التصنيفات
مقالات الضيوف

الحرفنة الاقتصادية البرازيلية


***
تجربة البرازيل من أنجح التجارب الاقتصادية الحديثة واللي خلت البرازيل سابع أغنى دولة في العالم حاليا .. وقوتها السياسية ونفوذها الدولي على أعلى المستويات .. ومهما اتعرضت دلوقتي لأزمات فمش ممكن ترجع 10% مماكنت عليه قبل كده .
*
التجربة دي ممكن تكون الأقرب للحالة المصرية .. وتنفيذها هو اللي يخرج مصر من اللي بتعانيه اقتصاديا دلوقتي .. لأن البرازيل مشيت خلال فترات حكمها زي ما مشيت مصر بالقلم والمسطرة .. ناقصها بس الفترة المدنية للدولة .
*
من سنة 1930 لحد سنة 1975 اتبهدلت البرازيل بالحكم العسكري المطلق ومن تحتهم طبقة رجال الاعمال اللي بيساندوهم والشعب ساعتها كح تراب .. فطبعا كترت الاحتجاجات والثورات واتقابلت من السلطة بالتخوين فالاعتقالات فالتعذيب .. فاتحول بعدها الشعب البرازيلي لأكبر شعوب العالم إجراما ( إلى الآن معدل الجريمة البرازيلية وحالات القتل هي من الاعلى عالميا ) .. لأن العسكر لما طحنوا الجيل الغلبان .. جه ولادهم كفروا بكل معاني السلمية وسيادة الدولة .. فقوموها حرب أهلية طحنت فلول العسكر ورجال الاعمال وخدت في الرجلين المواطن المسالم معاهم .
*
الدولة خربت ومعدش فيها فلوس وشحتت من طوب الارض .. فالعسكر شحتوا مع الشعب في فترة الجنرالات المدنيين من سنة 1975 لحد سنة 1985 م ودي المرحلة التانية بعد حكم الجنرالات العسكريين ( توضيح : الجنرالات العسكريين يعني رتبة وبيحكم الدولة .. والجنرالات المدنيين هم العسكريين المتقاعدين وبيحكموا برضه ) .. فحتى البنك الدولي مارضيش يسلفهم بعد ما الدين العام تضاعف 900 % .. جه بعد كده حكام مدنيين ديموقراطيين من سنة 1985 لحد سنة 2003 وحاولوا يقوموا الدولة بكل الطرق المتاحة .. لكن كل محاولتهم فشلت عشان الفقر المدقع للدولة .. وقيمة العملة اللي بقى في الحضيض .
*
أخيرا جالهم حد بيفهم في الهري ده كله .. وهو الرئيس ( لولا دا سيلفا ) .. الراجل اللي اتولد فقير واتفرم في مجتمع اجرامي من الطراز الاول .. وشاف بعنيه ظلم الاعتقال وبطش العسكر والمواطن اللي بيموت من الجوع فعليا .
*
أول ما مسك ( لولا دا سيلفا ) الكل خاف منه .. رجال الاعمال قالوا هينتصر للفقراء اللي هو منهم .. والفقراء قالوا ها ينغ نغ نفسه على قفا الشعب مع رجال الاعمال في الدولة .. لكن ما عملش كده الراجل .. أمال عمل ايه ؟؟؟
*
عمل الخطوات السحرية الجاية :
أولا .. طمن كل فئات الشعب واتقرب من الفقرا اللي هو منهم .. وكمان اتساهل مع الاغنياء .. وحط في باله ان الدولة منظومة متكاملة .. لو وقع رجال الاعمال فيها فهياخدوا في رجليهم ملايين من المواطنين في الشركات والمصانع والمزارع اللي بيملكوها رجال الاعمال دول .. ثانيا .. عمل خطة تقشف في كامل خدمات ومصروفات الدولة .. ( التقشف للي ما يعرفوش .. هو ان الدولة تستغنى عن كتير من حاجاتها الضرورية ودعم خدماتها .. ومعاها طبعا الرفاهيات اللي مقضي عليها بالتبعية .. في سبيل انها تحوش فلوس تنفعها قدام ) .. زي الموظف اللي بيحرم نفسه من كل ملذات الحياة عشان يوفر لولاده مستقبل بالقرشين اللي هايحوشهم لهم .
