التصنيفات
مقالات الضيوف

الفلوس حل لكل حاجة

طب لو الفلوس مش حتديك الحرية!

مهما حصل، حيفضل عندنا تخيل إن كل حاجة في حياة لاعب الكورة سهلة عشان الفلوس الكتير.

التخيل ده ساذج وينم عن قلة خبرة،
لكن الأهم من قلة الخبرة، إنه ينم عن قلة الفلوس معانا كلنا،
وهي دي الحقيقة اللي بتخلي القصة دي معضلة حقيقية عمر ما البشر حيقدروا يحلوها لحد قيام الساعة،

إن اللي بيتخيل إن الفلوس حل لكل حاجة،
هو في كل الحالات، مش أغلبها حتى، إنسان يفتقد للفلوس دي،
ولو كانت معاه كان حيعرف إنها مش الإجابة على كل أسئلته ومشاكله، فبندخل في الدايرة المفرغة المعتادة اللي فيها الناس اللي معاها فلوس وجربت فعلًا هي اللي بتأكد إن مازال عندها مشاكل عميقة وكبيرة ما تقدرش الفلوس تحلها، فمحدش بيصدقهم، وهكذا.

فكر شوية في الموضوع؛
الفلوس بتخلي حياتك أسهل؟ أكيد مفيش شك،
لكن هل إنت معتقد فعلًا إن الفلوس ممكن تعوضك عن العلاقات الإنسانية؟ عن صحابك؟ عن ذكرياتك وعن أهلك؟

لو بسطت الموضوع شوية حتلاقيه بيحصل حتى على مقياس أقل من لعيبة الكورة بكتير، كام مرة شفت صاحبك المغترب في الخليج بيشتكي من الغربة والوحدة وما صدقتوش واتريأت عليه لأنك برضه متخيل إن الفلوس حتعوضه عن الراحة اللي بيلاقيها في بيته،
والألفة اللي بيلاقيها في كل تفاصيل حياته في مصر،
حتى لو مصر كانت مطلعة كفران اللي خلفوه.

في الواقع المثال ده من أوضح ما يمكن، لو كنت إنت نفسك جربت تجربة الإغتراب فحتعرف إنها صعبة، رغم إنك غالبًا كنت حتبقى مغترب في بلد أفضل من مصر بالمعايير المنطقية الحسابية، وده بيوديك لسؤال تاني أهم؛ هي إيه فايدة الفلوس أصلًا؟

فايدتها هي كلمة واحدة بس؛ الحرية،
لو الفلوس مش حتديك الحرية ففعلًا مالهاش قيمة،
لو الفلوس مش حتساعدك تاخد القرار اللي إنت عايزه في الوقت اللي إنت عايزه، يبقى لازمتها إيه؟
لو حيبقى معاك فلوس كتير بس حتبقى مضطر لاختيارات معينة ومجبر عليها، يبقى كسبت إيه؟
ميسي أكيد مش حيتغرب عن أهله، ومعاه فلوس تخليه ينقل البيت بتاعه من كتالونيا لباريس زي ما هو كده،
وكده كده مش طبيعي يصعب عليك لأنه بدل ما كان حياخد 20 مليون يورو في السنة ويقعد في برشلونة بقى حياخد 40 مليون يورو في السنة وحيقعد في باريس،
دي كلها أرقام وتخيلات بره نطاق استيعابك واستيعابي، لكن رغم كده، طبيعي تتعاطف معاه لأنه إنسان بيبكي في لحظة فقد أو خسارة، أو حتى تتفهم ده وتدرك إنه إنسان بيتألم حتى لو مش حتتعاطف معاه وبتكرهه، رغم كل الفلوس دي هو عنده كتير يخسره،
ببساطة لأنه مازال بني آدم، الفلوس ما حولتهوش لروبوت.

