التصنيفات
فكّر مقالات الضيوف

الإنسان يحتاج الخطأ كما يحتاج الصواب

حُسن التربية لا يكمن في انعدام الخطأ بل في شعورك نحوه وقدرتك على هزيمته في وقت قصير. أو في هزيمته يوما ما..


في فيلم “الأصليين”، في المشهد حين يراقب الأب تليفونات أولاده ويتجسس عليهم، ويُصدم في أخلاقهم ويغضب، ويرى الدنيا بعين مختلفة.. لحد أنه كان سيفقد عقله..
مشهد بالنسبة لي عظيم..
فأنا مازلت أتذكر أن أبي كان يضع كل رسائل المدرسة (الموجهة إليه أصلا) على مكتبي كي أفتحها أولاً ثم أشاركه فحواها.. ولم يعط لنفسه الحق أبدا في قراءة ما يخصني.. لم يفتح مذكرات كتبتها ولم يتنصت يوما على مكالماتي وقتما كانت الاتصالات من المنزل بأكثر من جهاز لنفس الخط.
لم يفعل أبي ذلك ليس ثقة أن ابنته لن تخطئ أبدا.. فذلك سيكون منافي للواقع.. ولكن لأنه يعلم أن الإنسان يحتاج الخطأ كما يحتاج الصواب.. وأن حُسن التربية لا يكمن في انعدام الخطأ بل في شعورك نحوه وقدرتك على هزيمته في وقت قصير. أو في هزيمته يوما ما..

أزمتي مع التجسس والتطفل عموما بين المتزوجين أو بين الأهل منطقية قبل أن تكون أخلاقية..

فبعض الخيانات أسباب إصلاح العلاقات، وبعض الدنوب أسباب صلاح قلوب البعض، وبعض الهفوات كانت أعمدة للنضج.. وحين تتطفل على رحلة أحدهم في النمو تخسره وتُخسِره نفسه!

حين أُمرنا دينيا بعدم التجسس كان لمصلحتنا، حتى لا نكره بعضنا، لأن الإنسان أضعف من أن يستوعب الحقائق كاملة كالرب الذي خلقنا.. الإنسان أضعف من أن يسامح في حقه.. ولأن بعض الأسرار المُشينة طرق للصلاح ..

الله مُطّلع لأنه الغفور، وحجب بعض جوانبنا عن بعضنا لأنه يعلم قصورنا، ولتستمر الحياة وتستقيم.. وليعطي للمخطئ فرصة التوبة والإصلاح دون وصمة..
أما من فقد قلبه فيتولى الله فضيحته ليرده بنفس الوصمة التي حمي منها غيره.
لأنه الأحكم!

وعموما لن تجد علاقة راقية بين أشخاص على قدر كاف من الثقة بالنفس والرقي ومعرفة النفس البشرية يمارسون هذا الفعل المنحط “الغبي” أبدا!

المصدر