التصنيفات
مقالات الضيوف

الناس في مصر عايزة تعمل في سن العشرين الواجب بتاع سن الأربعين

وكأن الحياة سوف تنتهي غدًا

من بين كل شعوب الأرض..المصريين عايزين يبدأوا حياتهم من نقطة النهاية..الواحد يبدأ حياته ببيت بسيط، أثاث متواضع، وأجهزة إلكترونية محدودة، وبعدين دخله يكبر وينتقل لبيت جديد بإمكانات أكبر، وهكذا حياة متناسبة مع نمط الدخل..انهارده معايا هعيش على قدي واتبسط، بكره معايا أكتر، هعيش عيشة أحسن وأتبسط أكتر..مينفعش طبعًا..

هنا الناس عايزة تعمل في سن العشرين الواجب بتاع سن الأربعين..مينفعش الناس تتجوز في بيت مفيهوش 90 نوع أجهزة كهربائية، ولا أوضة نوم للأطفال قبل ما يشرفوا، ولا 60 نوع مفارش وملايات، ولا بيت من ساسه لرأسه متروس نجف وسجاد..مينفعش طبعًا..لأن الناس هتأكل وشنا، فنستلف ونتداين ونضيع تحويشة العمر في خبطة، ونضغط على أهالينا، وندخل سباق مجنون للتباهي والفشخرة، عشان نعمل بيتنا متحف صغير لكل منتجات الحضارة منذ اختراع آلات البخار..حتى لو فوق قدرتنا الشرائية، حتى لو بكره الصبح، هنلاقي رصيدنا مصفّر في البنك..أهم شيء الاكتناز..جمّع ما استطعت وكأن الحياة سوف تنتهي غدًا.

لأ..والناس تتسجن..ابن وبنت يرضوا لأمهم إنها تجرب أحط حياة ممكنة بين الحجوزات والأقسام والسجون وعربيات الترحيلات عشان هما يتجوزوا ومنظرهم قصاد أهل قريتهم يبقى كويس..تقلب الجملة وتعيدها ألف مرة ومش هتفهمها..تتسجني ليه وأنتي رايحة تفرحي ببناتك؟ أي خلل ومنطق يستوعب ذلك؟ بصراحة وحتى لا نحتكر امتياز التخلف، هناك شعوب أخرى متأخرة عقليًا، أو اجتماعيًا من باب اللياقة زينا، وهم الهنود..الأب هو اللي بيجهز بنته ويدفع لها المهر، فتلاقيه موظف محترم نهارًا، حرامي طيور ليلًا، عشان أهل العريس مياكلوش وشه..والمحاكم تعج بقضايا سرقات الأهل..وبيكونوا فرحانين فعلًا أنهم تجاوزوا اختبار تجهيز العروسة حتى لو الثمن حريتهم..بره الشعبين دول يستحيل تلاقي أنماط مختلة كتلك.

ساقية والناس بتدور فيها طواعية وطعم الحياة باين على وجوههم فعلًا..الحياة بالنسبة لهم مراحل..يدرس، يخلص، يشتغل، يخلص، يجهز، يخلص، ودي مرحلة الموت، فلازم تيجي..والاستمتاع فين..صفر..حياة كاملة مليئة بدراما ذاتية مخيفة..لا يوجد فيها للاستمتاع بالدنيا مكان..مع إن الناس تقدر تعيش وتنبسط فعلًا..بس الوحش اللي صنعوه بإيديهم مانعهم..يعني في بلاد الله اللطيفة..الناس بيكون عندها خطة تقاعد، وعايزين يسافروا مصر يشوفوا آثار فرعونية، ولا تركيا يقعدوا على البحر، ولا كوبا يستمتعوا بالشمس الدافئة..وخلاص اشتغلوا طول عمرهم ولسه فاضل خطوتين في الدنيا وتنتهي، فلازم يأخدوا نصيبهم من الفرح قبل لحظة وداع.

هنا خطة التقاعد الوحيدة هي انتظار الموت..تلاقي الناس معاها فلوس في آخر حياتها..بس مستخسرة تصرفها على متعتها الشخصية، وكبيرهم يوم ما يسافروا يروحوا مصيف أسبوعين، وأول ما يوصلوا سن الخمسين، يبقى يالا حسن الختام، ويحافظوا على كل قرش لأولادهم من بعدهم، لأنهم فعلًا هيموتوا لو مسابوش حاجة تسترهم، ولا هيعرفوا يتجوزوا ولا يفتحوا بيت..فالأب يحرم نفسه من حقه الطبيعي في الاستمتاع بالدنيا، عشان يسيب لأولاده فلوس، يبدأو بها حياة ويكرروا نفس المأساة من جديد، ويفضلوا برضه دافنين نفسهم بالحياة..عشان ولادهم اللي في علم الغيب.

طيب ما من الأول..ابدأ الحياة بالراحة، واتبسط على قدّك، واتجوز على قدّك، واكبروا سوا، وربك يكرم فتوسعوا على نفسكوا، وعلموا ولادك وربوهم وارموهم في الدنيا، يقابلوا ناس ويعيشوا على قدهم ويكبروا معاهم..واستمتعوا بالدنيا صغارًا وأنتوا مش مضطرين تحملوا نفسكم بأعباء معيشية أكبر منكم، وكبارًا لما تكافئوا نفسكم، وتصرفوا تحويشة العمر على سفركم وترفيهكم، بدل ما الفلوس مدفونة وأنتوا معاها بالحيا..عيشوا حياة كالحياة..مش حياة مؤجلة..حياة ع الريحة..بنشوف الناس بتعيشها واحنا نمصمص شفاهنا حسرةَ..وكفاية دوائر جهنمية من جنون الاكتناز واستنزاف البهرجة..والتجربة قالت ألف مرة إنه لا بنى بيت كويس ولا شال هم من ع الأكتاف !

المصدر