التصنيفات
مقالات الضيوف

عندما كنت مريضة بالاكتئاب

عندما كنت مريضة بالاكتئاب لسنوات طويلة.. كان يؤذيني ويصيبني بالألم أن ينصحني أحدهم بالصلاة لأرتاح.. أو يتهمني بالكفر وعدم الإيمان.. أو يتهمني بالضعف والاستسلام.. لم تجدي كلماتهم ولا هجومهم نفعا.. واستمر اكتئابي يزيد وغضبي يزيد أكثر ولكنني مع الوقت تعلمت أن أخفيه بابتسامات مصطنعة وضحكات غير حقيقية وفتح خطوط حديث ونقاشات لم أكن أشعر بها.. ولكنها كانت تقيني شرور ألسنتهم وتساعدني أن أحمي اكتئابي وأحصنه.. فكنت دائما ما اتهمهم بالغباء وقلة الإحساس والعجز عن الفهم وضيق الأفق..
ولكن كنت كثيرا ما أصدقهم ويؤنبني ضميري سرا فأتوضأ وأصلي وأكثر من القيام بذلك كلما استطعت ولكن لم يساعدني ذلك في الشفاء! أبدا لم تمنحني الصلاة إجابات.. ولم ينفعني ختم القرآن.. على قدر صدمة البعض مما أقول..

وبعد سنوات من الصراع النفسي المرير.. وبعد زيارات فاشلة لأطباء.. وبعد قراءات وتباحث لأفهم طبيعة الاكتئاب ومعنى الحياة.. وسبب وجودي ودور الدين في حياتنا.. فهمت.
فهمت أن الدين قد يشفي من الاكتئاب ولكن أي جزء في الدين؟
هل هو دين العبادات؟ صلاة وصيام وسماع قراءن؟ وحج وعمرة؟ لا هذا لا يزيد القلب إلا اغتراب مع الاكتئاب.. فالمكتئب قليل ومعدم الطاقة ولن يقوى على القيام بها.. المكتئب فاقد الهوية ويملؤه إحساس العدمية وفاقد المغزى من الحياة .. فلن يشعر بعبادة إن قام بها.. بل قد تزيد ممارسة العبادة من بؤسه وألمه.. فهي بمثابة عبء إضافي يعزز إحساسه بالعجز..

والمكتئب المتدين ظاهرا قد يناجي الله في قلبه ويدعوه سرا طلبا للمساعدة ولكنه لن يقوى على العبادة.. فهو يدعوه وهو يشعر بالتقصير والخوف ولكنه يعلم أن الله ينطر إلى ضعفه برحمة وعلم .. ولذلك فهو في دعاءه يطلب النجاة من الله بمعجزة سحرية لا تتطلب منه أي مجهود.. لأن الاكتئاب هو حالة من العجز النفسي قبل الجسدي..

إذا كيف يشفي الدين من الاكتئاب؟

الاكتئاب يحدث كلما زادت المساحة بين التوقعات والواقع. عندما لا يحبنا من نحب كما نريد وبالقدر الذي نريده.. عندما لا يرانا الناس كما نتوقع.. عندما لا يقبلنا من منوط به أن يفتتن بنا.. عندما لا ننجح في مجال توقعنا سيادته.. وهكذا .. فهو شعور عام بعدم النجاح وعدم الجدوى (نفسية-أكاديمية-عاطفية-عملية..إلخ)
فكيف ستمحي العبادة هذا الفراغ دون أساس؟

الأساس هو العقيدة.. والعقيدة هي أصل الإيمان.. العقيدة تجاوب على أسئلة بدائية ولكنها أساسية.. من هو الله.. ما صفاته.. ما هي فلسفته في الأرض؟ لماذا خلقنا؟ وهل هناك دار آخرة؟ وهكذا

ودون العقيدة لا إيمان.. ودون الإجابات لا شفاء ولا تنوير..

د. فيكتور فرانلكن في كتابه “الإنسان يبحث عن معنى” يقول أن كل مرضاه والذين عانوا من كل ألوان العذاب كانت أزمتهم الحقيقية في البحث عن معنى لحياتهم.. عن دور وقيمة.. و لكن أي قيمة يقصد؟ فكثير من السياسين الناجحين البارزين منهم رؤساء دول وفنانين عالميين وكتاب لهم قاعدة شعبية عريضة يعانوا من الاكتئاب ويقدموا على الانتحار.. لماذا؟ وقد حققوا نجاح وشهرة وثروة؟ فبمعايير الدنيا فلديهم الدور وقيمة أبدية؟ ( اقرأ كتاب الاكتئاب مرض كل عصر) فلماذا كل هذا الألم؟ ولماذا ترتفع معدلات الانتحار في أكثر الدول تقدما ورفاهية؟

https://www.facebook.com/Miral.el.masry58/posts/10160253423765254