التصنيفات
مقالات الضيوف

العلوم الطبيعية والكلمات المتقاطعة

إيه أهم مؤشر إن الواحد بيحل الكلمات المتقاطعة صح؟

من أكتر التشبيهات المفيدة للعلوم الطبيعية: إنها عاملة زى الكلمات المتقاطعة. كلمات متقاطعة كبيرة جدا لدرجة إنها ممكن يحلها أكتر من شخص فى نفس الوقت، كل واحد شغال فى جزء منها. الأجيال اللى بعدهم بتورثها وبتكمل حل ويسلموا بدورهم لأجيال بعدهم.

إيه أهم مؤشر إن الواحد بيحل الكلمات المتقاطعة صح؟ إن الحلول الأفقية والرأسية تمشى مع بعض. فى الأول الناس ممكن تغلط كتير، لأن الورقة فاضية والاحتمالات ممكن تكون كتيرة وأكثر من مرادف يمشى فى نفس المكان، لكن مع الوقت إحتمال الخطأ بيقل، وفى نفس الوقت المهمة تصعب. كل واحد عايز يكمل حل جزء من الكلمات المتقاطعة بعد ما الناس اشتغلت فيها، عليه قيود أكتر لأن الورقة مش فاضية، كل كلمة جديدة هيكتبها لازم تكون ماشية مع الكلمات القديمة اللى مكتوبة بالفعل، ماينفعش يحشر كلمة عافية وخلاص.

ممكن تحصل أخطاء؟ ممكن طبعا، خصوصا لو شغالين فى جزء فاضى من الورقة. ممكن تحصل أخطاء فى جزء مليان حلول؟ ممكن، بس إحتمال أقل. طيب لو واحد قال لأ على فكرة أنا هاكتب كلمة هنا وهامسح كل اللى حواليها علشان كله غلط؟ ده تهريج، مش علشان كلمة واحدة محدش لسا عرف يحلها تمسح كل المكتوب، عايز تمسح المكتوب ورينا حل بديل مش للكلمة الجديدة بس، لكن لكل اللى حواليها اللى هتمسحه ده. لو معندكش حلول بديلة يبقى المنطق بيقول إن كلمتك الوحيدة دى هى اللى غلط والحل مختلف

تراكم الحلول المتعشقة مع بعضها ده هو التراكم المعرفي. ليه المتخصصين مش بسهولة بيقبلوا رأى جديد راديكالى؟ علشان محافظين وخلاص؟ غالبا لأ مع كامل الاحترام لكل واحد قرأ كتاب توماس كون الأشهر. علشان الفكرة الجديدة دى غالبا هتهدم أفكار تانية قديمة و مستقرة ومتفقة مع الأدلة من غير ما تقدم لها بدايل أفضل. قدمت بدايل أفضل؟ تاريخ العلوم بيقول لنا إن حلك غالبا هيتقبل بسرعة جدا.

كل الثورات اللى حصلت فى العلوم تحديدا عملت كده (بس بلاش لو سمحتم ناخد كلمة ثورة بطريقة حرفية، مافيش ثورات أوى هنا)، قدمت جديد وفى نفس الوقت وضحت إزاى القديم ده متفق مع الجديد. لما النسبية الخاصة و نظرية الكم ظهروا، الناس اللى طوروهم أوضحوا فى نفس اللحظة إزاى النظريات دى متفقة مع ميكانيكا نيوتن التقليدية اللى كلنا عارفين إنها صح داخل حدود معينة من غير أدنى مجال للشك فيها (ممكن نشتق ميكانيكا نيوتن من النظريات الجديدة) .

بتبقى لحظة عظيمة جدا بقى لما شوية ناس شغالين فى ركن من أركان الكلمات المتقاطعة، يقابلوا ناس تانيين كانوا شغالين فى ركن تانى بعيد, ويلاقوا حلولهم راكبة على بعض حرف بحرف. مافيش دليل أحسن من كده إن اللى وصلوا له ده مش صدفة ولا مؤامرة.

زى أى صورة، صورة الكلمات المتقاطعة مش كاملة وعلى الأقل غايب عنها عنصر مهم: الترتيب. الكلمات المتقاطعة ممكن نبدأ نحلها من أى مكان. العلوم مش كده. ماكانش ينفع نكتشف الطاقة الذرية قبل مانكتشف الذرة، وده ماكانش هينفع قبل ما نطور تكنولوجيا معينة ورياضيات معينة… إلخ. الناس ماكتشفتش قوانين ماكسويل اللى بتحكم الكهرباء والمغتاطيسية فى القرن ال19 علشان اللى قبلهم كانوا أغبياء. كنا محتاجين تراكم معرفى محتاج آلاف السنين علشان نوصل للحظة دى. علشان كده كمان بتلاقى اكتشافات كتيرة اكتشفها أكتر من عالم فى نفس الوقت وبطريقة مستقلة. العلم وصل فى اللحظة دى إن الاكتشاف ده ممكن نكتشفه لو اشتغلنا على النقطة دى. إيه اللى كان هيحصل لو نيوتن مات صغير فى حادث؟ واحد غيره كان هيعمل شغله، وده مش تخمين خالص، التاريخ اللى عارفينه وإسهامات الناس اللى قبل نيوتن والمعاصرين له بتقول كده. أينشتاين؟ نفس القصة.

صورة الكلمات المتقاطعة دى لقيتها فى كتابين، كتاب هنرى باور (أنصح به لغير المشتغلين بالعلم) وكتاب سوزان هاك Defending science within reason.

المصدر