طبعًا ده كلام فاضي من وجهة نظرك وعمرك ما حتقتنع بيه لأننا مازلنا محبوسين في الدايرة المفرغة المعتادة، وفي واحد حياخد 40 مليون يورو في السنة واقف قدامك بيقولك إن الفلوس مش كل حاجة فعمرك ما حتصدقه، لكن الحقيقة إن في واحد تاني مشي من برشلونة برضه عشان ياخد فلوس أكتر، وكان متخيل كمان إنه حياخد شهرة ونجومية أكبر، وناصر الخليفي كتبله مجموعة فنادق باسمه، ووصلت بيه الرفاهية المادية إنه كان مستثنى من عقود الرعاية الفارهة بتاعت النادي، يعني مثلًا لوي فيتون كان متعاقد مع باريس عشان يدي للعيبة شنطهم الشخصية، فالراجل ده قالهم لا أنا مش عاجبني لوي فيتون، أنا عايز إيف سان لورون، دي كانت درجة الرفاهية اللي هو كان عايش فيها.
مع ذلك الراجل ده كان بيعيط عشان يرجع برشلونة، وطلع أهان ناديه وولي نعمته الحالي في تصريح رسمي عشان عايز يرجع، واتكلم وكأنه مازال لاعب في برشلونة وقال أعظم لحظة في مسيرتي كانت لما هزمـ”نا” باريس، مش عشان برشلونة أعظم نادي في التاريخ وأكتر نادي حيحقق معاه بطولات، ومش عشان نيمار مثال يحتذى به وإنسان عظيم، لكن ببساطة لأن برشلونة كمدينة وكنادي كان عنده حاجة هو بيدور عليها، ممكن الحاجة دي ما تكونش منطقية بالنسبة لك بس هي مهمة بالنسبة له هو،

ممكن الحاجة دي تكون موجودة في نورويتش عند لعيب تاني،
أو سيلتا فيجو عند لعيب تالت،
أو تورينو عند لعيب رابع،
والمفارقة بقى أن اللي خلاه يدرك مدى أهميتها هو إنه خد من الفلوس لحد ما شبع، أحيانًا وفرة الفلوس بتكون السبب الرئيسي في إنك تدرك أهمية باقي الحاجات في الحياة.

المهم كمان، إن نيمار ما قعدش في برشلونة أكتر من 4 سنين..4 سنين فقط لا غير، وده يودينا للتخيل الساذج التاني؛
وهو إن في بني آدم ممكن يقعد في مكان واحد 15 سنة،
ويبدع في اللي بيعمله، ويعمله بشغف وحب، وتكون الفلوس هي اللي بتتحكم في قراره.

ده برضه شيء مستحيل عمليًا.

في تصريح سابق، خلدون المبارك رئيس مانشستر سيتي قال نصًا إنه عرض على ميسي 3 أضعاف مرتبه في برشلونة ورفض.
ليه واحد ممكن يرفض 3 أضعاف مرتبه في أي حتة حتى لو جهنم؟
3 احتمالات مفيش غيرهم،
إما إنه وفي لبرشلونة فعلًا وده احتمال مستبعد بالنسبة لك،
أو إنه بيكره الحياة في إنجلترا ودي حاجة إنت حتشوفها تافهة جدًا لرفض عرض زي ده،
أو الاحتمال الأقرب ليك لو إنت مش من محبي ميسي، وهو إنه خايف ليروح مانشستر سيتي يتكشف هناك ويبان إنه مش لاعب خارق ولا حاجة.

في مشكلة واحدة في النظرية دي، أنه العرض ده كان في 2018،
وفي وجود جوارديولا على راس الجهاز الفني في مانشستر سيتي، الراجل اللي طلع من ميسي أحسن حاجة عنده،
واللي خلاه أحسن لاعب في العالم، واللي مش حيرفضله طلب،
مفيش ظروف أحسن من كده،
وكمان كان قبل ما ميسي يقدم واحد من أعظم مواسمه على الإطلاق 2018-2019.

في مشكلة تانية في النظرية دي،
إن ميسي وقتها كان عنده 31 سنة بالفعل،
وكان ده حيبقى آخر عقد في مسيرته، فسواء إنكشف وبان على حقيقته أو لأ، هو حياخد الفلوس كلها لحد آخر مليم حتى لو قعد مدة العقد في بيتهم.