*
تقشف الدولة سلاح ذو حدين .. لأنه على المدى البعيد بيرفع الدولة ماليا .. لكن على المدى القريب بيسحل المواطن الغلبان .. لانه بيرفع عنه دعم السلع ودعم كامل الخدمات .. فالنقطة دي حلها الراجل البركة ( دا سيلفا ) في جزئية رابعا .. عمل ايه في رابعا .. حط بند في الموازنة العامة للدولة اسمه ( الاعانات الاجتماعية المباشرة ) وقيمته 0.5 % من الناتج القومي للدولة .. يصرف بصورة رواتب مالية للاسر الفقيرة .. يعني بدل ما يعمل زي الدول التعبانة العيانة ويدعم لهم السلع ومن جهة تانية يعلي عليهم الاسعار وكأنك يا بو زيد ما غزيت .. لأ هو شال الدعم عن السلع بس إدى للناس الفقيرة فلوس يصرفوا منها بس على شرط انهم يلتزموا بتعليم أولادهم ويحافظوا على صحتهم .. فوصل عدد المستفيدين من البرنامج ده 11 مليون أسرة ، يعني 64 مليون شخص بما يعادل 33 % .. من تعداد الشعب البرازيلي ( طبقا لمركز الاهرام للدراسات ) .
*
وكان متوسط الدعم اللي بتاخده الاسرة الواحدة 735 دولارًا شهريًّا ( قرب الـ 7000 جنيه بسعر السوق دلوقتي ) .. هيسأل واحد ويقول طب منين والدولة اصلا بتشحت .. هقولك ان الحل في بند خامسا .. وهو رفع الضرايب عالكل ما عدا المدعومين ببرنامج الاعانات .. فبالتالي اللي هيدفع هم رجال الاعمال والفئة الغنية والفوق متوسطة من الشعب ( من تله وافتله .. من صوف الخروف واعمل له حبل اربطه بيه ) .. ورجال الاعمال وغيرهم كانوا بيدفعوا وهم مبسوطين لأنه اصلا عاملهم تسهيلات كبيرة في الاستثمار والية تشغيل وتسيير اعمالهم .
*
في بند خامسا بقى .. حط سياسة جديدة للإقراض .. اللي عايز ياخد قرض بعمل بيه مشروع من الدولة فهاينزل هامش الفايدة عليه لحد 8.75 % .. بعد ما كان اللي بياخد قرض بيدفع فوايد عليه تؤدي لخسارته وافلاسه بلا ادنى شك .. والسياسة دي الراجل الصراحة ناقشها نقش من ( اليابان ) في فترة السبعينات .. طيب بند خامسا ده نتيجته ايه ؟؟ .. كانت نتايجه رائعة الصراحة .. رجع 2 مليون مهاجر برازيلي من كافة دول العالم لبلده من تاني ( بلدي اولى بيا ) .. ودخل 1.5 مليون اجنبي للاستثمار في البرازيل والمعيشة فيها .. وكسبت البرازيل 200 مليار دولار استثمارات مباشرة سنة 2011 م .. واتعملت مشاريع في الدولة من الدولة ومن المستثمرين ومن العائدين ومن اهل البلد نفسها .. المشاريع دي خلت البرازيل بعد ما كان صندوق النقد بيرفض إقراضها في أواخر2002 .. بقى صندوق النقد الدولي عليه مديونية للبرازيل بـ 14 مليار دولار بعد 5 سنين من العمل في برنامج ” لولا دا سيلفا ” عليه.. ( اللي مش مصدق يشوف تقرير مركز الاهرام وغيره من الوثائق الاقتصادية العالمية ) .
*
في السنين الاولى لحكم ( دا سيلفا ) عمل سماحيات كبيرة جدا وازال عوائق كبيرة من قدام القطاع الزراعي واستخراج المواد الخام .. فبقى الكل بيزرع والكل بيستخرج مواد خام زي البترول والمعادن لكن بيبيعوا للدولة بس .. والدولة بتصدر المواد الخام بدون صناعة لانهم ماكانش لسه عندهم فلوس يعملوا بيها أي صناعات لاغذائية من الزراعة ولا بترولية ولا غيرها من المواد الخام .. لكن رغم كده .. قدرت الدولة تسد العجز في ميزان المدفوعات بتصدير المواد الخام فقط ( بترول – معادن – مزروعات زي البن والخضار والفاكهة – والدواجن واللحوم زي الفراخ البرازيلي اللي مغرقة اسواقنا العربية ) .
*
بعد كده دخلت الدولة في مشوار الصناعات بخطوات ثابتة من الاصغر للاكبر .. الاول صناعة منتجات اولية من المواد الخام .. بعدين صناعات غذائية واستهلاكية .. بعدين الصناعات المتقدمة زي السيارات ومن بعدها الطيارات .. شركة “إمبراير البرازيلية ” بتمثل 37 ٪ من أسطول شركات الطيران الإقليمي في الولايات المتحدة الامريكية .
*
شافوا موضوع تضخم العملة اللي كانت سعرها في الحضيض .. ( الدولار الأمريكي = 11066.46 كروزيرو برازيلي ) – ( ماتقلقوش احنا ماشيين في الطريق ) .. فعملوا عملة انتقالية بنكية اسمها ( الوحدة الحقيقية للقيمة ـ URV ) ينتقلوا بيها من العملة الحالية لعملة تانية جديدة وهي ( الريال البرازيلي ) .. وكل ما الاقتصاد يتحسن العملة الانتقالية تعلى .. لحد ما بقى ( الريال الجديد الواحد = 2750 كروزيرو ) .
