التصنيفات
مقالات الضيوف

الفن يضفي على الأشياء العادية نبالة ووقار

هناك طرقًا أخرى لرؤية الأشياء

لا يستطيع الإنسان بسهولة أن يصمد أمام شكوى صديقه الذي فقد حبيبته مؤخرًا أكثر من عشر دقائق قبل أن يربت على كتفه منهيًا هذا الصياح المرير قائلًا له: “اللي خلق اللي خلفوها خلق غيرها، اجمد كدة” ثم يعود إلى البيت فاقدًا نصف طاقته التي تبرع بها للتو.

لكن إذا تحولت هذه الشكوى إلى ساعة وربع بألحان بليغ حمدي وكلمات مأمون الشناوي، وأم كلثوم التي تنادي في مطلعها:

بعيد عنك حياتي عذاب ما تبعدنيش بعيد عنك!

فقد تستطيع الاستماع لهذه الشكوى ولهذه الروح المنهكة على لسان أم كلثوم عشرات المرات، لأن الفن يضفي على الأشياء العادية نبالة ووقار!

اشتهر الرسام أوتو ديكس برسم شخصيات ووجوه مشوهة في لوحاته، وصفها الرايخ الثالث فيما بعد بأنها “فن منحط”، أنصف النقاد بعد ذلك لوحات ديكس، ورأوها جميلة لأنها تحدي لما هو مألوف ونابض بالحياة، وأنها رغم قبحها الواضح إلا أنها انتصرت في التعبير عن الجمال المفقود بداخلها، وبرهنت أن هناك طرقًا أخرى لرؤية الأشياء.

هذا بالتحديد ما يفعله الفن: “لا نوم ولا دمع في عنيا .. ما خلاش الفراق فيا”. تحدي البحث عن الجمال المفقود.

الجميل في الفن ليس شرطًا أن يكون جميلًا في الطبيعة.

رسمة الحذاء لفان جوخ ليست جميلة بالمعنى الدارج للجمال، ولكنها ترمز إلى جمال ما غير موجود أمامك وليس له أي أثر فيما تنظر إليه!

“وبين الليل وآلامه
وبين الخوف وأوهامه
بخاف عليك وبخاف تنساني”

لكانط مقولة في نقد ملكة الحكم يقول: “الفن لا يريد تمثل الشيء الجميل، بل التمثل الجميل للشيء”

فإذا قلت:
“سأظل معكِ حتى تحترق النجوم”: فهو تمثل الشيء الجميل.

ولو قلت:
“لا أريد من الحب غير البداية”: فهو تمثل جميل للشيء.

أما إن قلت:
“يا حبيبي وانت فين؟، كنت بشتاقلك وانا وانت هنا.. بيني وبينك خطوتين”: فهذا والله تمثل جميل لشيء جميل.

المصدر