التصنيفات
مقالات الضيوف

تعريف ايه هو أصلا “التحرش”

أظن والله أعلم إن أفضل شيء حصل من امبارح بسبب فيديو التجمع، هو ظهور اختلاف كبير جدا في تعريف ايه هو أصلا “التحرش”، وإن الخلاف ده في معرفة ايه هو التحرش أصبح واضح وفيه وعي كبير جدا بيه لدرجة إن كتير بقى بيحاول يقدم كلامه أو يبرر رأيه بمحاولة تحديد ايه هو التحرش

اللي أنا عايز اقوله حاجة واحدة بس، وهو ليه مفيش تحديد واضح لإيه هو التحرش؟
الحقيقة إن وزي ما بورديو بيقول فكل الخلافات البشرية أصلا هي خلافات حوالين تحديد المفاهيم، وده لأن تحديد المفهوم مش مسألة نظرية، التحديده دوما بيخدم فاعلين اجتماعيين ما، فتحديد المفاهيم عملية صراع يومية تقريبا لتحقيق مصالح ما
وفي أحيان كتير، بتتحول الصراعات والخناقات ديه بين الناس، لمش خناقات من أجل تحديد مفهوم ما بدلالة معينة حتى، وإنما خناقات حوالين نحدد المفهوم الفلاني أصلا ولا نسيبه من غير تحديد، والناس على خلاف نوعها وفئاتها ومصالحها بتدير الخلافات ديه وبتدخلها وتتخانق فيها وبتاخد مواقف على أساس اللي بيحققه الموقف من مصالح ليهم ولنوعهم ولطبقتهم ولموقعهم

يعني مثلا في موضوعنا، عدم وضوح ايه هو التحرش، ده مفيد لناس كتيرة جدا، يعني مفيد لأشخاص مثلا عاوزين يتحرشوا ويقتحموا خصوصيات الآخرين ويفرضوا نفسهم عليهم ويستغلوهم لكن من غير ما يوصموا بالمتحرشين، وبالتالي بقاء المفهوم غائم، وغير متفق إلا على مساحة صغيرة جدا منه اللي هي التعدي المباشر والواضح ماديا أو لفظيا، ده مفيد جدا في ظهور كتير من حيل التحرش اللي بيقوم بيها ناس شيك ومثقفة ومتعلمة ومصدرة باعتبارها متدينة أحيانا وكل ده، وساعة ماحد يكلمه، يقولك ده مش تحرش ده صابون ثقافي أو محاولة إفادة أو “عشان ماينفعش تقف هنا بلبسها ده”

كمان عدم التحديد ده مفيد جدا لبعض البنات اللي بتربط التحرش بالطبقة الاجتماعية، بمعنى أن التحرش يبقى هو معاكسة طبقة معينة، فيقى التحرش محاولة لوصم طبقة ما بالدونية الأخلاقية واللزوجة وعدم مراعاة الخصوصية، واقصاء الطبقات ديه خارج عالم تعاملاتها، بمعنى إن تحديد التحرش في الحالة ديه يبقى موضوع مالوش علاقة أصلا بالجنس ولا بالجسد، وإنما جزء من ممارسة التمييز، عشان كده لما بنت تتعامل مع ملاطفة شخص من طبقتها باعتبارها خفة دم ولطافة و”شقاوة”، وتعامل نفس الفعل من سواق توكتوك باعتباره تحرش، فده مش لأن الولد ده عاجبها وده مش عاجبها زي الناس مابتقول من امبارح، وإنما لأن التحرش هنا ولأنه غائم المعنى، فهو بيتوظف في سياق تاني خالص، بعيد عن الجسد تماما، سياق التمييز والحفاظ على الحدود بين الطبقات

كذلك غيومة دلالة المفهوم ده مفيد جدا للمجتمع نفسه، بحيث إنه بيبعد عنه مسؤولية التدخل في تحرشات تحدث تحت عينه يوميا، فبيسمحله بإنه يقدر يغطي على أشكال كتير للتحرش الواضح لأنها مش تحرش بأضيق معاني الكلمة اللي هو بتكون “التعدي الإرادي الواضح باللفظ أو اليد” فيخرج منها التعدي اللي ماتقدرش تقول عليه كده من برة هو إرادي ولا لأ، اللي ييركب مواصلات عامة فاهم مقصدي طبعا

وبالتالي ففيه أصناف كتير الأفضل ليهم إن يكون مش مفهوم إيه هو التحرش، لكن في الحقيقة ده مضر جدا للمتضررين من عدم تحديد المفهوم، سواء البنت اللي عاوزة تشعر بأمان، أو الولد اللي مش محتاج يعمل زي “متحرش التجمع” عشان بنت تخاف منه، أحيانا ممكن بنت تشوفك طالع الرصيف تنزل هي منه جري وتبصلك بخوف رغم إنك ممكن ماتكونش خدت بالك منها وأنت طالع الرصيف أصلا، لكن من اللي بتشوفه هي يوميا من تحرش بارع في مداراة كونه تحرش مستغلا عدم الاتفاق على تحديد دلالته

وظني إن الأفضل مش تحديد ايه هو التحرش كده ع طول، لأن التحرش هو مفهوم سلبي وبالتالي تحديده المفترض لاحق لتحديد المفهوم الايجابي، فأولا لازم نحدد، ازاي المفترض الولد والبنت يتعاملوا مع بعض، ف الشارع ف الجامعة ف الميكروباظ، ف اون سا ران، ايه هي المساحات الطبيعية والآمنة والمنطقية في تعامل الناس مع بعض، بعدين ربما هيكون من السهل اننا نعرف ايه السلبي والمريب وغير الطبيعي وبالتالي هنعرف نحدد ايه هو التحرش، ومشتقاته المتخفية، الاستغلال والاستهبال والاستنطاع وهلم جرا

https://www.facebook.com/tarek.hegi/posts/1883816971711353?__tn__=K-R