*
بعد كده دخلوا على قطاع السياحة ودرسوه كويس .. فلقوا انهم مشهورين دوليا بحاجتين ( الكورة ورقصة السامبا ) .. فعملوا فكرة سياحية جديدة محدش سبقهم بيها تقريبا وهي ( سياحة المهرجانات ) ” مش اوكا وارتيجا ” لأ المهرجانات اللي بيتلم فيها عدد كبير من فرق رقص السامبا .. وكل الشعب بيشارك .. والسياح بتيجي تتفرج عالشعب وهو بيرقص .. وضيفوا على كده أصلا إن البرازيل تعتبر من اجمل الدول في طبيعتها الخلابة ( حلوة الخلابة دي ؟ ) .. المهم ان الدولة قدرت تكسب 5 مليون سائح سنويا .
*
اخيرا وليس آخرا .. البرازيل بقت قوة اقتصادية لا يستهان بها .. والكبير يلعب على كبير .. عملت منظمة (الميروكسور ) هي وكذا دولة من دول امريكا الجنوبية زي (الأرجنتين وباراجواي وأوروجواي وعضوية غير كاملة لفنزويلا وبوليفيا ) وده رابع اكبر حلف اقتصادي عالمي .. وبعدين عملت مجموعة (البريكس) مع روسيا والصين والهند وجنوب افريقيا .. وجدير بالذكر ان الناتج القومي لمجموعة ( البريكس ) دي يعادل الناتج القومي للولايات المتحدة الامريكية .. ومن ثبات الاقتصاد البرازيلي وعدم اعتماده على الدولار الامريكي كانت البرازيل من اقل الدول اللي اتأثرت بالسلب من الازمة العالمية في 2008 .. بل كمان حققت نمو وصل لـ 5.1 % .. وكمان اقرضت البرازيل البنك الدولي خلال الفترة دي زي ما عملت السعودية وغيرها من دول الخام الصافي .. وبعدها على طول سعى ( دا سيلفا ) لكسب دعم دولي له في قضية الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن باعتباره قطبًا اقتصاديًّا وسياسيًّا دوليًّا.
*
آخرا .. هل نقدر نطبق التجربة الاقتصادية البرازيلية في مصر ؟ .. الإجابة .. آه نقدر .. بس بشرط .. يتكاتف كل المصريين مع حكومتهم ورئيسهم .. وده عمره ما هايحصل لو حد مننا حس انه اقل من التاني قدام حكومته ورئيسه .. أو فيه حد بياخد امتيازات أكبر منه فقط لأنه قريب من النظام .. لان اللي عمله ( لولا دا سيلفا ) هو احتواء كامل الشعب وليس فئة على حساب فئة .. واول ما طبق برنامج التقشف الناس عانت جدا لكن بحبهم له وقفوا جنبوا لحد ما عدوا الازمة برغم ان البرازيل ساعتها أمنيا كانت في الحضيض .. وعصابات المخدرات والمافيا البرازيلية من اثار الحكم العسكري كانوا بينهبوا جزء كبير من خيرات الدولة ولقمة عيش المواطن البسيط .. لكن مع كل ده صبر الشعب واستحمل لأنهم لقوا في رئيسهم وحكومتهم الأمل والصدق المطلق في التعامل .. فقدرت البرازيل بيهم خلال 8 سنين هم فترة حكم ( دا سيلفا ) تبقى سادس اغنى دولة في العالم متخطية بريطانيا نفسها ( دلوقتي مركز البرازيل السابع ) .. وكمان تنافس امريكا منافسة شرسة على تنظيم ( كاس العالم 2014 ) وتفوز بيه .. وكمان تنظيم ( الالعاب الاوليمبية لعام 2014 ) مع اسبانيا وتفوز برضه بيه .. وكمان تسلف البنك الدولي اللي بيسلف الكل .. وكمان تسلف البرتغال وتساعدها في ازمتها المالية .. وتدعم فقراء اوربا بعد الازمة العالمية اللي فاتت .
*
عقبالنا يارب .. قولو آمين .
*
محسوبكم / أحمد محسن ( mo7sn )
Ahmed Mohsen
*
المراجع :
تقريرمركز نماء للبحوث والدراسات لعام 2013 م .
تقرير مركز الاهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية لعام 2011 م .
دراسة في بعض أهم تجارب العالم في التضخم .. أ.م.د.جواد كاظم البكري
http://goo.gl/1U5yHe
http://goo.gl/C4urCO

 

https://www.facebook.com/AhmedMohsenAbdAlaziz/photos/a.138416383197101.1073741829.138353826536690/184906448548094/?type=3&theater