكأننا مش أدام مناسبة “دينية” وتحديدا “مسيحية”، وده يودينا لثانيا

العيد طقس ديني مش مناسبة اجتماعية، ده أي عيد في أي دين، “الدين يوم المقدس” زي ما قال كايو،
مهما استوعبت الأعياد في مظاهر اجتماعية، فهي طقوس دينية بالتعريف،
وكل ما كان العيد مركزي ومحوري زي الميلاد والقيامة ورمضان والأضحى فبيكون ساعتها مرتبط بأعمق ملامح العالم الديني للدين ده، لأنه بيكون ساعتها إما تجلي للحظة بناء العالم ده وإعادة رسم وعيش ليها -زي في عيد الميلاد كده
اللي هو إعادة عيش للحظة ميلاد الخليقة الجديدة وتطهير الجسد ودخول الملكوت- أو إنه بيكون تجديد للعهد مع الآلهة -أو الإله بالنسبة للأديان التوحيدية- لبداية جديدة -زي ما عيد الأضحى بشعيرة النحر هو تجديد للوعد مع الله بقبول أمره دون تساؤل زي ما عمل إبراهيم الذي وفي، في مقابل إبليس اللي خرج من الجنة لأنه ماقتنعش بمنطقية الأمر الإلهي فرفضه

طبعا أنا مدرك إننا عايشين أيام سودة، وإن فعليا احنا في عصور الأعياد فيها ملامحها القدسية بعافية حبتين تلاتة أربعة،
وإن التفكير في العيد كشعيرة فضلا عن التفكير في عللها ومعانيها ده أمر يعني قد يكون من طلب المحال،
لكن برضه يظل الناس بتحمل معنى ديني ما للأعياد مهما كان قليل أو مهما توارى لسبب أو آخر،
والحقيقة مش شايف العادة السنوية بتاعت كل سنة وانتو طيبين يا مسيحييين بميلاد المسيح عيسى ابن مريم ديه إلا أنها زبادي خلاط طعمه وحش ومش بيأدي غير للإمعان أكتر وأكتر في عدم فهم الأعياد كأمر ديني،

طبعا من حق المسلم يستخدم جدا التهنئة ديه، بس وهو بيهني المسلمين في الحقيقة،
لأن ساعتها فقط هيبقى للتهنئة ديه معنى ديني فعلا مناسب للعيد بما هو حدث ديني!

وده يودينا لما كنت قلته مسبقا ولسة مقتنع بيه وإن لم يقتنع به أحد،
وهو إن الحل العلماني اللطيف بتحويل التهنئة بالعيد لمساحة غير دينية،
وبالتالي مساحة ببتتحرك في فضاء مفاهيم المواطنة والتعايش وخلافه، هو مش حل لطيف ولا حاجة،
وإنه في ذاته إمعان في إهدار الدلالة الدينية للطقوس ديه، خصوصا إنه ونتيجة دينية المساحة اللي هو بيصر على جعلها غير دينية بيبقى شكله وحش جدا لما يحاول بقى يتداخل مع الرؤية المسيحية عن المسيح فيقتبس آيات هو غالبا مش فاهمها من الإنجيل،
أو لو فهمها فهو على الأقل عمره ما هيقتنع بمضمونها اللاهوتي ولا هيتفهمه لأنه قطعا معارض “للعقلانية القويمة” أكتر من أي فكرة في المعتقدات الإسلامية،

أنا اسف جدا والله يا جماعة، بس شكلكوا بيبقى وحش جدا يا جماعة،
بيبقى شيء كده ما ينفعش يتقال- وبعد كده ييجي يقولنا يا جماعة انتو ليه مش “منفتحين على المسيحية”،
الحقيقة انت اللي مش منفتح على المسيحية، لأن انفتاحك ده مقتصر على إنك ب”تتسامح” مع معتقدات ناس تانية وتؤكد الاعتراف بيها، وكأن دين له ألفين سنة وفيه تنوعات وأتباع بعدد شعر راسك مستني حضرتك تمنحه الاعتراف الجميل ده،
وكأن المسيحيين منتظرين اعتراف ما بحقهم في ممارسة معتقدهم، وفين بقى يا معلم، في مصر،
اللي هي محافظة واحدة منها بس (الأسكندرية) كانت مركز من مراكز تشكيل المسيحية اللي نعرفها النهاردة أصلا،
فلو فرضنا إن الحل ده ارتضاه البعض، فالبعض دول مش من حقهم حالص ربما طلب “الانفتاح” من الآخرين،
لأن انفتاحهم ده نفسه شديد الفقر في الحقيقة ولأنه بالتحرك المضحك ما بين المساحتين الدينية والعلمانية بيفقد كل تماسك وبيفقد كونه “موقف” ما ممكن مطالب حد بيه
مساحة الانفتاح الحقيقية في الأديان في ظني هي مساحة لازم تحافظ على كونها دينية،
بمعنى إن انفتاح المسلم على دين المسيحي مش ممكن يتم إلا وهو بيتعامل مع المسيحية كدين له ملامحه الخاصة له باعتباره “عالم ديني” مختلف حتما عن الإسلام،
وانفتاح المسيحي على الإسلام مش ممكن يتم إلا وهو بيتعامل معاه كدين خاص،
وده بيكون عن طريق محاولة العبور الرمزي للعالم ده،
والمشاركة فيها ليتورجيا (تعبديا) وسرديا، من غير ترك رؤيته الدينية الخاصة بالضررورة،
وإنما عن طريق النظر للأديان كمعابر رمزية بتتشاركها الإنسانية في الوصول للقدسي، وإن كل خبرة دينية ممكن تكون مفيدة في إثراء تجربتنا الخاصة المنطلقة من الفضاءات الرمزية التي اتشكلت فيها تجربتنا الدينية،
وطبعا ده بيتعلق بتصورات معينة عن الدين ومعناه يطول شرحها هنا بس أظن كنت حكيت عنها مسبقا،
وطبعا برضه محدش اقتنع فالمسلم لما هيهني المسيحي هيهنيه وفقا لرؤية المسيحي،
بس مش تسامحا ومعايشة، ولا رومانسية، ولا اسقاطا لبعض المشاعر الدينية الباقية بعد ما اتخانق مع الإسلام فحابب يسقططها على أي دين تاني،
وإنما باعتبارها رؤية دينية قادرة على إثراء تجربته الروحية نفسها، عن طريق فهمها والمشاركة فيها كما هي بملامحها الخاصة وعالمها الديني الخاص الذي تنتمي إليه

المصدر