التصنيفات
افيون الشعوب

أين الدين من كل هذه الأسئلة؟

على الأقل حط الحاجات الشريفة في مكانها، وخلي قناعاتك سليمة حتى لو غلبتك الشهوة الإنسانية. العقل ربنا خلقه علشان “يعقل” يعني يُربط الشهوة، مش علشان يفلسف لها ويبرر لها. .


هل أحسن لي أشتغل موظف في شركة مالتيناشيونال، ولا أكمل في الدراسات العليا، ولا أعمل ستارت آب؟ هل الأفضل أتجوز نادية ولا سوسو؟ طب آكل اللحمة well-done ولا Medium-rare؟ ولا بلاش لحمة أساسا وخلينا في النظام النباتي؟ طب إزاي أحل مشكلة شريكة حياتي إنها حاسه بالحرمان العاطفي طول الوقت وأنا ماليش في الكلام الرومانسي؟ كيف تنهض مصر؟ الانتخابات ولا الدستور؟ نخلي الدولة تتدخل في تحديد أولويات الاقتصاد ولا نمشي ورا عم آدم سميث؟ أندرويد ولا آي أو إس؟

حياتنا عبارة عن سلسلة متصلة من القرارت في حاجات زي كده. عزيزي المشاهد (بصوت الدحيح).. أين الدين من كل الأسئلة السابقة؟ الدين ليس له تدخل في الجواب على هذه الأسئلة. الدين –كما أكرر كثيرا- ليس بديلا عن العقل والتجربة الإنسانية. انتظام حياة الإنسان كفرد، أو انتظام حياة الناس مع بعض، مبني على خبراتهم بالحياة، وفهمهم لأنفسهم، وتعلمهم من أخطاؤهم، وأخدهم بأسباب العلم وغيره. كونهم متدينين أو لأ مالوش تدخل مباشر مؤثر في كثير من الأمور دي.

ولا يعترض على كلامي بإن كل فعل من أفعال الإنسان ليها حكم في الدين، لأن أغلب أفعال الإنسان مباحة في الدين (الحرام قليل جدا والواجب قليل جدا بالقياس للمباح)، والمباح ده الدين سابلك فيه اختيار. ودي أغلب حياتك. إقحام الدين فيما ليس من أمر الدين هو إفساد للدنيا والدين معا.

وبالتالي فمثلا عبد الرحمن الناصر أعظم ملوك الأندلس كان بيحكم دولة قوية متطورة عظيمة بمقاييس ذلك الزمن، والأخت أنجيلا ميركل بتحكم دولة متطورة عظيمة بمقاييس هذا الزمن. كون عبد الرحمن الناصر كان حاكم مسلم، أو كون ميركل رئيسة الحزب الديموقراطي المسيحي الألماني مالهمش تدخل كبير في الأمور دي. القوي بيبقى قوي علشان عنده أسباب تخليه قوي.

أمال الدين هو إيه؟ الدين خطاب إلهي، بيتناول أربع أشياء إجمالا:
1) عقائد: ودي معارف معينة الإنسان بيستدل عليها وبيتبناها. زي إن الكون ده ليس قائما بذاته، وإنه مخلوق، وخالقه متصف بالعلو والتنزيه والوحدانية والعلم المحيط والإرادة الشاملة والقدرة المطلقة. وإن أرسل رسل لتعليم البشر أمور الدين زي ساداتنا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى المسيح ومحمد. وإن الحياة لها ما بعدها من اليوم الآخر. وهكذا.
2) عبادات: ودي أحكام وتكليفات تخص علاقة الإنسان بربه. زي الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج.
3) معاملات: ودي أحكام دينية بتتكلم عن علاقة الإنسان بالإنسان وبالكون. مش بتتكلم عن كيفية أداء هذه الأشياء لكن بتتكلم عن حكمها في الشرع: زي إن السرقة حرام، والزواج مستحب، ورد الأمانات واجب، إلخ. ودي ليها ارتباط كبير بظروف الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، وباب الاجتهاد والتجديد فيها دايما مفتوح طالما بعلم مش بجهل وهوى.
4) أخلاق: وهي الهيئة الباطنة للإنسان، وأوصافه النفسية زي الزهد والصبر والصدق ومراقبة الله. ودي أساس الدين وجوهره. وإن كان الطرق العملية لاكتساب الأخلاق ممكن استفادتها بالخبرة بالحياة.
هل كون الدين مش جاي يجاوب عن الأسئلة اللي في الأول ده يخلي الدين أقل أهمية؟ بالعكس. أهمية الدين بتنبع في الحقيقة إنه جاي يعرفك اللي عمرك ما هتعرفه بخبرتك في الحياة مهما زادت. جاي يكلمك عن اللي خلقك، ويبث في حياتك الكثير من المعاني والعزاءات في هذه الحياة، ويعرفك ملك ربنا اللي أنت مبرطع فيه ده إيه اللي مباح منه ليك وإيه اللي محرّم، وإزاي تستعد للحياة الحقيقية بعد الموت.