في مشكلة تالتة في النظرية دي،
إنه حتى لو المشكلتين الأولانيين بلح، وإنه خايف ينكشف فعلًا، فده مازال دليل على إن الفلوس ما حلتلوش المشكلة دي، وإنه ده بني آدم، ممكن يكون منظره قدام الجمهور والإعلام أهم عنده من 60 مليون يورو زيادة سنويًا مضروبة في 5 سنين، يعني 300 مليون يورو،
دي الزيادة بس عن اللي كان بياخده في برشلونة.

كل ده بفرض أسوأ الاحتمالات،
إن الإنسان ده ماعندوش أي مشاعر غير الخوف بس، ما بيرتبطش عاطفيًا بمكان أو ناس أو جو أو غيره، ما بيتعودش على أي حاجة بالتالي ما بيحسش بأي ألم لما حيخسرها، روبوت بس بيخاف بس.

كل ده كمان قايم على فرضية في منتهى العبط، وهي إنك ممكن تقعد 15 سنة في مكان واحد بس لأنك كلب فلوس (كلمة أنا نفسي قلتها عن ميسي في لحظة ما وإكتشفت مدى عبطها)،
والفرضية دي بتتجاهل إنت عملت إيه في الـ15 سنة دول، وعملته إزاي، وقد إيه كنت شغوف بيه ومبدع فيه، ودي الحاجة اللي ما يفرقش فيها اللي معاه فلوس من اللي معهوش،
أيًا كانت وظيفتك، فالفلوس حتخليك تعملها عشان تقبض آخر الشهر، لكن عمرها ما تكون دافع كافي عشان تعملها بالإتقان والمزاج والروقان ده، ولو كانت كافية لفترة معينة، فعمرها ما حتكون كافية لـ15 سنة أبدًا.

الفرضية دي كمان بتتجاهل إن الثراء محفز للملل، بعد ما بتغتني وبتشتري كل اللي نفسك فيه مرة واتنين وتلاتة، وهي مرحلة أكيد كان ميسي وصلها في 2018، بتيجي الرغبة في التغيير بقى، والملل بيقتلك، وبتبقى مستعد تمشي حتى لو حتاخد فلوس أقل مش أكتر لأنك مازلت بتدور على اللي مش عندك، دي حاجة ما بتتغيرش أبدًا في البني آدم، إنه بيفضل يدور على اللي مش عنده حتى لو معاه مليارات، واللي بيفرق بني آدم عن التاني هو مدى تحكمه في نفسه في اللحظة دي، لكن كلنا بنعمل ده.

عند لحظة ما ميسي كان بيعيط لأنه مجبر على اختيار هو مش عايزه، ولأنه في اللحظة دي كل الفلوس دي ما نفعتش بحاجة وكان الموضوع أكبر منه، وبقى محطوط بين اختيارين سيئين بالنسبة له،
إما إنه يعتزل فورًا، وهو بيترشح للبالون الدور السابعة في مسيرته،
ومن أفضل 3 لعيبة مثلًا في أوروبا والعالم في اللحظة دي،
وأفضل لاعب في الكوبا اللي لسه فايز بيها،
أو إنه يسيب المكان اللي قضى فيه 20 سنة من حياته،
أكتر ما قعد في الأرجنتين أصلًا،
والمكان اللي ولاده ما يعرفوش غيره.

طبعًا ميسي حيروح باريس يقعد في بيت قد كده ويركب عربية قد كده ويعيش أكتر حياة مرفهة ممكنة،
ماحدش محتاج يعيط عشان خاطره،
لكن هو اللي كان بيعيط لأنه في اللحظة دي كل القوة والشهرة والنجومية والنفوذ والفلوس ما نفعوش بحاجة،
ما إدولوش الحرية اللي المفروض يدوهاله ولقى نفسه مجبر يعمل حاجة مش عايز يعملها، ومستعد يخفض مرتبه للنص عشان ما يعملهاش، ويعيط زي الأطفال لأنه مش مستوعب إنه حيعملها.

المصدر