لو أنت في صحرا وعطشان وقربت من الهلاك.. إزازة المية هتكون أغلى عندك من المليون دولار. ولو أنت معتقد فعلا إن الحياة القصيرة دي هتنتهي، وإنه زي ما ربنا بيقول: (وأن إلى ربك المنتهى)، فمفيش حاجة أهم من الدين. مهما كنت مقصر أو بعيد (كلنا مقصرين وبُعاد في الحقيقة بس بعضنا مدرك ده وبعضنا لأ) فعلى الأقل حط الحاجات الشريفة في مكانها، وخلي قناعاتك سليمة حتى لو غلبتك الشهوة الإنسانية. العقل ربنا خلقه علشان “يعقل” يعني يُربط الشهوة، مش علشان يفلسف لها ويبرر لها. وكل سنة وأنتم طيبين.

تعليق:

أختلف مع حضرتك في مبتدأ الكلام، لأن الدين يقدر يتدخل ويحكم اختياراتي الدنيوية، وبالتالي يقدر يجاوب علي التساؤلات اللي حضرتك ذكرتها في الأول، من خلال معايير وأوامر ونواهي أشبه بدستور أخلاقي في بعض الأحيان تقدر تحدد مسار اختياراتي، علي سبيل المثال أمر الشارع بعدم الإسراف، وده هيكون معيار أحدد بيه مثلا شكل بيتي هيكون ايه وشكل موبايلي هيكون ايه، و كذلك مثلا أمر اختيار شريك الحياة ليها أدبيات الدين بينها زي قول الله تعالي ( .. و لأمَةٌ مؤمنة خير من مشركة ولو أعحبتكم ) وده ممكن فعلا يحددلي أختار سوسو ولا نادية 😃 و الأمر فيه براح كبير طبعا وسعة و خيرية وأفضلية، لكن في النهاية هيظل وجود مرجعية حاكمة من الشارع موجودة و متحققة في كل مناحي الحياة وهي بمثابة قيم ثابتة بيتم من خلالها تحديد القرارات اللي حضرتك عنيت بيها( دنيوية) وبالتالي من وجهة نظري مفيش فصل، والتداخل قائم بشكل تلقائي من خلال بعض المحددات الدينية

معذرة علي الإطالة لكن مثال أخر لتوضيح مدي تداخل الدين في ضبط جميع المباحات ( كما انا فهمت يعني و عساني مخطأة برضو)

إن المباح في الأكل ممكن لمن يتحري الأفضلية وبيحاول يحدد قرارته في نوع أكله هيقدر يلاقي في الدين مثلا اللي يحكمه هل ياكل سبانخ مسبكة ولا معمولة بطريقة أكثر صحية
بناء علي حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) وعلي أساسه هيبدأ يشوف مدي التأثير الأسلم لصحته في طريقتين الطبخ

طبعا يعني المثال دقيق أو شوية غير دارج … لكن اللي هيكون بيتحري الأفضلية دايما هيقدر هيمشي علي نظام غذائي صحي بناء علي مرجعية دينية.

فالدين في النهاية بيضع خطوط عريضة لكل ما يتعلق بالحياة ، وتحتها بيبقي في مساحات اليسر والإباحة وعدم المشقة علي الناس وو
الرد علي التعليق:

أنا مختلف مع فكرة حضرتك الحقيقة (ويسعنا الاختلاف يعني). الإنسان لا يحتاج إلى الدين أن يعلمه الابتعاد عن الضرر قدر الإمكان. كل إنسان عاقل يعلم هذا من غير دين. وأكل السبانخ المسبكة حلال في الدين، وبالتالي الدين لم يمنع منه.

اللي حضرتك بتقوليه هو ميراث كلنا ورثناه ولم نفكر فيه ولم ننقده. وهو مخالف للأحاديث النبوية الشريفة الكثيرة زي (أنتم أعلم بشؤون دنياكم)، وزي (ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله، وما قلت لكم من رأيي فإنما أنا بشر)، وزي (ما أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وما أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر) فبين النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الفرق بين ما هو من أمر الدين وما هو من معايش الدنيا.

فيه جزء صحيح في كلامك، وهو إن الإنسان المتدين، بيكون عنده قيم ومعاني كلية ليها تأثير على كتير من اختياراته أحيانا من غير وعي منه. علشان كده أنا قلت في البوست (مالوش تدخل مباشر مؤثر في كثير من الأمور دي). لأن التأثير ده هو تأثير غير مباشر، ويستوي فيه من تدين بدين حق أو بدين باطل، كل صاحب دين أو فلسفة كبرى لابد أن تؤثر في تفاصيل حياته، لكن الدين نفسه لم يأت ليعلمنا هذه التفاصيل. والله اعلم

https://www.facebook.com/ahmad.fatehelbab/posts/10157322004869629